26-ديسمبر-2016

لا ينتظر عايد كاستيرو بداية عام 2017، ولا يحضر أي ترتيبات للاحتفال بليلة رأس السنة الجديدة، فالعام القادم قد لا يحمل أخبارًا سارةً هذه المرة للرجل وعائلته الكبيرة، وحالة الترقب تذهب مع نهاية العام صوب المؤسسة الإسرائيلية، إذ يتوقع أن تُصادر منه أملاكه لصالح السياسة الاستيطانية الإسرائيلية.

عايد صاحب الـ61 عامًا، وأبٌ لـ23 ابنًا عدا الأحفاد، يخوض جولات كرٍ وفرٍ يواجه خلالها المستوطنين وبلدية الاحتلال في جبهتين، إحداهما مطعمه في شارع المصرارة، والأخرى منزله في حي القرمي بالبلدة القديمة، في مدينة القدس.

يحاول مستوطنون وبلدية الاحتلال تهجير عائلة كاستيرو من منزلها المقام منذ العهد المملوكي وتملكه منذ قرابة 70 عامًا

أكثر من ستة عقودٍ بلغ عمر عائلة عايد كاستيرو في منزلها بحي القرمي، وهو المنزل المكون من ثلاثة طوابق مساحة كلٍ منها 170 مترًا، ويزيد عمره عن 600 عامٍ إذ بني خلال الفترة المملوكية. ليزعم المستوطنون بعد ذلك كله أن المنزل موجودٌ في منطقة يسمونها "الحي اليهودي القديم"، محاولين نزع ملكيّته من أصحابه، بدعم مختلف أذرع الاحتلال الرسمية وغيرها، ما يشكّل أحد أسباب معاناة عايد وعائلته.

اقرأ/ي أيضًا: الطفل أحمد: كنت أحكي بوضوح وأكتب بسرعة!

ويروي عايد، أن محاولات إخراجه من الحي بدأت منذ النصف الثاني من القرن الماضي، واستهلها المستوطنون بمحاولة شراء المنزل بمبالغ ارتفعت تدريجيًا حتى وصلت ثلاثة ملايين دولار أواخر الثمانينات. وانتهت جميعها بالفشل الذي أفضى إلى يأس المستوطنين من تقديم الإغراءات، ولجوئهم إلى محاولات التهجير القسري.

عايد كاستيرو داخل مطعمه في شارع المصرارة

وشكل عام 1987 نقطة تحولٍ، عندما نفذ شبانٌ من جنين عمليةً فدائيةً في الحي أسفرت عن مصرع مستوطن، تبعها هجوم مستوطنين على الحي واعتداؤهم على سكانه بالضرب، وإحراق 17 منزلاً وترحيل 30 عائلةً من منازلها، غير أن ذلك لم يشفِ غليلهم، بل باشروا بخطواتٍ أخرى داخل أروقة القضاء، لطرد من بقوا من منازلهم.

ويقول عايد لـ"ألترا فلسطين"، إنه منذ عام 1967 استولى مستوطنون على المنزل الواقع غرب منزل عايد، وهم الآن يتهمونه بحجب قبة الصخرة عنهم وتعطيل صلواتهم باتجاهها، أما المنزل من الجهة الشرقية فقد استولى عليه مستوطنون آخرون تدريجيًا منذ سبيعينات القرن المنصرم، ويدعون الآن أن منزل عايد يحجب عنهم الشمس والهواء.

يؤدي السلم لمنزل عايد والأبواب الأخرى لمنازل مستوطنين

والتجأ مستوطنون إلى القضاء للمطالبة بهدم منزل عايد، أو على الأقل الطابق الثالث منه، رغم أنه يقع في البلدة القديمة التي تصنف أنها أثريةٌ وتاريخية، ولا يجوز إحداث أي تغييرات فيها، إضافةً إلى الموقف الدولي الذي يرفض تغيير الوضع القائم في البلدة القديمة كونها منطقة نزاع.

ويفيد عايد، بأن المعركة القضائية ترافقها بشكلٍ مستمرٍ مضايقاتٌ تطال أبناءه وأحفاده أيضًا، بهدف الضغط عليهم من أجل إخلاء المنزل، كان منها إطلاق الرصاص على النوافذ، ومضايقة البنات ونزع حجاب بعضهن، والاعتداء بالضرب على أبنائه، هذا عدا عن إقامة الحفلات الصاخبة في أوقاتٍ متأخرةٍ.

يطل منزل عايد على المسجد الأقصى

ويشير إلى أن المستوطنين أطلقوا قنابل الغاز على المنزل قبل سنوات، وكانت حينها إحدى بناته رضيعة لا يتجاوز عمرها اليومين، ما أسفر عن إصابتها بخلل في النمو، إذ بقيت قصيرة القامة ولا يتجاوز وزنها 28 كغم، رغم مرور السنوات عليها حتى أصبحت الآن معلمةً.

بعد أن يئس المستوطنون من إغراء كاستيرو ماليًا عمدوا للتحرش ببناته وضرب أبنائه وإطلاق الرصاص على المنزل

يحدث هذا كله في جبهة صمودٍ واحدة، أما الجبهة الأخرى فتقع في شارع المصرارة، حيث يملك عايد مطعمًا منذ 36 عامًا، يلزمه الاحتلال بتجديد ترخيصه كل عامٍ، وقد تم تهديده خلال العام الجاري بمنع منحه الترخيص القادم، المقرر أن يحصل عليه نهاية هذا الشهر.

ويعتبر شارع المصرارة من أقدم معالم القدس، إذ كان يسمى “سوق العبيد” في الفترة الرومانية، حيث كان موقعًا لبيع العبيد خلال تلك الفترة. ويسمى أيضا “شارع الأنبياء” بسبب ادعاء اليهود أن أحد أنبيائهم ويدعى “هدفورا” دُفن فيه. كما يسمى “طريق عقبة المنزل” في الفترة العثمانية، حيث كان يصل بين القدس والخليل، حسب المؤرخ المتخصص في شؤون القدس روبين أبو شمسية.

ويقول عايد، إن بلدية الاحتلال ترفض منحه أي رخصةٍ أو تصريحٍ يحاول الحصول عليه إلا بعد توكيله محاميًا ولجوئه للقضاء، مهما كان الأمر بسيطًا، كأن يُمنح إجازة بإيقاف سيارته في مواقف البلدية بالبلدة القديمة، أو الشوارع القريبة منها، حيث يقع منزله ومكان عمله.

ويضيف، أن شرطة الاحتلال تضيق عليه في وضع طاولات مطعمه أمام الباب، حتى بعد أن حصل على ترخيصٍ يجيز ذلك، كما تجبره على إغلاق مطعمه في أوقات محددة، موضحًا، أنهم توعدوه بانتقامٍ شديدٍ سيطال ترخيص المطعم عندما رفض إغلاقه بعد وقوع إحدى العمليات الفدائية بالقرب منه.

وأمام كل هذه المضايقات والملاحقات، يصر عايد كاستيرو على البقاء في مطعمه ومنزله حتى آخر رمق، ولا يجد في نفسه ندمًا أو أسفًا كلما تذكر امتناعه عن بيع منزله والاستجابة للعروض المليونية التي كانت ستجنبه تصويب نيران دولة الاحتلال بأكملها نحوه.

اقرأ/ي أيضًا: 

بالفيديو: هذه هيّ القدس.. صح أم خطأ؟

مدارس بلدية الاحتلال في القدس: تحرش ومخدرات وأكثر

"النايس جاي" تغزو القدس "ببلاش" وبغطاء إسرائيلي