23-مارس-2019

من أين خطرت لك فكرة إنتاج هذه اللوحة؟ وما هي المراحل التي مررت بها وصولاً لوضع اللمسات النهائية عليها؟ سؤالان يُطرحان كثيرًا على الرسامين من الجمهور والصحافة معًا، لكن في معرض "المرفق" الذي تُنظمه مؤسسة القطان -في مقرها الكبير المرتقب افتتاحه هذا الصيف- قد لا يحتاج أحدٌ لطرح السؤالين، بل سيُشاهد الإجابة في الاستديو الخاص بكل فنان، وهذا بعض ما يُحاول المعرض تحقيقه.

17 فنانًا وفنانة من جيل الشباب يرسمون أعمالاً فنية ويعرضونها في معرض "المرفق" على مدار شهرين في مؤسسة القطان

17 فنانًا وفنانة من جيل الشباب يحتضنهم "المرفق" لشهرين، بدءًا من الافتتاح الرسمي عصر السبت 23 آذار/مارس في مقر القطان بحي الطيرة في مدينة رام الله. و"المرفق" سيُثير اهتمامك فور دخولك إليه بديكوراتٍ كان لا بُدَّ أن نسأل القيّم على المعرض يزيد عناني حولها، فأوضح لنا أن اختيار فكرة الغرف لكل فنان كان بهدف منح كل منهم هوية خاصة به ليُمارس فيها عمله، "وهذا تهم الفنانين دائمًا في إنجاز أعمالهم".

ويرى عناني -وهو مدير البرنامج العام في "القطان"- أن اختيار هذه الديكورات كان أفضل من الحائط الأبيض المستخدم  في المعارض الفنية عادة، وهو في مفاهيم المعارض :عنصرٌ صامتٌ" هدفه أن يكون العمل الفني هو الأساسي والظاهر، "أما هذه الاستديوهات بهذه الديكورات فتبدو حاراتٍ صغيرة، بدلاً من أن تكون ستديوهات بحيطان بيضاء فتبدو استمرارية لجدران المعرض".

يجلس الفنان علاء البابا من مخيم الأمعري في الاستديو الخاص به، وقد علّق على جدرانه لوحاته التي قال عنها إنها "في مرحلة البحث وليس الإنتاج الكامل"، مبينًا أنه يُحاول إعادة إنتاج الفنان مصطفى الحلاج من خلال المخيم، وهو الفنان الذي اشتغل على شخصيات أغلبها أسطورية فينيقية وكنعانية، وقد تعرض أرشيفه "للتهميش والفقدان".

يُحاول علاء إعادة إنتاج الشخصيات التي رسمها الحلاج "على أساس أنها ساكنة في المخيم، وبتحاكي واقع المخيم" كما قال، وقد يصل في النهاية إلى لوحاتٍ أو عمل فني أو كتاب، أما الآن فهو في مرحلة البحث.

منح معرض "المرفق" الفنانين المشاركين فيه استديوهات خاصة بهم ليمنحوها هويتهم الخاصة

ولا يخاف علاء من اتهامه بعدم إنصاف الفنان الحلاج وأعماله عندما يُعيد إنتاجها، فهو يرى أن الحلاج وفنانين كُثُر "اشتغلوا وقدموا أعمالهم للعموم، وهناك مساحة عامة ممكن نتعامل معها".

ويُبيّن أن اختيار الحلاج لإعادة إنتاج أعماله يعود لتناوله شخصياتٍ أسطورية وبحثه فيها، "وهذه تُحاكي فكرتي الي بحكي عنها دائمًا حول الحياة الاجتماعية في المخيم والجانب المؤقت والصراع والنكبة واللجوء"، إضافة لـ"التهميش والفقدان" الذي تعرضت أعمال الحلاج.

يحتضن "المرفق" أعمالاً فنية مختلفة مثل الكومكس والكولاج والرسم التجريدي والواقعي، ما يمنحه تنوعًا مُثيرًا يجعله يلامس اهتمامات فئاتٍ مختلفة من الجماهير، وقد أرجع عناني ذلك إلى أن الفنون البصرية الآن لم تعد محكومة باللوحة، "في فنانين بشتغلوا فيديو، وفي فنانين بشتغلوا صوت فقط، وفي أعمال تركيبية، لذلك حبينا يكون في تنوع".  

يحتضن معرض "المرفق" أعمالاً فنية مختلفة مثل الكومكس والكولاج والرسم التجريدي والواقعي

الفنانة أنوار فنّون من الخليل، بدأت علاقتها مع الرسم بـ"الخربشة" وفق وصفها قبل 12 سنة، وهي الآن تُقدم الكولاج والرسم التجريدي والواقعي معًا، وقد اختارت أن تناقش من خلالها "أزمة الإنسان المعاصر"، وهو ما ستُشاهده في الاستديو الخاص بها داخل "المرفق".

أحد أعمال أنوار الفنية عمره أكثر من ثلاث سنوات، وهو يُحاكي صورة طفلة من قطاع غزة حاولت أن تُخبئ عن عيني دُميتها الدمار الذي خلّفه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014، وقد رسمتها أنوار بخامة الألوان الزيتية.

