24-ديسمبر-2016

أكثر من نصف الطلاب الفلسطينيين في القدس المحتلة، ضحايا لسياسة التجهيل الإسرائيلية في المدارس التابعة للاحتلال، التي لا تطال المناهج والتعليم الأكاديمي فحسب، بل تستهدف أيضًا سلوك طلاب القدس وأخلاقهم.

وتقوم سياسة التجهيل الإسرائيلية للطلاب والقاصرين في القدس، على عدم توفير جوٍ صحيٍ وتربويٍ للطالب في مدارس الاحتلال في القدس، الأمر الذي يؤدي بطبيعة الحال، إلى خلق ظواهر اجتماعيٍة بين الطلبة شاذةٍ وغير طبيعية، لعل أبرزها تحرش الطلبة بمعلماتهم، وانتشار المخدرات.

طلابٌ يتحرشون بمعلماتهم ويستخدمون أدواتٍ حادةٍ في شجاراتٍ جماعيةٍ داخل مدارس فلسطينية التابعة لبلدية الاحتلال في القدس

ميسون (اسم مستعار) معلمةٌ في إحدى مدارس بلدية الاحتلال في القدس، تبلغ من العمر (24 عامًا)، تعرضت للتحرش المباشر وغير المباشر من قبل بعض الطلبة.

اقرأ/ي أيضًا: "النايس جاي" تغزو القدس "ببلاش" وبغطاء إسرائيلي

وتوضح ميسون، أنها بدأت في مهنة التعليم قبل نحو ثلاثة شهور، تعرضت خلالها لـ"مواقف غريبةٍ" مع الطلبة الذين تعلمهم، بدأت مع طالبٍ في الصف الحادي عشر، كان يلاحقها "بنظراتٍ غير مناسبة"، حسب تعبيرها، ويوجه لها كلماتٍ "إباحيةٍ وسوقيةٍ" بشكل دائم، ما دفعها لاستدعاء أهله الذين لم يعيروا الموضوع اهتمامًا كبيرًا، وردوا بأنه "مجرد مراهق".

وتضيف، "استغربت ردة الفعل الباردة من قبل الإدارة والأهل، أيقنت أن الموضوع عادي، وليس جديدًا بالنسبة لهم".

طالبٌ آخر، حاول التحرش بالمعلمة ميسون، لكن هذه المرة جسديًا. وحول ذلك، تقول ميسون: "بعد عدة أيام من الحادثة الأولى، اقتربت من أحد الطلاب بهدف مساعدته في امتحان للغة الانجليزية، بدأ بلمس العقد الذي ارتديه على عنقي، ثم حاول الاقتراب من جسدي أكثر وملامسته. لم أحتمل وعنفته، رغم أني لست من مؤيدي ممارسة العنف بأشكاله، وخاصة مع المراهقين".

وتضيف، "تم فصله من قبل الإدارة، لكنه عاد إلى المدرسة بعد فترةٍ قصيرةٍ جدًا، وذلك لأن هناك نقصًا في أعداد الطلاب في المدرسة، وفي حال لم يكتمل العدد المطلوب فإن بلدية الاحتلال ستغلقها".

وتقول ميسون: "لا شيء إيجابي في المدرسة، يوميًا هناك شجاراتٌ كبيرةٌ، ما يضطرنا نحن المعلمات للاختباء، معلمات يختبئن يوميًا، هل تتصور ذلك؟".

أما المرشدة التربوية عبير زيادة، والمعلمة لأكثر من 20 عامًا في مدارس البلدية، فترى أن ما يستحوذ على تفكير الطلاب في معظم مدارس البلدية هي "الجنس والمخدرات والشجارات"، وقد وصل الأمر بهم إلى حد التحرش ببعضهم البعض، دون رادعٍ أو محاولاتٍ لإيجاد حلول، كما تقول.

وروت زيادة أنها تعرضت أيضًا للتحرش من طلبتها عندما بدأت عملها، إذ كانت حينها في العشرينات من العمر، وتزيد عن طلابها في العمر سبع سنواتٍ أو ثمان، مضيفة، أنها استطاعت مواجهة هذه المشاكل "بالخبرة والسنين". ثم استدركت قائلة، "معظم طلاب مدارس البلدية لا يتغيرون، هناك مشاكل لا أحد يعمل على حلّها، عامًا بعد عام".

