01-مايو-2017

يهل شهر أيار/مايو، الشهر الخامس حسب الأشهر الميلادية، وشهر الحصاد حسب "تقويم فلسطين"، إذ يتداعى الفلاحون منذ بدايته لشحذ الهمم لبدء مواسم الحصاد، وهو ما يذكره المثل الشهر "في أيار احمل منجلك وغارْ"، حيث تنضج المحاصيل كالقمح والشعير والقطاني وغيرها مع نهاية شهر نيسان/إبريل، وتبدأ دورة جديدة من العلاقة الزراعية مع الأرض، فيما يستمر موسم الحصاد حتى نهاية شهر حزيران/يونيو، حسب المناطق الجغرافية الفلسطينية ودرجات الحرارة فيها.

 ويكون أول ما يحصده الفلاح القطاني "عدس - بيكه – كرسنّة"، ثم الشعير، ويليها القمح. يقول المثل: "اللي بزرع قمح بحصد قمح". وبالعادة تهل في أول أيار شتوةٌ يُسميها الفلاحون في فلسطين "شتوة القطاني"، وهي علامة بدء حصاد القطاني.

شهر أيار يعلن بدء مواسم الحصاد في فلسطين، وأولها القطاني ثم الشعير ويليها القمح

ولما كان القمح هو رأس مال الفلاح وأهم مونته من الحبوب، "القمح والزيت عمارة البيت"، فإن محور زراعة الحبوب في فلسطين كان يقوم على القمح. ومقدار الغنى عند الفلاحين بمقدار ما ينتج من قمح، "إن كان في البيت قمح وزيت سحّجت وغنيت".

اقرأ/ي أيضًا: عن "المستقرضات" وعجوزها وأمطارها الغزيرة

ولا يكون حصاد القمح إلا بعد نُضجِه وميل لونه للأصفر الذهبي، ولذا يقولون: "إن مَشمَش القمح انزل عليه، وإن مَشمَش الشعير شو بدك فيه"، ذلك أن الشعير يُحصد قبل القمح بأسبوعين أو أكثر.

وحين ينضج سبل القمح جيدًا، ويصفر لونه، وتبدأ سنابله بالانحناء، فذلك إعلان صريح من السبل للفلاح لبدء الحصاد، ولذا يقولون: "القمح قايص".

ولا يكون الحصاد إلا في ساعات الصباح الباكر، "عَ الندى"، وقبل طلوع الشمس "مِد ع البراد"، "الذهب في ثِمّ (فم) الصبح". ويوصي الفلاحون بعضهم بضرورة البدء باكرًا، "السروة البدرية ما بتلتحق"، "احصد ع البدري قبل ما تيجي الشوبه"، ويعيبون على الحصّاد أن ينام لوقتٍ متأخرٍ في أيام موسم حصيدة القمح، "قوم يا عبدي تني (حتى) أعينك، نام تني أهينك".

 والحصيدة عملٌ جماعيٌ يحتاج إلى رفقةٍ وونَسٍ لأنها جهدٌ شاق، وغالبًا ما تكون طويلة المدة، ولذا فإنهم يقولون، "البركة في اللمة"، "الإيد (اليد) ع الإيد رحمة". ويتداعى الفلاحون للمساعدة في الحصاد مع بعضهم البعض في النظام المعروف بالعونة، "عاونّي تعاونك وساعدني تساعدك"، "من عاونا عاوناه من عاونا عانه الله". ويكون الحصاد باليد أو بالمنجل الحديدي على اختلاف أنواعه وأشكاله.

 ويُصاحب حصاد القمح بعض الغناء والأحاديث التي تُسرّي عن الفلاحين، وتنسيهم تعب اليوم وتُحفزهم على المُضي بهمة لإكمال اليوم.

يكون الحصاد باليد أو المنجل الحديدي، ويعدّ الحصّاد الماهر فارسًا حقيقيًا ويُشار له بالبنان

وكنت أسمع من أبي ونحن نَحصُدُ القمح الكثير من الطرائف والأمثال والقصص عن الفلاحين والحصادين ومهاراتهم. وكان والدي يذكر لي بأن جَدَّهُ كان شاقوقًا بارعًا، وكانوا كُلما جلسوا للراحة سرد لهم من سيرة عنترة والزير سالم وحمزة البهلوان، وبدأ يَهزُج لهم ويحمسهم للقيام بهمةٍ ونشاطٍ من جديد مُتناسين التعب.

زَرِعنا واحنا صحابه .. بالمناجل ما نهابه

زَرِعنا دنا عنـوقه .. بالمناجل والله لنسوقه

ويعد الحصاد الماهر فارسًا حقيقيًا في القرية، ويُشار له بالبَنان بين الفلاحين، ويكون هذا من مصادر فخره وعزته بين الفلاحين، "إن طلع صيتك حاصود ضب منجلك واقعود".

