10-ديسمبر-2016

قبل عامين عرض فيلم "باكور غزة" (41 دقيقة/ 2014) وفيه يحكي قصة رياضة الباركور في القطاع، وكيف يستثمر مجموعة من الفتية المباني المهدمة بفعل القصف الإسرائيلي كوسيلة لممارسة رياضة عالمية.

اليوم يعرض في مهرجان دبي السينمائي الثالث عشر فيلم "غزة سِرف كلوب" بإمضاء مخرجين ألمانيين هما: فيليب نات وميكي يمين، ويحكيان فيه أحلام مجموعة من الشباب الغزي في ممارسة رياضة ركوب الأمواج "ركمجة" أو فعل "التشيّط" كما يسميها الأهالي هناك.

فيلم "غزة سرف كلوب" يتتبع أحلام الشباب المتحمس الذي يرى في البحر الذي يحاصرهم وسيلة لتحقيق أحلامهم عبر الارتماء به

الفيلم الوثائقي الطويل (87 دقيقة) لا يتوقف على التعريف بالمجموعة الشبابية من خلال إبراهيم 23 عامًا، وخليل 42 عامًا، وصفاء 15 عامًا، بل يحاول أن يقارب حياة الغزي، ويتتبع أحلام هذه الفئة من الشباب المتحمس الذي يرى في البحر الذي يحاصرهم وسيلة لتحقيق أحلامهم عبر الارتماء به واكتناز الحرية التي يمنحهم إياها.

غزة سِرف كلوب
بوستر فيلم "غزة سِرف كلوب" 

اقرأ/ي أيضًا: دُور السينما الفلسطينية.. لم يبق إلا الأسماء

وفيما يشبه حركة سرية بين مجموعة من الشباب يختارون مواعيد ذهابهم للبحر مع حركة الموج فيه، وعبر تتبع خيوطها يقدم الفيلم قصص الشخصيات الثلاث الرئيسة، ويقاطع بينها راسمًا واقع الحياة في القطاع في تداخل بين السياسي والاجتماعي.

نرى إبراهيم، الشاب الممرض والذي يحلم بتطوير هذه الرياضة ويجاهد ورفاقه للخروج من غزة إلى هاواي حيث صديقة الأمريكي "ماثيو"، من أجل أن يتعلم صناعة ألواح التزلج وإصلاحها، وهو وفق ذلك يحلم بأن يعمر سطح المحل الذي يعمل فيه عاملًا للألمنيوم، ليؤسس ناديًا يجمع محبي اللعبة.

ونرى خليل، الذي تربي في البحر ويرى في نفسه شيخ اللعبة ومدربها الأول، وهو لا يرى لنفسه سبيلًا إلّا البحر رغم كونه "يربي الفقر كما أخبره والده"، وينظر إلى لوحه الخاص بمثابة رفيقه الدائم الذي خاف عليه خلال الحرب الأخيرة أكثر من أطفاله، فمن وجهة نظره "اللوح لا يمكن تعويضه في ظل منع إسرائيل من إدخاله للقطاع، أما الولد فيمكنني أن أتزوج وأنجب غيره".

اقرأ/ي أيضًا: السينما حلم يراود غزة

وصفاء ابنة الوالد المحب فيجاهد المخرجان في سبيل ظهورها أمام الكاميرا، ويحمل فيلمها مشهدًا لها في نهايته مرتمية بالبحر الذي تحب بابتسامة عريضة، ليقدم من خلالها قصة آخريات محرومات من السباحة لاعتبارات دينية واجتماعية، فالمقصود بـ"علموا أولادكم السباحة" من وجهة نظر المجتمع الذكور فقط!

الحياة كما يجب

محاولات إبراهيم تنجح في الحصول على "فيزا" للذهاب إلى أمريكا، وهناك يرى الحياة على طبيعتها أو كما يفترض أن تكون في غزة، ويبادل المخرجان اللقطات ويعقدان مقارنة بين المكانين، ويجهدان مع إبراهيم لعقد مقارنة بين هاواي وغزة، لكن إبراهيم الذي يرفض أن يعود إلى غزة (في نتيجة صادمة) يؤكد أن "غزة كانت أفضل"، وأن "الدنيا بتلف" مراهنًا على المستقبل، "فلن تبقى غزة أسوأ الأماكن" كما يراها بفعل الحصار، فيما صديقه المنتظر على البحر في القطاع البعيد يؤكد أن "رمال غزة أفضل رمال في العالم".

أمّا "صفاء" فتحقق حلمها في السباحة في البحر بعد أن يأخذها والدها بعيدًا عن أعين المصطافين، وعندما تعود تجد مجموعة من الفتيات الصغيرات كن يراقبنها وهُنَّ مفتونات بها، في مشهد حقيقي مليء بالحماس والرغبة بالسباحة.

و"خليل" يرفض إلّا أن يبقى على حاله، حارسًا للبحر، وللرياضة التي لا يوجد لممارستها أكثر من 40 لوحًا في كل القطاع، فيما يرى في عشته الصغيرة النادي الذي يحقق أحلام الراغبين.

الاجتماعي السياسي

من المسؤول عن حال القطاع/ أو حال هذه الرياضة فيه؟ سؤال المشاهد العربي والغربي، المخرجان ركّزا على المعطى الاجتماعي الرافض ممارسة الشباب لهذه الرياضة، (والد إبراهيم نموذجًا، والمحيطات بصفاء من بنات عمّها)، رغم أن المجتمع نفسه يهرع إلى الشاطئ لمشاهدة اللاعبين، وركزا كثيرًا على صفاء التي تحاصرها الأسئلة والرفض، فيما تُنكر هي على المجتمع تدخلهم في شؤونها وما تحب، وهو الأمر الذي يجعل من والدها المنفتح الذي علّمها السباحة من صغرها يمنعها من ممارسة الرياضة أملًا في عودة الأحوال لسابق عهدها، وتنظيم مسابقات للفتيات كي يدفع ببناته لفعل ما يحببن.

الاحتلال فاعل رئيس في منع تطوير اللعبة لكونه لا يدخل الألواح ويحتجزها

المفارقة أنّه وطوال مدة الفيلم لم نسمع كلمة احتلال واحدة، ويبدو لنا من السياق مثلًا أنّ الاحتلال فاعل رئيس في منع تطوير اللعبة لكونه لا يدخل الألواح ويحتجزها، ربما تلك الخفة أي أن يجعل من الاحتلال شبحًا كامنً في الخلفية ذكاء من المخرجيين الألمانيين، وفي حال كان كما نظن، سيكون درسًا في كيف نقدم حكاية بدون شعارات أو كلمات رنانة، فيما إدانة الاحتلال حاضرة وجاهزة، فهو الذي يجعل من كل شيء فعلًا غير قابل للتحقق إلا بما يخدم مصالحه.

ينتهي الفيلم الذي عرض ضمن "ليالٍ عربية" في عرضه الأول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأغنية تقول كلماتها: "كان يا ما كان.. مستنى موجة تهز الكون.. مستنى الموجة كل يوم.. تشيل سحابة الهموم"، لتغشى المشاهد رعشة من حب وألم معًا، فنحن والاحتلال نجعل من أبسط الأشياء أمرًا بالغ التعقيد.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "أخوات السرعة".. فلسطينيات سريعات وغاضبات

مُخرجا الفيلم: 

فيليب نات: درس فيليب نات الإعلام في شتوتغارت، بعد أن عمل مساعد تصوير لمدة خمس سنوات في التلفزيون والسينما. تلقى تمويلاً من أكاديمية بادن ويرتيمبيرغ للسينما، لإنتاج فيلمه الوثائقي «باولا»، وأسس شركة «سبستانز فيلم» للإنتاج في 2003.

ميكي يمين: درس الإنتاج السينمائي في جامعة «إتش إف إف للسينما»، في بابلسبيرغ. حظي فيلم تخرجه «مدار الدب» (2010) بتنويه مشرّف في مهرجان لوكارنو. في 2013، أسس شركة «ليتل بريدج بيكتشرز» للإنتاج السينمائي، ومقرها برلين.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

المطلوبون الـ18.. أبقار في شرفة الوطن

"حب وسرقة ومشاكل أخرى".. ملهاة فلسطينية

الدراما الفلسطينية.. إخفاقاتها وآمالها