قالت صحيفة "الفايننشال تايمز"، في تقرير لها أمس الثلاثاء، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتجاهل بشكل متكرر نصائح وتحذيرات الولايات المتحدة، حليفه الأهم، خلال الحرب المتفاقمة في الشرق الأوسط. فمنذ ما يقرب من عام، رفض نتنياهو باستمرار التوجيهات الأميركية حتى في وقت يتزايد فيه التوتر في المنطقة. وأضافت أنه رغم تحذيرات الرئيس الأميركي جو بايدن من الانجراف في موجة "الغضب" والوقوع في فخ الحروب الطويلة الأمد التي وقعت فيها الولايات المتحدة بعد هجمات 11 أيّلول\سبتمبر 2001، اختار نتنياهو تكثيف العمليات العسكرية ضد حركة حماس في غزة، وتصعيد الهجمات ضد حزب الله في لبنان.
فبعد عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول\أكتوبر 2023، سافر بايدن إلى تل أبيب للتأكيد على دعم الولايات المتحدة القوي لإسرائيل، وأبلغ الأمة الإسرائيلية بأنها "لن تكون وحدها أبدًا". لكنه حذر أيضًا من الانسياق وراء الغضب والانتقام، مستذكرًا الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر، عندما تورطت في حروب طويلة الأمد في العراق وأفغانستان. الرسالة كانت واضحة: لا تنجرفوا في صراعات طويلة الأمد كما فعلت الولايات المتحدة. ومع ذلك، تجاهل نتنياهو هذه النصيحة، مفضلًا التركيز على تحقيق "نصر كامل" ضد حماس، ومؤخرًا، على إطلاق "مرحلة جديدة" من الحرب ضد حزب الله.
في البداية، نجحت الولايات المتحدة في إقناع حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة بعدم شنّ هجوم استباقي على حزب الله بعد 8 تشرين الأول\أكتوبر. ولكن منذ ذلك الحين، تصاعدت وتيرة الاشتباكات بين إسرائيل وحزب الله، في وقت حاولت فيه واشنطن التوصل إلى اتفاق
وتشير "الفايننشال تايمز" إلى أن نتنياهو، خلال العام الماضي، أظهر تجاهلاً واضحًا للتوصيات الأميركية، مركزًا على حساباته الخاصة لما يعتبره الأفضل له أو لإسرائيل، بغض النظر عن النصائح القادمة من واشنطن. وقال ستيفن كوك من مجلس العلاقات الخارجية إن "نتنياهو يفضل متابعة حساباته الخاصة على حساب ما تقترحه الولايات المتحدة، فهو دائمًا يسعى لتغيير قواعد اللعبة لمصلحته الشخصية".
في البداية، نجحت الولايات المتحدة في إقناع حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة بعدم شنّ هجوم استباقي على حزب الله بعد 8 تشرين الأول\أكتوبر. ولكن منذ ذلك الحين، تصاعدت وتيرة الاشتباكات بين إسرائيل وحزب الله، في وقت حاولت فيه واشنطن التوصل إلى اتفاق.
ورغم الضغوط الدولية والداخلية، أبدى نتنياهو رفضًا لفكرة وقف إطلاق النار في غزة، مؤكدًا على "النصر الكامل" ضد حماس، وأطلق "مرحلة جديدة" من الحرب ضد حزب الله، قائلاً: "نحن لا ننتظر التهديد، بل نسبقه في كل مكان".
وعندما تعرض لضغوط من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، استغل نتنياهو هذه الضغوط لتعزيز موقفه السياسي الداخلي، مشيرًا إلى أنه يتحدى القوى العالمية لتحقيق أهداف إسرائيل العسكرية. وعلى الرغم من التوترات المتصاعدة، أبدى بايدن ترددًا في استخدام أدوات النفوذ الأميركي، مثل تعليق المساعدات العسكرية. فعلى سبيل المثال، علق بايدن في مايو شحنة من القنابل التي تزن 2000 رطل بعد إصرار نتنياهو على شنّ هجوم على مدينة رفح في جنوب غزة، على الرغم من التحذيرات من الكارثة الإنسانية.
وفي مرات أخرى، عبر بايدن عن استيائه من أسلوب نتنياهو في إدارة الحرب، محذرًا من أن "القصف العشوائي" قد يؤدي إلى عزل إسرائيل دوليًا. كما ضغطت الإدارة الأميركية على إسرائيل لتحسين إيصال المساعدات إلى غزة وسط مخاوف من خطر المجاعة وانتشار الأمراض في القطاع المحاصر.
الإدارة الأميركية لم تكن مهتمة باستخدام القوة للضغط على إسرائيل للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار
ورغم ذلك، يؤكد بايدن باستمرار على التزام الولايات المتحدة بـ"الدفاع الحديدي" عن إسرائيل. إذ قدمت إدارته منذ 7 أكتوبر أكثر من 12.5 مليار دولار كمساعدات عسكرية لإسرائيل، وأعلنت يوم الإثنين عن نشر قوات إضافية في المنطقة كوسيلة للردع والدفاع عن إسرائيل.
وأشار مايكل واهيد حنا، مدير برنامج الولايات المتحدة في مجموعة الأزمات، إلى أن الإدارة الأميركية لم تكن مهتمة باستخدام القوة للضغط على إسرائيل للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وقال إن بايدن كان بإمكانه استخدام مبيعات الأسلحة أو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للضغط على نتنياهو، لكنه امتنع عن ذلك بسبب المخاوف الانتخابية في الولايات المتحدة.
وبعد الضربات الجوية الإسرائيلية على لبنان يوم الإثنين، قال بايدن إن "فريقه كان على تواصل مستمر مع نظرائهم في إسرائيل، ونعمل على التهدئة بما يتيح عودة الناس إلى منازلهم بأمان". ومع ذلك، يشير مراقبون إلى أن الإدارة الأميركية تخوض مخاطرة كبيرة بتفويض إسرائيل في تصعيداتها، وهو ما قد يجر الولايات المتحدة إلى نزاع أوسع في المنطقة، بحسب الفايننشال تايمز.