بحرص شديد، وبفرشاة صغيرة مصنوعة من شعر السنجاب، تعكف الباحثة حنين السرساوي (24 عامًا) على ترميم مخطوطة قديمة تعود إلى العهد العثماني، في محاولة لإصلاحها، وإزالة البقع الصفراء والتغيرات التي أحدثها الزمن عليها.
فريق "عيون على التراث" في مدينة غزة، الذي يضم ثماني باحثات متطوعات، من أجل ترميم آلاف الكتب والمخطوطات القديمة التي توثق الحقبة الزمنية الفلسطينية وتاريخ مدينة غزة، من عام 1820 وحتى عام 1948، وأرشفتها رقميًا
تعمل حنين السرساوي ضمن فريق "عيون على التراث" في مدينة غزة، الذي يضم ثماني باحثات متطوعات، من أجل ترميم آلاف الكتب والمخطوطات القديمة التي توثق الحقبة الزمنية الفلسطينية وتاريخ مدينة غزة، من عام 1820 وحتى عام 1948، وأرشفتها رقميًا، ثم رفعها عبر موقع المكتبة البريطانية وموقع متحف هيل في أمريكا، الممولين للمشروع.
وتقول حنين السرساوي لـ "الترا فلسطين" إنها خضعت وزميلاتها لتدريب مكثف استمرّ لشهرين، لتعلم كيفية ترميم المخطوطات القديمة باستخدام أدوات خاصة، قبل أن ينطلق الفريق في مهمته لترميم وأرشفة مخطوطات قديمة ونادرة، حصلت عليها المؤسسة من عدة عائلات غزية.
وأفادت حنين السرساوي، أن طاقم العمل في المؤسسة مكون من قسمين، الأول يتولى مهمة ترميم المخطوطات باستخدام فرشاة ناعمة للغاية مصنوعة من شعر السنجاب، إلى جانب قطع من الاسفنج المصنوع من الفنيل، ومادة الكحول ومقص وملقط طبي. أما عن القسم الثاني فمهمته الأرشفة الرقمية، ويبدأ عمله بعد الانتهاء من ترميم المخطوطات والكتب.
وأوضحت السرساوي، أن عملية الترميم تبدأ بمعاينة المخطوطة ومعرفة الفترة الزمنية التي تعود إليها، والموضوعات التي تتناولها، ثم الانتقال بحرص شديد إلى عملية الصيانة، خاصة إذا كان ألياف الورقة متكسرة أو يوجد فيها درجة عالية من الحموضة والبقع البنية.
وفي المرحلة الثالثة، من عملية الترميم تُعد الباحثات تقريرًا علميًا خاصًا بالمخطوطة، يتضمن اسم المؤلف والفترة الزمنية وعدد الأوراق وختم التملك، ووصفًا مختصرًا للمخطوطة، قبل أن يتم نقله إلى قسم الأرشفة الرقمية.
"نحن لا نشعر بهذا العمل أننا نقوم بإحياء التراث، بل هو من يحيينا، فهذه المخطوطات فيها معلومات مبهرة وحياة وثقافة وحضارة" قالت حنين السرساوي.
وأضافت، أن بعض الجمل والكلمات التي وقعت عليها عينها أثناء عملية الترميم استوقفتها، وقادتها إلى قراءة عدة مخطوطات بالكامل، "رغم أنه غير مطلوب منا القراءة بدقة في مرحلة الترميم".
وفي المرحلة الثانية من العمل، وهي الأرشفة الرقمية، يأخذ فريق العمل لقطات لجميع الصفحات في استديو خاص أقيم في إحدى زوايا المؤسسة، ويتبع ذلك، بحسب ما أفادتنا به الباحثة دعاء دويمة، تسمية المخططات ورفعها على المواقع المتاحة للباحثين، ثم تأتي المرحلة الأخيرة، حيث يتم الاحتفاظ بهذه المخطوطات داخل صناديق من الكرتون خالية من الحموضة، توضع داخل خزائن حديدية، ويمنع لمسها لإطالة عمرها، فيما تتوفر نسخة إلكترونية منها للمهتمين والباحثين.
من جانبها، مشرفة الفريق حنين العمصي، أوضحت أن الهدف من المشروع هو الحفاظ على المخطوطات التاريخية خشية ضياعها، خاصة في ظل تعرض قطاع غزة بصورة مستمرة للعدوان الإسرائيلي، مبينة أن فكرة المشروع بدأت عام 2017 بعد تشكيل تطوعي، من أجل المساهمة في توثيق تاريخ جنوب فلسطين، بما في ذلك قطاع غزة والمناطق المحيطة به من القرى والمدن التي هجر أصحابها عام 1948.
وقالت حنين العمصي، إن فريق العمل تمكن على مدار عدة سنوات من إنقاذ مجموعة كبيرة من المخطوطات والكتب التي جُمعت من مكتبات مؤرخين ومفكرين من أعلام غزة على مر العصور. وتشمل المخطوطات، وفقًا لحنين، على كتب سياسية وفقهية وتربوية، إضافة إلى مخطوطات وكتب علمية وشعر وروايات.
وأعربت العمصي عن أسفها لغياب التوعية بقيمة المخطوطات التراثية الفلسطينية، منوهة أن جزءًا كبيرًا من هذا التراث تمت سرقته من قبل الاحتلال، فيما فُقِد جزءٌ آخر خلال العدوان الإسرائيلي المتكرر على القطاع.
وأشارت أنهم واجهوا صعوبات خلال عملية الترميم تمثلت بعدم توفر عديد الأدوات التي يتم استخدامها في ترميم وصيانة المخطوطات بسبب تواصل الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة.