في مشهد تتمحور حوله حكاية مسلسل فوضى الإسرائيلي- من إنتاج شركة "Yas" الإسرائيلية، وعرض على شاشة نتفليكس، تقترب الصورة على وجه شخصية نوريت، ضابطة في وحدة المستعربين بالجيش الإسرائيلي، فيما سيكون كل التركيز على دموع وملامح الحزن على وجهها بعد أن خرجت من غرفة التحقيق، عقب "مبالغة" زميلها في الضرب المبرح للمعتقل.
يتعرّض مسلسل "فوضى" للحياة الأُسرية والعاطفية لجنود وحدة المستعربين الإسرائيلية، ويحاول أن يظهر أكثر تراجيديّة بتعويله على عاطفية المشاهد
من خلال هذا المشهد ومشاهد عدة، يتعرض المسلسل للحياة الأُسرية والعاطفية لهؤلاء الجنود في وحدة المستعربين الإسرائيلية، وهم أبطال العمل. ويحاول أن يظهر أكثر تراجيديّة بتعويله على عاطفية المشاهد من خلال ربطه لكل حدث في المسلسل بتاريخ حقيقي نُفذت فيه إحدى العمليات، لجعله ربما أكثر مصداقية في عيون المشاهدين.
اقرأ/ي أيضًا: "فوضى".. المستعربون يقاتلون "الإرهابي الفلسطيني" في أمريكا!
عُرض مسلسل فوضى في موسمه الأول عام 2016، بينما تم البدء ببث الجزء الثاني في عام 2018. يجسّد المسلسل الفترة الواقعة بين عامي 2000 و2007. حيث تدور حكاية الجزء الأول عن فرقة من المستعربين في الجيش الإسرائيلي يحاولون القضاء على قائد في حركة حماس، فيحاولون الاندماج في المجتمع الفلسطيني وتساعدهم لهجتهم العربية الممتازة وأشكالهم القريبة من الفلسطينين في اندماجهم السريع.
تخطف الوحدة قياديًا في حركة حماس ردًا على خطف شقيق مسؤول هذه الوحدة، في حدث حاول المسلسل من خلاله إظهار طغيان سياسة "إسرائيل" السلمية، وإبراز العنف باعتباره استثناء، لا قاعدة، كخطوة تجيء دائمًا في سياق ردّ الفعل والدفاع عن النفس. بينما تتسّع أطراف الصراع في الجزء الثاني ليظهر ابن القيادي الذي فجّرته هذه الوحدة، بعد أن عاد من سوريا وكان أحد منتسبي "داعش"، محاولًا الانتقام لوالده في عمليات ينسبها إلى "تنظيم الدولة"، لتصبح هذه الوحدة تقاتل على جبهتين، حماس من جهة و"داعش" من جهة أخرى.
في نمط من "البروباغندا الصفراء"، وبطريقة فجّة، يبدو المسلسل مهمومًا بأن يبرز تشابهًا كبيرًا بين عمليات حماس في الجزء الأول وعمليات "داعش" في الجزء الثاني مع إيضاح بعض الفروفات البسيطة، ليبدو المسلسل أكثر واقعية، فيحاول الكاتب من خلال هذا الجزء أن يعرض حركة حماس وكأنها نموذج شبيه بتنظيم الدولة "داعش"، فترتفع رايات حماس الخضراء احتفالًا بعملية قتل والد "دورون" التي نفذها داعش، في مشهد بدا جزءًا من انشغال كامل، بفرض مفهوم الإرهاب على المقاومة الفلسطينية، دون أدنى اهتمام بإظهار صيغة "واقعية" تستند إليها تلك النبرة الدعائية. وهو ما ينتهي إليه المشهد بالضبط، عندما تعلن قيادة حماس فيما بعد تأييدها لتلك العملية وتقترح على منفذيها الانضمام لها.
يبدو العمل صيغة سينمائية من المقولات الإسرائيلية التقليدية عن "نظافة السلاح" والأخلاقيات العسكرية و"اللا خيار"، ليظهر الجيش وكأنه مجبر على القتل أحيانًا!
