20-سبتمبر-2016

من حقول حلحلول (أ.ف.ب)

50 صنفًا من العنب الفلسطيني يعرضها التجار والمزارعون في مهرجان العنب السنوي السادس بمحافظة الخليل، الذي سيستمر لثلاثة أيام متتالية. هنا يحار الناظر فيمَ يختار، لكن سواءً اخترت العنب الأبيض أو الأسود فــ "الشهد في عنب الخليل".

تبدأ التحضيرات للمهرجان منذ أن يدق المزارع أول ضربة فأس بالأرض، ويحضّر كرمه لاستقبال اللجنة الفنية للمهرجان التي ستختار أفضل الأصناف وأجودها، "نقوم بتقنيب العنب والاعتناء به لحمايته من الأمراض، فالمنافسة صعبة والاعتناء بالعنب أصعب"، يقول رائد أبو يوسف الذي يزرع أكثر من 17 صنفًا من العنب، وهو أحد المشاركين الدوريين في المهرجان.

تبدأ التحضيرات لمهرجان عنب الخليل مبكرًا واختيار المزارعين يتم بعناية وبإجراءات خاصة

وتشكل الأمراض وكذلك الطقس التهديدين الأساسيين لمحاصيل العنب، فالطقس كلف أبو يوسف 10% من كمية محصوله هذا العام مقارنة مع السنة الفائتة.

الوصول للمهرجان ليس سهلًا

يعقد المهرجان سنويًا خلال فترة ذروة الإنتاج ما بين 10-25 من شهر أيلول/سبتمبر، ولكن تعمل اللجنة التحضيرية على متابعة المزارعين قبل ذلك، وتعقد اجتماعًا قبل شهرين من موعده، تحدد به اللجان الفرعية، وتقدم دراسة كاملة وخطة متوقعة، وكذلك الشكل العام للمهرجان، وطرق اختيار المشاركين.

اقرأ/ي أيضا: استهداف "التجمّع": ما قبله وما بعده

تتواصل اللجنة مع المزارعين، وتحدد احتياجاتهم، وتقدم لهم المساعدات من أجل تحسين جودة محصولهم من خلال مهندسين زراعيين مؤهلين، وفي "اليوم الكبير" تزور اللجنة المزارعين وتختار المرشحين الفائزين بناء على المساحة، والجودة، والأصناف.

"نختار أصحاب المساحات الأكبر، لأنهم بحاجة للتسويق أكثر من غيرهم، ولكن الجودة والأصناف معياران مهمان أيضًا"، يقول مدير عام غرفة وتجارة صناعة الخليل أحمد مناصرة.

بعد اختيار المزارعين تحدد أسعار العنب، لتكون مناسبة للسوق، وأرخص للمستهلك، فطول السلسلة التسويقية الذي يصل أحيانا إلى 300% من السعر الأصلي، جعل من المهرجان وجهة مهمة للمستهلكين، "ناهيك عن سعر أرخص، فالجودة تكون أفضل"، يؤكد على ذلك أبو يوسف، ويضيف، "ونحن نوسّع سوقنا".

مهرجان عنب الخليل

في اليوم المنتظر تنطلق الفعاليات، ويفتح المهرجان سوقًا جديدًا أمام المزارعين بمشاركة العديد من المؤسسات والتعاونيات، التي تعمل على ترويج المنتجات وتخلق شبكة تجارية فيما بينها يتيح استمرارية أعمالهم.

وعلى الرغم من أهمية المهرجان؛ إلا أن غياب جهة تحضيرية ملّزمة جعل منه حدثًا متقلبًا خلال السنوات الفائتة، فالمهرجان الذي بدأ عام 1973 في مدينة الخليل على يد تجار توقف بعد حين، ثم أعيد خلال بداية التسعينيات لكنه توقف مرة أخرى، ليعاد إحياؤه من بلدية حلحول في العام 2010، واستمر حتى العام 2013 على يد لجنة تحضيرية لمهرجان العنب مكونة من 18 مؤسسة كأول عمل رسمي لها.

وتوقف المهرجان خلال العام 2014 نتيجة أحداث العدوان على قطاع غزة، ولكن تم تجديده في سنة 2015، ويأمل مناصرة في أن يكفل إنشاء اللجنة التحضيرية استمرار المهرجان.

جهود للتطور والتطوير

المهرجان الذي يخلق ميّزة تنافسية بين المزارعين، يهتم أيضا بتطوير إنتاج العنب الخليلي، فقد قدم نحو 6 آلاف صندوق كرتوني خاص من إنتاج فلسطيني لمزارعي العنب هذه السنة، فيما وزعت وزارة الزراعة بالتعاون مع مؤسسة "أوكسفام" 100 ألف صندوق كرتوني فلسطيني لحفظ العنب.

مؤخرًا، تزايد الاهتمام في نوعية الكرتون الذي يستخدمه المزارعون نتيجة الشروط الإسرائيلية على التصدير، والتي تبلغ حصتها من السوق 24%.

ويوضح مدير التسويق في وزارة الزراعة طارق أبو لبن، أن السوق الإسرائيلي مفتوح تمامًا بناء على اتفاقية باريس التي تسمح بتبادل المنتجات النباتية دون قيد، "إلا أن المواصفات الصحية كانت العائق"، كما يقول.

مهرجان عنب الخليل

جاء هذا بعد أن أثبتت الفحوصات الإسرائيلية احتواء العنب الفلسطيني على مواد كيماوية نتيجة استخدام الكرتون الإسرائيلي، وبهذا عملت وزارة الزراعة على إيجاد بديل فلسطيني لا يحتوي على المواد الكيماوية الضارة التي تستخدم في التغليف الإسرائيلي.

اقرأ/ي أيضًا: هل بدأت إسرائيل بتحضير بديل للسلطة الفلسطينية؟

وتسمح الاتفاقيات الاقتصادية ما بين فلسطين والدول العربية وعلى رأسها اتفاقية "منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى" بتصدير العنب إلى الدول العربية دون قيود، إلا أن انخفاض الإنتاج، وصعوبة إجراءات الفحص والنقل؛ تجعل المصدّر يغض البصر عن السوق العربي، ما عدا محاولات متواضعة لا تصل إلى 1% من الإنتاج.

يضاف إلى ذلك أن السوق الأوروبي مفتوح أمام التصدير الفلسطيني، ولكن الطلب على العنب اللابذري محدود الإنتاج في فلسطين، وضع عائقًا أمام المزارعين في السوق العالمي.

العنب في الخليل: ندرة الأنواع وتعددها

تعود جذور العنب في فلسطين لآلاف السنين، إذ تذكر الروايات التاريخية أنه موجود منذ بداية التوطين في مدينة حلحول التي ترجع أصولها لفترة حكم الكنعانيين. "معاصر النبيذ الحجرية القديمة الكنعانية المنتشرة في مدينة الخليل، هذا يدل على أن تدجين العنب وزراعته كان منذ فترة أهل كنعان"، حسب مدير مركز السنابل إدريس جرادات.

مهرجان عنب الخليل

ويحضر العنب الفلسطيني كثيرًا في الأمثال والقصص الشعبية، مثلا يقال: "في آب اللهاب، اقطف قطف العنب ولا تهاب"، و"بدك العنب وإلا تقاتل الناطور؟"، و"أكل العنب وأعطانا الحصرم". ويروى في هذا المثل أن لصًا ذهب ليسرق عنبًا من كرم قريب قبل نضوجه، فوجده حصرمًا حامضًا ولم يستسغ طعمه، فتركه لصديقه، وافتضح أمره في اليوم التالي، فقال له صديقه: "أكل العنب وأعطانا الحصرم"، وسرى مثلًا شعبيًا.

يوجد في فلسطين 120 صنفًا من العنب 20 منها يستخدم للنبيذ لكن العنب الخليلي لا يصلح لهذا الغرض

وتنقسم أنواع العنب الخليلي إلى صنفين: الأبيض والأسود، ومن الأبيض؛ الدابوقي، والزيني، والبيروتي، والحمداني والجندلي، والفحيصي والمراوي. أما الأسود؛ فمنه البيتوني والحلواني، والدراويشي والشامي، وتعود هذه التسميات إلى أسماء من اعتنى بها بداية، أو زرعها أو اكتشفها وتداولها. وأحيانًا كانت تسمى نسبة للمنطقة التي أتى منها، مثل العنب البيروتي الذي جاء إلى فلسطين بحكم التبادل التجاري والثقافي والعلاقات الاجتماعية.

تسيطر محافظة الخليل على نحو نصف محصول العنب الفلسطيني، ويتركز في مناطق حلحول وبيت أمر وسعير ومدينة الخليل. وتتمتع مدينة حلحول بالمكانة الأولى في المحافظة من حيث كمية الإنتاج السنوي بنسبة تقدر بـ 65%.

ويستخدم العنب الخليلي في صناعة الدبس، والزبيب والخبيصة، والملبن، والعنطبيخ، إلا أن استخدامه في صناعة النبيذ محدود جدًا.

يقول مدير مصنع الطبية صانع النبيذ كنعان خوري: "يشكل عنب الخليل فقط 1% من العنب الذي نستخدمه، وعادة نحصل عليه من أجل التجارب، لا الإنتاج والبيع". يعود ذلك إلى أن العنب الخليلي، الذي يقع تحت ما يسمى علميًا عنب "فيتيس لابروسكا" -بناء على الاسم اللاتيني- لا يصلح لصناعة النبيذ، الذي يصنع عادة من عنب "فيتيس فنيسيرا"، إلا أن "إسرائيل" تستخدم عنب "فتيس لابروسكا" لصناعة نبيذ منخفض الجودة.

وبذلت "إسرائيل" جهدًا كبيرًا من أجل البحث عن أصناف لا تشابه أصنافًا أخرى حول العالم، ووجدت أن فلسطين تحتوي على 120 صنفًا من العنب، 20 منها ملائمة لصناعة النبيذ، وإثر فحص الحمض النووي تبين أن الصنفين؛ الحمداني والجندلي لا يتواجدان في أي مكان آخر حول العالم، وأن عنب المراوي والحمداني هما الصنف ذاته ولكن باسميّن مختلفين.

وفي ظل ما يعانيه المزارع الفلسطيني من مصادرة أراضيه أو على الأقل صعوبة استصلاحها، وكذلك ارتفاع تكاليف النقل، والمنافسة الإسرائيلية، فإنه يجد في مهرجان العنب فرصة لإعادة زراعة العنب إلى مكانتها التاريخية، فكما يقول المثل: "كُلّ أول العنب وآخر التين". 

اقرأ/ي أيضًا:

انفوجرافيك: كيف يتواصل الجهاديون على الإنترنت؟

أشرف مروان.. كيف تجاهلت إسرائيل جاسوسها الأثمن؟