08-فبراير-2021

صورة توضيحية - gettyimages

مقال رأي |

سيكون فاعلاً. بهذا الوصف يمكن اختزال الدور المتوقع أن تلعبه العشائر في الانتخابات البرلمانية، إن حدثت. تتزايد المؤشرات أن العقل الجمعي الفلسطيني عُزّز تشكيله بحيث يتموضع فيه الذَكر المسلم البالغ المغاير جنسيًا كأعلى شخص في الهرم المجتمعي. سيده ويتربع عليه ويحدد حقوق وامتيازات من هم أقل منه في الهرم- السلسلة ومن ضمنها حق الحياة.

سيكون فاعلاً. بهذا الوصف يمكن اختزال الدور المتوقع أن تلعبه العشائر في الانتخابات البرلمانية، إن حدثت

وهذا، وإن كان جزءًا من سردية طويلة مُرّة تفاعلت في سياقها المكاني والتاريخي والهوياتي اللغوي والديني، إلا أن ترسيخه فعال للغاية مؤخرًا. وهي موضعَة أهم ما تعنيه أن الشباب الأصغر سنًا، والنساء، والكفاءات غير الشعبوية، والأقليات بما فيهم الدينية، والنخب المدنية، هم من الآن خارج اللعبة.

اقرأ/ي أيضًا: هل أضاعت السلطة هويتها المدنية؟

العلاقة الرعوية - المصلحية مع "العشائر" قديمة جديدة، إذ لم يكن الموضوع العشائري بعيدًا عن السلطة منذ تأسيسها، ولا حتى عن منظمة التحرير الفلسطينية. أَنشأت المنظمة -بقرار من المجلس الوطني رقم 924/م/912 في 22/1/1979- الإدارة العامة لشؤون العشائر والإصلاح. لاحقًا لذلك، سارعت المنظمة إلى ضم عدد من القادة العشائريين إلى المجلس الوطني الفلسطيني كنوع من الشرعية والتمكين للمنظمة لا لقادة "العشائر". أما بعد تأسيس السلطة فقد صدر مرسوم رئاسي رقم 4557 تضمَّن إنشاء إدارة شؤون العشائر، وأتبعها مباشرة بمكتب الرئاسة بتاريخ 14/9/1994، والتي ألحقت بعد ذلك برئاسة الوزراء ثم بوزارة الداخلية كأحد الإدارات العامة المعتمدة في هيكلية الوزارة.

ظل النظام السياسي وفيًا لهذه العلاقة ومحترمًا لها، وفي حالات متعددة برز حجم الترابط العضوي بين الطرفين. سواءً بحالة الحياد تجاه الخطاب العنيف الصادر عن تحالف "العشائر - حزب التحرير الإسلاموي" ضد المؤسسات المدنية والحركة النسوية واختيار الصمت ضد الكراهية المنظمة، أو برعاية التدخل العشائري واستدعائه عند وقوع جرائم عنف متفرقة، والذي يتبعه معاملة قرار الصلح العشائري معاملة الحكم القضائي واجب الإنفاذ، بمعزل عن مدى عدالته أو احترامه لمنظومة حقوق الإنسان، إذ تشكل عمليات الإجلاء انتهاكًا هائلاً وتعيد للذاكرة التهجير المتكرر في السردية الفلسطينية. كما تطورت العلاقة لأبعد من ذلك حين دُفعت عطوة "أمنية" لعائلة مواطن قتل بالخطأ على يد الشرطة أثناء شجار. كان بارزًا دعوة د. محمد اشتية رئيس الوزراء العشائر للمساعدة في جهود الحد من انتشار فيروس كوفيد – 19.

لا طريقة مضمونة وأبسط لجذب الأصوات في الجنوب الفلسطيني، في "الخليل" حيث أكبر مخزون تصويتي على مستوى المحافظات

بالعودة للانتخابات، فإن خارطة التوازنات الحالية لـحركة "فتح" المتربصة والتي تمثل الشعبوية الفلسطينية وتعرف من أين تؤكل الكتِف، تعني أن وجهاء العشائر المحليين المحسوبين على الحركة والذين شاركوا حزب التحرير الإسلاموي المتطرف في المعركة ضد النسوية وقضايا أخرى ذات علاقة بالشأن المجتمعي العام مثل "واقعة مقام النبي موسى"، ونسجوا مع الحزب علاقات متينة أو تقاطعوا معه فكريًا على مشترك التقاء اليمين باليمين، قد يكونوا جزءًا من خيارات الحركة الانتخابية، إذ لا طريقة مضمونة وأبسط لجذب الأصوات في الجنوب الفلسطيني، في "الخليل" حيث أكبر مخزون تصويتي على مستوى المحافظات.

اقرأ/ي أيضًا: ممالك الطوائف الفلسطينية

الراقصون "الفهلويون" على حبل "العشيرة" لا يقرأون التاريخ. فلو كانوا يفعلون لعلموا أن الحبل المصيدة سبق وأن التفَّ على عنق ورقاب كل من راقصه قبلهم وكسرها. إذ يبدو التراخي في التجربة الفلسطينية مع أي فئات وقيادات محلية قد يرى الاستعمار فيها طرفًا أفضل لتمثيل السكان من الحركة الوطنية قاتلًا. اختبر الفلسطينيون ذلك بالتجربة القاسية عبر ما عرف "بروابط القرى".

من يستفيد من الآخر أكثر؟ سؤالٌ كبيرٌ في حيز صغير سعى ويسعى فيه الاستعمار منذ لحظة حضوره الطويل والعنيف الأولى إلى خلق قيادات محلية سقف مطالبها تحسين أوضاع السكان تحت الاستعمار، بديلاً عن الحركة الوطنية التي تطالب بالانعتاق الكلي منه. والبائس، أننا وصلنا إلى مرحلة نرى فيها نظامًا سياسيًا يعامل نفسه "كعائلة"، بأبويته الجديدة وزبائنيته وتوظيفه على اعتبارات الولاء وغيرها من المظاهر التي يُقزم فيها ذاته، وبالمقابل عشيرة متضخمة تراكم في قوتها وترى في نفسها "دولة".

ما الذي يعنيه اشتباك مسلح بين الأمن وعشائر في الخليل إلا اشتباكًا على مساحة السيطرة وعلى حدود "السيادة" وتمثيل السكان؟

الهَبرة" لدى المسيطرين على هذا النظام السياسي ووجوهه، آنية ومرحلية، وهي الفوز بالانتخابات، بأي ثمن وضمن أي تحالف، و"الهبرة" لدى "العشيرة" بعيدة واستراتيجية، رأس النظام السياسي ذاته. اليوم جسر وغدًا بديل. وإلا، ما الذي يعنيه اشتباك مسلح بين الأمن الفلسطيني وعشائر في الخليل إلا اشتباكًا على مساحة السيطرة وعلى حدود "السيادة" وتمثيل السكان؟

قريبًا، سنرى على منصة البرلمان، شوارب شيوخ عشائر، أو لنقل بكثيرٍ من حسن الظن شوارب دعمتها شوارب شيوخ العشائر.

هلا بالرَبِع .. ودام عزّك يا وطن.


اقرأ/ي أيضًا: 

حين يُضيّعُ الصُلْح حقوق الضحايا.. أوراق من غزة

مَنشَد ومُسدس ومبسوطون