20-نوفمبر-2016

صورة تعبيرية - Getty

رغم أنّ المخدرات ليست آفة حديثة على مجتمع مدينة القدس، إلا أن ما يسمى بمخدر "نايس جاي" أو "مسطولون" أو "مبسوطون"، حديثًا، أصبح بديلًا للمخدرات التقليدية، وأخذ يغزو صفوف الأطفال والشبان، ويهدد حياتهم بسرعة قياسية مقارنة بالأنواع العادية والتقليدية من المخدرات.

أرقامٌ صادمةٌ فيما يخص ضحايا "نايس جاي" في مدينة القدس، أربعة من مدمني مخدرات لقوا حتفهم نتيجة تعاطيهم له خلال شهر تشرين الأول فقط، وهناك عشرات الضحايا خلال السنوات القليلة الماضية، لكن لا توجد أرقام أو دراسات تحصي العدد الإجمالي لضحايا هذا المخدر القاتل تحديدًا، حسبما قال الباحث علاء خروب من الاتحاد المقدسي للوقاية من المخدرات والكحول.

مخدرات "النايس جاي" رخيصة الثمن تسجل أرقامًا صادمةً في عدد الضحايا ونسب المدمنين عليها من القاصرين

الشباب تحت سن (21 عامًا)، هم الفريسة الأكثر إقبالًا على شراء وتعاطي المخدر المصنوع من مواد كيماوية، كما أن هناك عشرات الطلبة ممن هم دون سن الـ14 يتعاطونه أيضًا.

اقرأ/ي أيضا: الخدمة المدنية: سلاح إسرائيل الناعم

معظم المدمنين على المخدرات في القدس اليوم، كما يقول خروب، يلجأون إلى "النايس جاي"، بسبب سعره المنخفض وتأثيره السريع وتوفره في "سوق المخدرات"، علمًا بأن نحو 2٪ من المقدسيين مدمنون على المخدرات، أو جربوا تعاطيها لمرة واحدة على الأقل، ما يعني وجود بضعة آلاف من سكان المدينة، لهم علاقة بالإدمان أو تعاطي المخدرات، نسبة كبيرة منهم يتعاطون "النايس جاي" أو "المسطولون".

غزو "النايس الجاي" لمدينة القدس، بدأ في العام 2009، وقد تفشى وذاع صيته بين المدمنين في عامي 2012 و2013 واستمر حتى يومنا هذا. وحسب المراكز العلاجية في مدينة القدس، فإن 70٪ من الذين يخضعون للعلاج من الإدمان على المخدرات في المدينة، هم ضحايا لمخدر "النايس جاي"، كما أن كثيرًا من مدمني "الهيروين" و"المخدرات الثقيلة" تحولوا لتعاطي "النايس جاي"، كونه يعطي نتيجة مشابهة، لكن سعره أرخص بشكل كبير.

طلاب المدارس والقاصرون في بعض مناطق القدس مثل سلوان والثوري ومخيم شعفاط، تلك التي تعاني ظواهر اجتماعية مثل الفقر والاكتظاظ السكاني، بالإضافة إلى أنها في مواجهة دائمة مع قوات الاحتلال، أكثر عرضة حسب المرشد خروب، للإدمان والانسياق لمنحدر المخدرات إجمالًا، لأن المشاكل الاجتماعية والسياسية والأمنية تزيد الضغوط النفسية عليهم، وتدفعهم للبحث عن بديل يخفف هذه الضغوط.

ويُرجع خروب سبب انتشار "النايس جاي" في مدينة القدس بنسب أعلى من المناطق الفلسطينية الأُخرى، إلى أن سكان المدينة على احتكاك مباشر ودائم مع الإسرائيليين والعمال الأجانب، خاصة الروس، وبالتالي هم معرضون بشكل أكبر للتعرف والتعلم على تعاطي مخدرات بأنواع جديدة، ومركبات كيماوية متغيرة ومختلفة.

الحصول على "النايس جاي" أصبح في متناول اليد؛ بعد أن أصبحت هذه المخدرات الكيماوية تُصنّع محليًا، وفقًا لما يؤكده خروب، إذ أن الإدارة العامة لمكافحة المخدرات الإسرائيلية ضبطت في القدس ومناطق أخُرى في الداخل المحتل، كميات كبيرة من المواد التي يتم استخدامها في صناعة هذا المخدر القاتل، أُدخلت تحايلاً على القانون، لأنها تستخدم في صناعة مواد أُخرى قانونية، وليس للمخدرات فحسب.