لوحةٌ أخرى بطريقة الكولاج تُبين كيف يُحاول الإنسان التخلص من الضغط الذي يعانيه من خلال إيذاء نفسه وبعادات خاطئة. ولوحةٌ ثانية عن بيوتٍ مدمرة نتيجة الحرب داخل إنسان، تُعلّق أنوار بأنها حاولت أن تحكي من خلالها عن الآثار التي تتركها الحروب من هجرة واغترابٍ وفقر.

تُعرب أنوار عن أملها بأن تتعرف على فنانين جُدُد من خلال هذا المعرض، وتزويد موهبتها بخبرات جديدة، والاستماع إلى آراء متخصصين ونقادًا لتطوير موهبتها، مضيفة أنها في أعمالها تحكي عن البيئة والتلوث كجزءٍ من أزمة الإنسان المعاصر أيضًا.

الفنان مجدي أبو غربية من رام الله، يُقدم نوعًا خاصًا من الفن في الاستديو الخاص به، وهو أول استديو في المعرض ستجده إلى يسارك بعد دخولك من البوابة. أبو غربية، بدأ منذ 10 سنوات تجميع موادًا وقطعًا مستعملة يراها "مميزة" في الطرقات والأحراش، فيحتفظ بها في زاوية لإعادة التدوير، إذ يقوم بصيانة القطعة وتنظيفها حتى تصبح قابلة للعمل بها، "بعدها بجيب علب المناكير وبعمل ألوان زاهية حتى تصبح لوحة فنية" كما يقول.

يُبين أبو غربية أن بعض هذه اللوحات استغرق شهورًا في جمع القطع المناسبة لإنتاجها وتجهيزها لتكون لوحة مكتملة.

ما هي قيمة هذه الأعمال بنظرك يا مجدي؟ أجاب بأن قيمتها تُشبه قيمة "البابور" الذي ورثه عن والدته ومازال يستخدمه حتى الآن، "أنا بحب العيشة القديمة، وبحب جو عمل الباحث أو المؤرخ الي بتشوفه في الأفلام الأجنبية ع مكتبه خيط عنكبوت وزجاجة مكسورة. أنا بشوف هذه الحياة منطلق للحياة والفكر، هذا التقشف هو حياتي مثل حياة الرهبان".

في استديو مجدي ستُشاهد توثيقًا للقطع التي يُقدمها، وربطًا لكل ذلك بالتاريخ، وقد أوضح لنا أنه بدأ بتنفيذ مشروع للدراسات والبحوث الأثرية، يريد لن أن يكون "حاضنة لخريجي التاريخ والآثار"، وقد أطلق عليه اسم "البيت العربي الشرقي"، وسيعمل في ثلاثة محاور تاريخية وثقافية.

ويبدو لافتًا احتضان "المرفق" نوعًا من الفن يُمكن القول بمحدودية وجوده في فلسطين، رغم الجمهور الواسع له، وهو فن الكومكس -القصة المصورة- الذي تُقدمه الفنانة حنين نزال من جنين.

تُحول حنين قصصًا كتبها الأديب الشهيد غسان كنفاني إلى كومكس، وقد اختارت قصصًا من مجموعة "عالم ليس لنا" القصصية التي كتبها كنفاني للأطفال، وهي ترى في ذلك إعادة لهذه القصص إلى الساحة، لكنها ترفض وصفها بـ"إعادة الأحياء" لأنها "لم تنتهِ" كما تقول.

ورغم أن هذه المجموعة القصصية كانت للأطفال، إلا أن حنين تُريد من الكومكس الذي ترسمه أن يكون لمن هم أكبر سنًا، ويستطيعون فهمها "ومش بس يتفرجوا على الرسمات والألوان وخلص".

بدأت علاقة حنين بالرسم "من زمان"، لكنها قررت منذ سنة -تقريبًا- دخول مجال رسم الكومكس، وقد اختارته "لانتشاره عربيًا"، وبعد أن شاهدت أعمالاً مصرية وتونسية "مميزة"، فقررت أن تُقدم "كومكس كثير فلسطيني" وفق تعبيرها، وقد شجعها لذلك أن هذا النوع من الفن "ليس دارجًا" في فلسطين رغم أن الناس تُحبه وتبحث عنه وتأتي به من الخارج.

ترَكت "القطان" للفنانين المشاركين في معرض "المرفق" حرية بيع لوحاتهم، لكنها لن تتولى تسويقها أو بيعها، وفق ما أفادنا به عناني، مبينًا أن المعرض يهدف إلى منح الفنانين فرصة للتعارف والتواصل وتبادل الخبرات، ومنحهم الفرصة لتقديم أعمالهم إلى الجمهور والعاملين في الوسط الفني من نقاد وفنانين وقيّمين، والاستماع إلى آرائهم لتطوير مهاراتهم.


اقرأ/ي أيضًا:

صور | خالد زياد.. كومكس في غزة

"تذكار" يوثق اللحظات السعيدة

فداء سمار.. أن تجعل الطبيعة أداة للفن