ولما كان موسم الحصاد عامًا في بلاد الشام، فإنه كان مصدرًا للرزق، إذ يذهب شباب الأرياف في فلسطين للعمل في الحصاد في سهول حوران في سوريا، وسهول البلقاء والسلط في الأردن. وعن ذلك يقولون: "الحصاد لمليح (الجيد) بطلع أجرته من راس منجلة"، أمّا الحصاد الفاشل "لا من إيده ولا من حديده"، أي لا يصلح للحصاد لا بيده ولا بمنجله الحديدي.

والحَصاد له نظامٌ شعبيٌ طريفٌ في كيفية بدء الحصاد، ومن أين يبدأ الفلاحون، ومن يقود الحصادين، وكيف يتم ربط المحصود وتجميعه، وكيف يتم تقسيم الحصادين وأسمائهم وأدواتهم.

ومن الأمور الهام معرفتها عن الحصاد:

الوِجه (وجه الحصاد): وهو القطعة من القمح التي يختارها مجموع الحصادين للبدء فيها بحيث يقفون صفًا واحدًا، ويباشرون بحصاد هذه "الوِجه". والشاقوق يكون على طرف الوجه وعلى الطرف الآخر الجحاش.

يا حصاد بلا معلم .. ســلم على الوجه سَلم

يا حصاد بلا معلم .. سلم عللي ييجيك سلم

سُربة الحصادين: المجموعة من الحصادين الذين يكونون مع بعضهم في "وجه الحصاد"، ويكون معهم الشاقوق، وهو الذي يشق الوِجِه، وهو بالعادة أمهر الحصادين وأقدرهم على الحصاد. أما أضعف الحصادين فيقال له "الجحاش". ونسمعهم يقولون في وصف الزرع غير الجيد "اللاش"، الذي لا يصلح لسباق الحصادين وإبراز مهاراتهم في الحصاد، "يا زريعة اللاش صار الشاقوق جحاش".

اللقاطات: النساء اللواتي يجمعن السّبل الذي يسقط من منجل الحصادين، حيث يكون هذا العمل أقل جهدًا، لكنه مُهم بالنسبة للفلاحين، "اللقاط أريح من الحصاد". وتغني الفتيات اللواتي يقمن بجمع السبل "وين فطور اللقاطات .. سمن وبيض الرقادات".

وكانت بعض الفلاحات يجمعن غلّتهن ومونتهن من القمح من هذا السبل، لانعدام الأرض عندهم، حيث تنتظرن موسم الحصاد لأجل جمع السبل الذي يتركه الحصادون لهن، "ما ساقطه إلا إلها لاقطه".

الشِّمال (لشمالات): "الحصيدة شمالات شمالات"، ومقدار الشمال من القمح أربع جزات. وقولهم: "حط شمالك ع شمالي .. خلي البـركة ملـتـمه".

غمر القمح (غمور):  وهو مقدار خمسة إلى ستة شمالاتٍ من القمح. ويقوم الحَصّاد بوضعها إلى جانب بعضها البعض، ويضطر أحيانًا لتثبيتها بالحجارة تجنبًا لتطاير سبلها بفعل الهواء، "في أيار الغِمر طيار"، "حَط على غمره حجر". والشاقوق يكون غِمر القمع خلفه مُتواصل، ولا ينقطع لمهارته في الحصاد وحجم حُصته التي يحصدها بالمنجل، "وكل ما طالت بتلم غمور".

ويتغنى الحصادون لمناجلهم التي تحصد القمح وتَجُزُّه، وتكون كالسيف في يد الفارس الشجاع، ويعتنون بها ويحرصون على أن تكون جاهزة، وقد سُنّت جيدًا استقبالاً لموسم الحصاد:

سِنوا المنجل والقالوش .. السبل عالي فوق الروس

مـنـجلي يا مـن جَــلاه ..  راح للصـايـغ جـلاه

مـا جَـلاه إلا بِعـلـبه  ..  ريـت العـلبـه عــزاه

منجلي يا ابو الخراخش .. طاح الصفحة يطاحش

منجلي يا بو ديّـه  .. يا اللي إلك في الزرع هَيه

مـنجـلي يا بو رزة .. وأنـا جـبـتـك مـن غــزة

وحين يتعب الفلاحون من الحصاد مُنهين ما عليهم يقولون:

منجلي يابو ريشة ..  يا محلى في العريشه


اقرأ/ي أيضًا: 

"أبو قاسم وحريمه" في الموروث الشعبي

شقائق النعمان.. أسطورة الدم والحب 

أبو المواسم.. فرحة الفلاحين