منذ تولي يوآف غالانت، وزارة الجيش في حكومة المستوطنين بقيادة بنيامين نتنياهو، طرأ تغيير جوهري على ُبنية ما يسمى "العمليات العسكرية" في عمق مُدن جنين ونابلس، انتقلت فيه هذه "العمليات" مما يُسمى في تكتيكات جيش الاحتلال "العمليات الجراحية" التي تقوم على مباغتة الهدف بنيران فتاكة والانسحاب بسرعة قصوى ويكون اختيار التوقيت لخدمة نجاح العملية فقط، إلى مرحلة العمليات الاستعراضية، وكلمة "استعراضية" لا تعني أنها تقتصر على تحقيق هذه الغاية.
"العمليات الاستعراضية الدموية"، تقوم من وجهة نظر جيش الاحتلال على "صعق جيل الألفين بصدمات دموية"، واستهداف "البيئة الحاضنة" بسفك الدماء والدمار
وبتولي يوآف غالانت قيادة وزارة الجيش يكون المستوى القيادي العسكري والاستخباري المسؤول عن التخطيط والمصادقة على "العمليات العسكرية في الضفة الغربية"، ممن تكونت خلفيتهم العسكرية في وحدات النخبة المتخصصة بالعمليات الخاصة. فالوزير غالانت كان قائدًا لكوماندوز البحرية، بينما رئيس أركان الجيش هرتسي هليفي كبُر داخل وحدة النخبة "سييرت متكال"، وكذلك رئيس جهاز "الشاباك".
لكن تشابه الخلفيات التي جاء منها قادة جيش الاحتلال ومخابراته حاليًا، على أهميته في هذه المرحلة، ليس هو فقط الذي يبرر من الناحية العسكرية والسياسية الاجتماعية اختيار نمط عمليات الكوماندوز الاستعراضية الدموية، التي كانت بدايتها في عملية جنين الموسعة الأخيرة، وتكررت بنفس المعايير في نابلس. فمنذ بروز ظاهرة "عرين الأسود" في نابلس، وقبلها "كتيبة جنين"، ربط منظــــرو الحرب الإسرائيليين -خاصة علماء الاجتماع منهم- هذه المجموعات المسلحة بظاهرة "الذئاب المنفردة"، وكان التشخيص الرائج في الدوائر العسكرية والاستخبارية وحتى الأكاديمية في "إسرائيل" لهذه الظاهرة يقوم تقريبًا على أن المادة الرئيسية المكونة لها هم "جيل الألفين"، الذين لم يتعرضوا لصدمة الاجتياح الشهر باسم "السور الواقي"، عندما اجتاحت دبابة الميركافا العملاقة كامل الضفة الغربية، ودكت الطائرات مخيم جنين على رؤوس من فيه، فهم جيلٌ لم يتم كـــي وعيه. أما العامل الثاني، فهو أن هذه الظواهر منذ نشأتها تحظى بتعاطف غير مسبوق من بيئتها، وهي الحاضنة الشعبية التي تقدم لهم كل شيء وترى فيهم الأمل.
ومن هنا، فإن "العمليات الاستعراضية الدموية"، تقوم من وجهة نظر جيش الاحتلال على "صعق جيل الألفين بصدمات دموية"، واستهداف "البيئة الحاضنة" بسفك الدماء والدمار.
ويُمكن التدليل على دوافع "العملية الاستعراضية الدموية" من استقراء البيانات التي أصدرها جيش الاحتلال ومخابراته، وكذلك من تحليل مسار العملية وتوقيتها ومراحل تنفيذها. فبحسب "الشاباك" تم اكتشاف "شقة الاختباء" للخلية (حسام اسليم ومحمد أبو بكر)، وهذا بالمفهوم العسكري والاستخباري يعني أنها "هدف ثابت ودائم"، وبالتالي فإن الطريقة الأمثل لاستهدافه التي يفضلها جيش الاحتلال هي المداهمة ليلاً أو فجرًا، والابتعاد عن ساعات الذروة من ناحية الاكتظاظ، وهذا للحفاظ على مبدأ المباغتة. على هذه النحو يتم تنفيذ العملية الخاطفة بانقضاض سريع وانسحاب سريع، وبذلك يتم تقليص هامش المخاطرة للقوات المهاجمة. لكن مسار العملية الفعلية كان يخالف هذه المبادئ العامة التقليدية، فالقوات الخاصة تسللت في ساعات الذروة من ناحية الاكتظاظ المروري على نحو سيعيق تقدمها وانسحابها، وسيزيد من احتمال انفضاح أمرها وتعرضها لهجوم غير متوقع من مسلح قد يتواجد في المكان بشكل عرضي، وما يُسوغ ذلك هو أن هدف العملية لا يقتصر فقط على تنفيذ عملية اغتيال محددة، بل إن الجزء المتعلق بالحرب النفسية كان حاضرًا عندما تم تحديد الأهداف الفعلية للعملية التي لا يتم إعلانها بالكامل.
وتشابهت ملامح "العملية الاستعراضية" بين نابلس وجنين، وكذلك تشابهت نتائجها، وهي استهداف ظاهرة "عرين الأسود" و"كتيبة جنين" بجميع مكوناتها من المسلحين والبيئة الحاضنة بالنار، لكي الوعي وإيقاع أكبر كم من الخسائر البشرية والمادية.
صور المراسلون العسكريون في وسائل الإعلام الإسرائيلية للجمهور الإسرائيلي "عملية نابلس" على أنها إنجاز عملياتي واستخباري، وبذلك تم حقنهم بجرعة فخر بقواتهم بعد عمليات القدس التي سلبت المستوطنين الشعور بالأمن الشخصي. وهكذا ستظل "العملية الاستعراضية" في نابلس قصة نجاح يتردد صداها بين الإسرائيليين، وتتكر الدعوات لتكرارها في وسائل الإعلام الإسرائيلية، حتى يضع لها نهاية حزينة -للإسرائيليين- مهاجم منفرد، كما فعل خيري علقم في مستوطنة "نفيه يعقوب" بعد عملية جنين الاستعراضية.