22-فبراير-2020

عُرض المسلسل الإسرائيلي "فوضى" في موسمه الأول عام 2016، بينما عرضت "نتفليكس" الموسم الثاني منه عام 2018. حاول المسلسل في جزئيه أن يركز على الانفعالات الشخصية لأعضاء وحدة المستعربين، كمحاولة لشخصنة الصراع، من خلال تحويله إلى صراع شخصي بين أعضاء هذه الوحدة وأعضاء أحزاب فلسطينية مختلفة.

حاول المسلسل أن يطرح حوارًا أكثر عقلانية من خلال عرض أحداث واغتيالات حقيقية، وتحويلها إلى دراما

وحاول المسلسل أن يطرح حوارًا أكثر عقلانية من خلال عرض أحداث واغتيالات حقيقية، وتحويلها إلى دراما. ففي جزئه الأول كان هذا الصراع -الذي تم تصويره وكأنه صراعٌ شخصيٌ مع قياداتٍ في حركة حماس- يحمل دلالات عدة لم تنفصل عن البروبغندا الإسرائيلية الرائجة، بل تمت إعادة عرضها. وكذا في جزئه الثاني، ولكن مع بعض الإضافات التشويهية على القيادات الفلسطينية، لتعرض صورة "المقدسي" أحد أفراد داعش، على أنه جزء من هذه القيادات الفلسطينية.

اقرأ/ي أيضًا: مسلسل فوضى: لا جديد حتى في البروبغندا

عَمل المسلسل على تفكيك الصورة الرائجة عن الجندي الإسرائيلي بكونه "موظفًا" لدى الحكومة الإسرائيلية، وحاول أن يشركه بشكل شخصي في هذا الصراع، كمحاولة أخرى لخلق بطل قومي إسرائيلي عبر الإنتاجات الإسرائيلية لتبجيل صورة الجندي الإسرائيلي، وذلك قد يقول شيئًا عن التحولات في الصورة المنتشرة عن الجندي الإسرائيلي داخل المجتمع الإسرائيلي، والتي لا نريد التطرق إليها في هذه المقال.

أما بالنسبة إلى البروبغندا الإسرائيلية الرائجة، فإن المسلسل في جزئيه الأول والثاني لم يضف إضافة جديدة على الدعاية الإسرائيلية المستخدمة في الخطابات السياسية والإنتاجات الدرامية وحتى الرواية الإسرائيلية بشكل عام.

فبالرغم من مطالبة حركة المقاطعة العالمية "BDS" التي وجهتها للشركة المنتجة للمسلسل بإزالة المسلسل وعدم بث الجزء الثالث منه، إلا أن المسلسل يعود من جديد في جزئه الثالث ليبث داخل "إسرائيل"، متجاهلين مطالب "BDS".

فبالرغم من مطالبة "BDS" التي وجهتها للشركة المنتجة للمسلسل بإزالة المسلسل وعدم بث الجزء الثالث منه، إلا أن المسلسل يعود من جديد في جزئه الثالث ليبث داخل "إسرائيل"

وبالرغم من الانتقادات الحثيثة التي وجهت إلى الممثلين العرب في المسلسل، إلا أن شخصية "بشار" للممثل العربي "علاء دقة" ظهرت في الجزء الثالث، كبديل للفئة التي كانت تمثلها "شيرين"، ليُمثِل هذا الدور نفس الوظيفة التي كانت تمثلها شخصية "شيرين" في الجزئين الأول والثاني، وهي الفئة الفلسطينية غير المتورطة في الصراع، ولكنها تجد نفسها مجرورة له عنوةً عنها، فيظهر "بشار" بدور الملاكم الحالم الذي يحارب ظروفه من أجل تحقيق حلمه، ليتعرف على بطل المسلسل "دورون"، وينجر لهذا الصراع بالرغم من محاولاته لعدم الانجرار له، لأسباب تتعلق بفقدان والده داخل السجون.

اقرأ/ي أيضًا: "6 أيام في عنيبتي".. محاولة فاشلة في الحياد

وانضم إلى الطاقم العربي في التمثيل أيضًا الممثل العربي جورج إسكندر، وهو الذي كان مرشحًا أن ياخذ دور "المقدسي" في الجزء الثاني، حيث شارك بشخصية هاني الجعبري (القيادي في حركة حماس) الذي ينخرط في هذه الحركة؛ لأسباب تتعلق بمشاكل شخصية وصراعات برزت في حياته الشخصية. فيمثل بالنسبة إلى منتجي المسلسل النقيض التام لشخصية "بشار" المتورط في الصراع، إذ يظهر جورج إسكندر بشخصية الجعبري، وكأنه يمثل هذه الصراع بكل تفاصيله، ليكون نموذجًا للفئة المسببة لهذا الصراع والركيزة الأساسية فيه.