وأضافت، "لا يمكن لمعلمةٍ شابةٍ أن تعمل في مدارس البلدية للذكور، بالتأكيد ستتعرض للتحرش، لا توجد خططٌ لتأهيلهم وتوجيههم، أنا اعترف أنّ المدارس الخاصة في القدس رغم وجود استغلالٍ ماديٍ من قبلها للأهالي، إلا أن الأجواء التربوية فيها أكثر صحيةٍ وأنسب للطلاب".

وتُرجع عبير سبب كون الجنس الهاجس الأساسي لدى طلبة مدارس البلدية، إلى عدم وجود بديلٍ من نشاطاتٍ لا منهجيةٍ، وعدم توفير متابعةٍ حقيقيةٍ لسلوك الطلاب ومشاكلهم، مضيفة، أن مدارس البلدية "عبارة عن مجمع للطلبة المفصولين من المدارس الخاصة، أو الطلبة الذين لا يعير أهاليهم تعليمهم أي أهمية".

لكن عبير لا تنفي، في الوقت ذاته، أن الكثير من أهالي طلبة مدارس البلدية يعنيهم حصول أبنائهم على تعليمٍ صحيٍ لأطفالهم، لكن الأوضاع الاقتصادية الصعبة تحول دون تمكنهم من تسجيل أبنائهم في مدارس خاصة، بعد أن وصل متوسط أقساط هذه المدارس خمسة آلاف شيكل (1400 دولار تقريبًا).

وأوضحت، أن الكثير من الطلاب في المدرسة التي تُعلم فيها (مدرسة بلدية)، يحملون أدواتٍ حادةٍ خلال الدوام المدرسي، دائمًا، تحسبًا لأي شجارٍ متوقع، مضيفة، "يوجد في المدرسة كوتات، حسب المنطقة أو الحي، وعند حدوث شجارٍ بين طلابٍ من منطقتين، لا يمكن وقتها استكمال التعليم أو ضبط الطلاب".

وتتوزع مدارس بلدية الاحتلال في كافة بلدات القدس وأحيائها. فيوجد، مثلاً، في بلدة شعفاط شمالي المدينة، أكثر من ثماني مدارس، معظمهما مستواها التعليمي والتربوي رديء، كما يقول سكان البلدة.

إحدى مدارس بلدة شعفاط شمال القدس المحتلة، التي تعتبر واحدة من أكبر بلدات المدينة من حيث المساحة والسكان، وتقام بمحاذاتها مستوطنة "ريختس شعفاط"، يفصلهما شارعٌ جديدٌ عبدته بلدية الاحتلال حديثًا، أصبحت صيدًا سهلاً لتجار المخدرات الذي يستغلون الشارع الجديد كمقر لهم لبيع المخدرات للطلبة.

ينشط تجار المخدرات قرب مدارس بلدية الاحتلال ويبيعون أنواعًا مختلفةً من المخدرات دون رقابةٍ من أحد

وأفاد الناشط والصحفي بشار المشني بورود عدة شكاوى من عائلاتٍ تقيم قرب الشارع الجديد، بأن تجار المخدرات يستغلون أن الشارع بعيدٌ نسبيًا عن أنظار السكان، ويبيعون الطلبة أنواعًا مختلفةً من المخدرات.

اقرأ/ي أيضًا: الخدمة المدنية: سلاح إسرائيل الناعم

وتشكل المدارس التابعة لبلدية الاحتلال والمعارف الإسرائيلية ما نسبته 48% من مجموع المدارس في القدس. وتعمل السلطات الإسرائيلية مؤخرًا على زيادة عددها لاستيعاب أكبر عددٍ ممكنٍ من الطلبة في مدينة القدس المحتلة.

لكن المثير، أن معظم المدارس الخاصة في القدس، تابعةٌ بشكلٍ غير مباشرٍ لبلدية الاحتلال والمعارف الإسرائيلية، إذ تتقاضى مقابل كل طالبٍ مبلغًا ماليًا بشكل سنوي، وهذا يجعلها مقيدةً بأمورٍ عديدةٍ تجاه بلدية الاحتلال.

أما المدارس التابعة للأوقاف، وهي الوحيدة التي لا تتلقى مبالغ ماليةٍ من إسرائيل مقابل الطلاب، فهي لا تشكل سوى ما نسبته 15% من مجموع المدارس في القدس المحتلة.

اقرأ/ي أيضًا: 

بالفيديو: هذه هيّ القدس.. صح أم خطأ؟

مكتبات مثقفي نابلس.. سيرة ضياع وتفريط

شركات "خاصة" لاستغلال الفتيات في الضفة