تختزل السردية أعلاه، عديد المقولات المركبة، سواء الاستشراقية التي تربط الإرهاب بالدين والحركات الإسلامية المناهضة لـ "إسرائيل"، ومنها حماس بطبيعة الحال، بغض النظر عن السياق المتباين لحركة حماس، وانقطاعها التام عن "داعش"، أو مقولة محاربة "الإرهاب"، حيث تستخدم "إسرائيل" الصيغة العالمية والفضفاضة وغير المعرّفة بوضوح لمفهوم محاربة "الإرهاب"، وتفرضها على صراع بين حركة تحرر قومي ودولة استعمار.
لم يُوجَّه هذا المسلسل إلى الجمهور الإسرائيلي والعالمي وحسب، وإنما خاطب الجمهور الفلسطيني أيضًا في حواراتٍ بدت وكأنها تقول شيئًا لأولئك الفلسطينيين "غير المتورطين" في الصراع، واختزل المسلسل هذه الفئة في شخصية "شيرين" الطبيبة العائدة إلى الوطن بعدما درست وعاشت في فرنسا، في سيناريو يركّز على كيفية "استغلالها" من قبل إحدى أقاربها في حركة حماس، بعد أن يجبرها على تهريب زعيم في الحركة من المشفى عقب محاولة المستعربين اختطافه، ومن ثم إجبارها على زرع قنبلة في جسد أحد الجنود الإسرائيلين المختطفين.
اقرأ/ي أيضًا: دماء "الهنود الحمر" من أجل غسل ذنوب إسرائيل
لعل هذا ما وضحه كاتب سيناريو المسلسل "آڤي اسخاروف" لقناة BBC في تقرير حول المسلسل، قائلًا "إن شخصية شيرين لا تحب حماس ولا تعبأ للإسرائليين، لا تحب هذا الصراع، لكنّها تجد نفسها انجرت إلى هذا الصراع، والجميل فيها أنها تمثّل الأبرياء بالنسبة لنا، الذين لا يقتلون بشرًا آخرين ولا علاقة لهم بالصراع. تريد أن تعيش وحسب، وهذا أكثر ما يثير الحزن اتجاه هذه الشخصية".
لم يضف المسلسل أي جديد على البروباغندا الإسرائيلية الرائجة إزاء قضايا عديدة، ولكنّه عرضها على شكل مسلسل "أكشن" ذي حبكة متماسكة وإخراج متميّز. فاستخدم في المستوى الأول نفس الدعاية الرائجة عن المستعمِر "الأبيض" المتفوق بشكلٍ عام، من خلال إظهار فوقيته في مشاهد عدة كان أبرزها سخرية بعض الجنود من وحدة المستعربيين على لفظ الفلسطينين حرف الـB بدل حرف الـP أثناء تدربهم على نطق اللهجة الفلسطينية قبل تنفيذ العملية.
اقرأ/ي أيضًا: الفلسطينيون على “Netflix”
أما على المستوى الثاني فيبدو العمل صيغة سينمائية من المقولات الإسرائيلية التقليدية عن "نظافة السلاح" والأخلاقيات العسكرية و"اللا خيار"، ليظهر الجيش وكأنه مجبر على قتل بعض الفلسطينيين، الذين يشكلون خطرًا على حياة الجنود شخصيًا وعلى حياة أسرهم. وهي ثيمة تتكرر في عدد من أجزاء المسلسل.
أما في المُجمل، وفي كل أحداثه تقريبًا، حاول المسلسل أن يمثل هذا الصراع على أنه صراع أنداد أو جيوش متكافئة، يتساوى أطرافه في القوة، وفي "التكلفة الأخلاقية" أيضًا. فمتاعب هذا الصراع وضغوطه ومشاكله الأخلاقية عند كلا الطرفين تجعلهم يائسين من دفع تكلفة هذا الصراع، ليحاولوا في النهاية البحث عن حلٍ لهذه الأزمة، ما يدفع البعض إلى الانسحاب من الصراع أو النفور منه على الأقل، بينما يتشبث البعض الآخر بضرورية هذا الصراع.
اقرأ/ي أيضًا:
رقصة الفالس بين شاتيلا وأوشفيتز
الفلسطينيون على “Netflix”.. الحلقة الثانية