ومن المتعارف عليه، أن مخدرات "النايس جاي" تُباع في أغلفة جذابة بأسماء جذابة، دون رقابة حقيقية من سلطات الاحتلال، فأوكار بيع المخدرات إجمالا، ليست بعيدة عن مرأى الأشخاص والشرطة، والدليل أن مناطق القسم الغربي من المدينة، التي تعيش فيها أغلبية يهودية، يصعب أن تجد فيها نقاط بيع مخدرات، حتى أن كثيرًا من اليهود يلجأون إلى القسم الشرقي ذو الأغلبية الفلسطينية لشرائها.

"ألترا فلسطين" استطاع الوصول إلى وكر للمخدرات في بلدة سلوان جنوب القدس، وتجار آخرين في مناطق أخرى بالقدس، وذلك لمعرفة ما إذا كان جميع تجار المخدرات يبيعون "نايس جاي" أو أن فئة معينة تتولى تلك المهمة.

في وكر بيع المخدرات "التقليدي" في بلدة سلوان، لا يبيع التجار "نايس جاي"، ولا يتعاملون سوى بـ"الحشيش" و"الميرغوانا"، كما أن معظم تجار المخدرات المعروفين، الذين يتعاملون مع زبائنهم عبر الهاتف غالبًا، لا يبيعون أيضًا المخدر المصنوع من مواد كيماوية.

معظم مروجي "نايس جاي" وحبوب الهلوسة، والمخدرات الأُخرى غير التقليدية؛ مريبون أكثر من غيرهم من التجار، فهم على علاقات بمافيات إسرائيلية كبيرة. هم ليسوا مجرد تجار مخدرات، بل لهم علاقات بتزوير أراضٍ وبالجاسوسية والدعارة، كما أنهم سيئو الصيت في مناطق سكنهم وأحيائهم.

معظم مروجي "النايس جاي" في القدس جواسيس ومتورطون في تزوير أراضٍ ودعارة، وفي إحدى الحالات كان المروج عنصرًا في جهاز أمني فلسطيني

المدمنة السابقة (ص.د)، من أحد أحياء القدس، تقول إنها لم تكن تجد صعوبة في شراء "النايس جاي"، إلا أن مروجيه والتجار الذين يتعاملون معه حسب قولها "أكثر حقارة من غيرهم من التجار، فهم لا يهتمون إذا كنت ستموت أو لا، كانوا معنيين بأن نبقى مستمرين بشرائه، يعلمون بأن الإدمان والتعلق بهذا النوع من المخدرات سريع".

وأشارت (ص.د) إلى أنها في الفترة الأخيرة التي سبقت إقلاعها عن تعاطي المخدرات، كانت تتعامل مع تاجر مخدرات يعمل في أحد الأجهزة الأمنية الفلسطينية، يستغل وظيفته لشراء المخدرات من مناطق (ج) في محافظة القدس.

وأضافت لـ"ألترا فلسطين" "كونني عاطلة عن العمل، وأصدقائي أوضاعهم المالية صعبة، لجأنا إلى النايس جاي والمسطولون وبعض حبوب الهلوسة رخيصة الثمن، لكن خلال فترة تعاطينا لها، كنا نتعارك كثيرًا، أصبحت حالتنا النفسية أكثر سوءًا. النايس جاي قاتل بطيء يحولك إلى شخص غير مكترث، تتمنى الموت في كثير من الأحيان، وعدواني، تعاطيه يشعرك بنشوة مؤقتة، ثم بعد ذلك يصبح الشخص المتعاطي في حالة سيئة".

وتبين (ص.د) أنها كثيرًا ما كانت تزور مناطق في الداخل المحتل، مثل يافا وحيفا، إلا أنها لم تشعر بأن مخدرات "النايس جاي" و"المسطولون" منتشرة كانتشارها في مدينة القدس.

محمد (30 عامًا) من بلدة شعفاط شمال القدس، كان أحد ضحايا "النايس جاي"، فقد نُقل إلى المستشفى قبل نحو عامين بعد تدهور حالته الصحية فجأة إثر إدمانه بشكل كبير عليها خلال فترة لا تتعدى بضعة شهور. وفي أثناء خضوعه للعلاج، أبى تجار "النايس جاي" إلا أن يُنهوا حياته، ووصلوا إليه، وبالفعل تعاطاها داخل المستشفى، وفارق الحياة.

أصدقاء محمد أكدوا لـ"ألترا فلسطين" أنه كان شخصًا طبيعيًا، اجتماعيًا، محبوبًا في بيئته وبين عائلته، لكنه فجأة أصبح غريبًا، منطويًا، يجالس أناسًا مشبوهين وغريبي الأطوار؛ لم يكن يعرفهم في السابق، ليكتشفوا لاحقًا أنه دخل معتركًا صعبًا كان سببًا في وفاته.

اقرأ/ي أيضا:

الطفل أحمد: كنت أحكي بوضوح وأكتب بسرعة!

حظر الأذان.. التفاصيل الكاملة

"كنتُ أتعاطى المخدرات في بيت مستوطن"