أوراقٌ مكدسة فوق بعضها تمثل مُخططات أولية لمشاريع فنية، ولوحاتٌ كبيرة رُسمت بالريشة وثُبتت على حاملٍ كبير، والكثير من دفاتر الاسكتش، وبين كل ذلك جهاز حاسوب ولوحة إلكترونية كبيرة للرسم. مشهد يجعلك تنتظر لقاء فنان بلحيةٍ كبيرة يعلوها قبعة إيطالية، وغلون معقوف ورداءٍ أبيض، لكن هذه النظرة النمطية تتلاشى من ذهنك عندما تقابل الفنان العشريني خالد زياد في مرسمه الذي يمثل غرفته الشخصية التي يقول إنه أخيرًا قام بترتيبها، استعدادًا للقاء "الترا فلسطين".
[[{"fid":"70257","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":281,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]
بداية الشغف بالفن والرسم شيء لا يذكره خالد، لكنه يعتبر بدايته الحقيقية في عام 2014، عندما كان عمره 18 عامًا، وبدأ بنسخ الصور الشهيرة ورسمها، ومحاولة التطوير عليها، ثم الرسم من الخيال على الأوراق والقماش، حتى ابتكار الشخصيات وصياغة القصة المصورة البسيطة من خلال الرسم الذي يعرف عالميًا بــ"كومكس".
خالد زياد، بدأ برسم الصور الشهيرة عندما كان ابن 18 عاماً، ثم انتقل إلى الرسم من الخيال على الأوراق والقماش، حتى ابتكار الشخصيات وصياغة القصة المصورة
10 ساعات يوميًا هي المدة التي يقضيها خالد بين حاسوبه وأقلامه وأوراقه للرسم، وقد شكلت كما يقول تطوره ومستواه، فهو يؤمن بالعمل وتطوير الذات، وأن الموهبة وحدها لا تكفي لصنع الفن، معبرًا عن أن الفن هو كل ما يسعى له، وأن دراسته الأكاديمية للوسائط المتعددة هي الشيء الجانبي وليس العكس.
[[{"fid":"70258","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":281,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]
واستهوى خالد فن "الكومكس" كونه "ينشأ من مكان مليء بالأحداث المتتالية والقصص الرهيبة التي تكون ملهمةً في إنتاج شخصيات من ابتكاره بأسماء مختلفة ومعانٍ فريدة؛ يستخلصها من تجاربه الشخصية بحالات شعورية نابعة من داخله أو مبنية على معايشة أقرانه وجيرانه لها" وفق ما يقول.
اقرأ/ي أيضاً: الأوريغامي في فلسطين.. فن وعلاج أيضاً
يشير خالد إلى أن الكثير من القصص التي بدأت كرسومات أصبحت الآن أفلامًا شاهدها الجميع مثل "باتمان" أو "ديدبول"، مضيفاً أنه يعمل حاليًا على صياغة ورسم العديد من القصص المصورة التي تحكي حكايات الناس في غزة، ويطمح أن تكون صدى لصوتهم وتعبر عنهم بالطريقة المناسبة، وأن تشكل هذه القصص تجربته الشخصية وتجارب المجتمع الكبير والمنوع بمختلف أشكاله وأطيافه وميوله.
يذكر خالد أن غزة ليس فيها نماذج بارزة لهذا الفن، باستثناء الرواية المصورة "هوامش في غزة، Footnotes in Gaza" الصادرة عام 2009، للصحافي المالطي الأميركي جو ساكو، وتدور أحداثها حول مجزرتين وقعتا عام 1956 في خانيونس، ورفح جنوب القطاع، وبأسلوب شيق يربط المؤلف الماضي بالحاضر حيث استمرار المعاناة.
ساكو عاش في فلسطين سنوات عديدة وأنجز عمله الطويل "فلسطين"، الذي كان مجموعة قصص قصيرة وطويلة، بعضها تصف رحلاته ومقابلاته، والبعض الآخر تصويرٌ للقصص التي سمعها، وقد نُشرت القصص كسلسلة كتيبات بين عامي 1993 و2001، وحازت على جوائز عدة.
غزة تخلو من "الكومكس" باستثناء رواية هوامش في غزة، Footnotes in Gaza" للصحافي المالطي الأميركي جو ساكو بعد أن عاش في فلسطين سنوات عديدة
السعي خلف التطور ورفع المستوى عملية مستمرة لا تتوقف بالنسبة لخالد، على الرغم من أنه لم يتلق أي تعليم أكاديمي في الفن، إلا أنه دائم التجريب والبحث عن أساليب الرسم والتلوين وابتكار الأفكار. يقول: "كل الفنانين في غزة يعتمدون بشكل كبير على ذلك، طورنا أساليبنا وطرقنا التي تعتمد على الملاحظة والبحث، مع أن هذه العلوم موجودة في الكتب ونحن لا ندري عنها أو نصل لها بصعوبة، إلا أننا خرجنا بنتائج فريدة".