ظهرت محاولة الفصل بين الفئات المختلفة من المجتمع الفلسطيني في الجزء الأول والثاني، متمثلة بعدة شخصيات تلعب أدوارًا مختلفة، وتمثل فئات مختلفة، فظهرت "شيرين" مثلًا في الجزء الأول والثاني، لتمثل دور الفئة غير المتورطة في الصراع ولا تأبَّه له، وغير مهتمة في تفاصيله، ولكنها تجد نفسها انجرت إلى هذا الصراع. وعلى النقيض تمامًا، تظهر فئة أخرى تمثل "الشر" تمثلت في عدة شخصيات، كان أبرزها "أبو أحمد" و"المقدسي"، وبعض القيادات الأخرى من حركة حماس.

بعد موت "شيرين" في نهاية الجزء الثاني، لم يتوقف المسلسل عن عرض هذه الفئة التي كانت تمثلها "شيرين"، بل انتقل هذا الدور إلى شخصية "بشار"، الملاكم الذي يدربه "دورون" ويكتشف في ما بعد أنه جندي إسرائيلي، يعمل لدى وحدة المستعربين. يتورط "بشار" في هذا الصراع بعد اتهامه بالعمالة لدى الإسرائيليين، بعد ملاحظة بعض الفدائيين علاقته الوطيدة "بدورون"، ليشتبك "دورون" مع هؤلاء الفدائيين، ويجد "بشار" نفسه متهمًا بالعمالة، ومنحازًا لإسرائيل، ومنتفتحًا على الكثير من الأسئلة الأخلاقية عن حياته الشخصية.

يعترف مثلًا الإسرائيليون بأخطاءٍ يرتكبها جنودهم بحق هذه الفئة، ولكنهم يعزون هذه الجرائم إلى السياق العام نفسه الذي تعيش فيه هذه الفئة

يلعب هذا الفصل بين الفئات دورًا واضحًا في سياسات الإنتاج الإسرائيلي، في جعل المسلسل أكثر موضوعية، من خلال التركيز على مقولاتٍ توضح أن هنالك فئة تمثل الضحايا في هذا الصراع "الشخصي" بين الفلسطيني والإسرائيلي، لتظهر وكأنها تثير الشفقة بالنسبة إلى الإسرائيليين، فيعترف مثلًا الإسرائيليون بأخطاءٍ يرتكبها جنودهم بحق هذه الفئة، ولكنهم يعزون هذه الجرائم إلى السياق العام نفسه الذي تعيش فيه هذه الفئة، وهو سياق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

في شهر شباط من عام 2018 صدر تقرير لجنة التحقيق المنبثقة عن منظمة الأمم المتحدة بخصوص إطلاق النار على المدنيين العزل في قطاع غزة، أثناء المسيرات السلمية التي كانت تخرج من قطاع غزة على السياج الحدودي، والذي بينت فيه أن قتل هؤلاء الناس العزل غير قانوني ومرفوض دوليًا. وفي 19 أيلول/سبتمبر، أصدرت منظمة العفو الدولية استنكارًا حول إعدام جنود إسرائيلين، امرأة فلسطينية على حاجز قلنديا، وطالبت بالتدقيق القانوني والدولي بالانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنين العزل، وغيرها من الاستنكارات والإدانات الدولية للانتهاكات الإسرائيلية الكثيرة.

يستخدم هذا الفصل بين الفئات في الإنتاجات السينمائة والدرامية كأداة تبريرية للجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينين؛ وغير المبررة منها بالتحديد؛ والتي يتم إدانة الإسرائيليين فيها بشكل واضح. وتأتي هذه الإنتاجات كوسيلة ترويجية "اللا خيار" عند الجيش الإسرائيلي. وتكون منبثقة عن الخطاب السياسي للحكومة الإسرائيلية عن مراعاة الأمن القومي في المنطقة والحاجة التامة، لإنقاذ حياة المدنيين حتى لو كلف الأمر التضحية ببعض الأشخاص من "غير المتورطين" في الصراع. ليكون هذا الخطاب التبريري مهمومًا بالرد على الاتهامات الدولية بحق "دولة إسرائيل"؛ ومنشغلاً بعرض تفاصيل تلك الفئة؛ لخدمة هذا التبرير.


اقرأ/ي أيضًا: 

فيلم "بيروت".. صدى قديم جديد للامبراطورية

7 أفلام فلسطينية وصلت للعالمية