27-مايو-2017

أطفال يحملون فانوس رمضان في الأقصى - تصوير أحمد غرابله (Getty)

ما إن يُعلَنُ عن رؤية هلال رمضان، ويُحدد موعد الصيام، حتى تبدأ مظاهر إعلان الاحتفال بقدوم الضيف العزيز، في المدن والأرياف. إحدى هذه المظاهر تزيين البيوت وإنارة الفوانيس فيها، وفي الطرقات والمساجد، إضافة لمواكب "طبيلة رمضان". غير أن العادة الأخيرة اختفت إلا من بعض المناطق، حيث تُنفذ على استحياء.

"طبيلة رمضان" أطفالٌ يدقون على الطبول وأدواتٍ أخرى، وينشدون في الأحياء والأزقة أزجالاً وألحانًا تراثية، باحثين عن حلوى وغيره احتفالاً بحلول الشهر الفضيل.

"طبيلة رمضان" أطفالٌ يدقون على الطبول وأدواتٍ نحاسية احتفالاً بحلول شهر رمضان الفضيل

ولأن الصوم مرتبط برؤية الهلال كما في الحديث النبوي "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"، فقد جرت العادة في آخر شعبان أن يعتلي القضاة في المدن الرئيسية وأئمة المساجد في القرى المآذن أو الأماكن المُرتفعة ليرقبوا الهلال، وحولهم حشدٌ من الأهالي مُنتظرين الإعلان عن رؤية هلال شهر الخير والرحمة.

اقرأ/ي أيضًا: رمضان فلسطين.. كسر الحواجز نحو القدس

ثم إذا أعلن القاضي الشرعي أو إمام القرية عن ثبوت الرؤية، علت أصوات الأطفال:

صيام رمضان صيام .. بذا حكم قاضي الإسلام

تبدأ هناك مواكب الأطفال الاحتفالية حاملين طبولاً وأدوات نحاسية، وما يتوفر من أدوات تصدر ضجيجًا وصوتًا، ويكون مع كل منهم كيس قماش مزركش يُعرف محليًا بـ"كيس الحواجة"، ويسيرون على بيوت الحارة أو المنطقة التي يسكنون بها مُنشدين أهازيجًا لشهر الفرحة والسرور. 

رمضان يا عــود الكـبـريـت .. يا مـقـيد كـل العـفـاريـت

رمضان يا أبو صحن نحاس ..  ياللي طايف عَ بلاد الناس

رمضـان يا أبـو العـيـلـة ..  نـبـلــش صـومـك مـن الليـلـة

رمضـان يا أبو صحـن جـديـد .. وصحــورك ليـوم العـيـد

وموكب الأطفال الاحتفالي هذا نجده في استقبال رمضان وفي ليلة الشُعلة في نصف شهر شعبان، وفي مواكب الاستسقاء وطلب الغيث، وغيرها من المواكب الشعبية التي يمارسها الأطفال في فلسطين. حيث يقفون عند باب أحد البيوت وينشدون بصوت عالٍ مُنتظرين خروج أهل البيت لإعطائهم ما تيسر في البيت من حلوى أو خبز أو طعام:

حلو الكيس وأعطونا بقشيش .. أعطونا بنروح وبنيجيش

أعطـونا حـبة حـلاوة .. على النبـي صـلاوة

أعطونا قمح وزبيب .. ريتكم  تزوروا الحبيب

أعطـونا تمـر حـنة .. ريتكم  تـزوروا الجـنة

وفي وقت انتظارهم ليأخذوا ما تقر به أعينهم وتطيب به الخواطر، يرفعون من وتيرة طبولهم وقرعهم على أدوات النحاس والحديد التي بأيديهم وينشدون بشكل حماسي سريع:

طبـل طبـل يا رمضان .. حيا الله بلاد الشــام

فيها الخوخ والرمان .. لولا ابو فلان ما جينا

حلـو الكيــس وأعطـونا .. أعـطـونا حـلاوانا

صحـنيـن بـقـــلاوة ..  ورغـيـفـيـن شــلبـيات

طبـل طبـل يا رمضان .. حيا الله بلاد الشــام

فيجود أهل كل بيت بما تيسر عندهم من طعام أو حلوى، أو بيض بلدي، أو قمح وغيره. ولا يتأخر أحد عن إكرام هؤلاء الفتية مُحملينهم أمانة السلام على أُمهاتهم أو جداتهم ومن يعرفون من أهلهم.

وتقليد توزيع الحلوى ليلة رؤية هلال رمضان قديم ومعروف، وقد نسبوا لخلفاء مصر الفاطميين أنهم كانوا يرسلون الى الأمراء كافة من أرباب الرتب والخدم، طبقًا فيه حلوى وفي وسطه قطعة من ذهب، ويقال لهذا التقليد "غُرّة رمضان".

وهناك نوع من الأغاني الطريفة التي يُغنيها الأطفال في موكبهم الاحتفالي بقدوم رمضان كما في مدينة نابلس قديمًا ومنها:

على الســـــوق نـازل .. يـا نـازل

تـحـت الـمـنـازل .. يـا نـازل

ونزلت ع السوق نازل .. ولقيت لي تفاحه

حمـرا وحمرا لفاحه  .. حـلفـت ما بـذوقها

إلا يجي خيي وبيّي .. إجـا خيي وإجا بيـي

أطلعـني ع العلـية  .. لقـيـت الشـايب نايـم

عـزيتـه وعـزيـته  .. وشـــربت مـن زيته

زيـته يا تمـر حنا  .. مـعـلـق ببـاب الجـنـة

يا جنة محـلاكي  .. رب الســما حــلاكِ

وهذا الموكب الاحتفالي للأطفال في فلسطين وبلاد الشام استقبالاً لشهر رمضان، كان له مواكب شبيه في المدن الرئيسية في مصر والشام؛ احتفالاً بحضرة الأمراء والخلفاء والعلماء وأعيان البلد وكبار أهلها من التجار ونحوهم.

"طبيلة رمضان" تشبههم مواكب كانت تنطلق في المدن الرئيسية في مصر والشام، وتسمى "مواكب الرؤية"، وتنتهي بتوزيع الصدقات على المحتاجين

وكانت تنطلق هذه المواكب بعد إعلان ثبوت الهلال، يتقدمها حملة المشاعل والأعلام الملونة وضاربو الطبول ونافخو النقاقير، وتعرف بـ"مواكب الرؤية" أو "مواكب الركبة". وكانت العادات تقضي بعد انتهاء هذا الموكب الرسمي، بأن توزع الصدقات على الفقراء والمحتاجين من أهل المدينة أو الأنحاء.

وعلى الرغم من موت هذه العادة الاحتفالية في غالبية مدن وقرى فلسطين، إلا أنها تبقى من إرث البلد وتراثها الشعبي الذي نتجمل به ونحرص على توثيقه ورصد بقاياه لإعادة بعثه ومنعه من الاندثار.


اقرأ/ي أيضًا:

"ليلة الشعلة" إيذانًا باستقبال رمضان.. ما قصتها؟

هل احتفلتم بـ"الشعبونية" هذا العام؟

في شهر أيار.. حصاد وغناء وفرسان