اقرأ/ي أيضاً: هموم غزة بأعواد الكبريت.. صور وفيديو
المثال الذي يحتذي به خالد هو أحد أشهر مخرجي ورسامي الرسوم المتحركة اليابانية وهو "هاياو ميازاكي"، الذي يتشابه معه في معايشة الحرب ونبذها، ومحاولة إبراز كل ما هو جميل من المشهد السوداوي أو الكئيب.
[[{"fid":"70260","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"4":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":300,"width":335,"class":"media-element file-default","data-delta":"4"}}]]
لوح الرسم الإلكتروني، أحد أهم أساسيات عمل "الكومكس"، لا يتوفر في غزة، وإن وُجد فيكون ثمنه ثلاثة أضعاف، فاضطر لشرائه عبر الانترنت، وإرساله لصديق في لندن يزور غزة بين الفترة والأخرى، وهذه ليست إلا واحدة من عدة معيقات يواجهها في إطار عمله.
كما أن ندرة مجال القصص المصورة في فلسطين تحرم محبي هذا المجال من التوجيه والإرشاد، وتمرير الخبرة والتجربة إليهم، كما تحرمهم من النقاش النقدي مع الأقران في نفس المجال، ما يجعل خالد يُقيّم نفسه بنفسه، أو يطلب آراء فنانين آخرين عرب وأوروبيين عبر مواقع التواصل التي لم يستخدمها إلا منذ سنة واحدة.
[[{"fid":"70263","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"7":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":300,"width":379,"class":"media-element file-default","data-delta":"7"}}]]
[[{"fid":"70267","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"10":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":291,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"10"}}]]
ويقلل انعدام أو ضعف إنتاج الأفلام المصورة أو الكرتونية من فرص ممارسة الرسامين لمجالهم. يشير خالد إلى حاجته للمشاركة في أعمالٍ كبيرة تزيد من مهارته وتطورها، كما تكسبه خبرة التجربة والمجال الجديد والعمل من الفريق، قائلًا "ليس أمامي إلا مواصلة الرسم وعمل القصص المصورة".
[[{"fid":"70268","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"11":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"12":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":389,"width":900,"class":"media-element file-default","data-delta":"12"}}]]
التفاف العائلة ودعمها كان عونًا كبيرًا لخالد وساعده في تطوير نفسه والثقة بقدراتها، كما أن تقدير الآخرين وإنجاز أعمالٍ لمؤسسات عديدة في غزة وغيرها جعله يستمر ويمضي. يقول: "أنجزت رفقة فنانين اثنين تصاميم لكتبٍ مدرسية من الصف الأول للتاسع في مدارس الأونروا، وعملت في مؤسسات مختلفة قبل دخول الجامعة، كما ساهمت في رسومات تحولت لاحقًا إلى ألعاب للهواتف الذكية".
في غزة يُقلل الناس من أهمية الرسم ويتهكمون أحياناً، لكن ذلك لا يعني أن خالد لا يلقى تقديراً خاصة من عائلته وبعض المؤسسات هناك
لكن النظرة النمطية أيضًا لها تأثيرها، فيقول "الناس وبعض الأقارب يتهكمون، رسام! ماذا سيعمل؟ يرسم ويبيع لوحات! لا يعرفون أن الرسم أهم عنصر في أكثر المجالات درًا للأموال في العالم، مجال الترفيه، لا يخلو فيلم من الرسم، ولا لعبة إلكترونية، لا شيء في مجال الترفيه تقريبًا يخلو من الرسم والفن".
[[{"fid":"70266","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"9":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":448,"width":864,"class":"media-element file-default","data-delta":"9"}}]]
خلال زيارتنا لخالد، ما كان يمكن إغفال اللوحة الكبيرة المثبتة على المرسم، شاب يرتدي حقيبة على جبينه "باركود" المنتجات، وعلى فمه كمامة تبدو كوثيقة السفر الفلسطينية. سألنا عن اللوحة، فكانت القصة أن أحد أصدقائه حاول السفر مرارًا عبر معبر رفح دون جدوى، ثم حاول لسنتين كاملتين الحصول على تصريح للسفر عبر معبر بيت حانون، وعندما حصل عليه، وقابل ضباط الاحتلال أبلغوه بمعلومات عن حياته يكاد هو لا يعرفها، "كأنه علبة فول تم مسح الباركود الخاص بها، فظهرت كل النتائج على شاشة الحاسوب".
وأشار زياد في شرحه إلى أن الكمامة ترمز إلى أن الوثيقة الفلسطينية للسفر تخنق صاحبها، والحقيبة الخفيفة هي عدم وجود ما يترك في الخلف بغزة، ورقم 1948 يعود لبداية من بدايات المعاناة الفلسطينية.
[[{"fid":"70259","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":281,"width":500,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]
اقرأ/ي أيضاً: