13-أبريل-2017

نفشت حبات القمح المجروشة في اللبن المغلي، معتدةً بنفسها، فالعيون تجتمع حول إنائها، ترقب استواء "الجريشة"، وهي وليمة الأفراح الفلسطينية، الواثقة من تاريخ قصتها، فبلدات ضواحي القدس اشتهرت - وما زالت - بمناسباتها بـ"جريشة" باللحم، تقدم للضيف حالها حال المنسف.

توضح السبعينية أم محمود أبو غيث، من بلدة العيزرية شرق القدس، أن الجريشة أكلةٌ فلسطينيةٌ قديمةٌ، "عرفناها من أمهاتنا، واشتهرنا بها، لكنها لم تكن كهذه الأيام، فطهيها في البيوت كان بشكل متكرر، وليس كالآن قلّما تطهى في البيوت، وتشتهر بها فقط موائد الأعراس".

الجريشة كانت مائدة متكررة في منازل الفلسطينيين، لكنها تراجعت اليوم لتصبح وليمة الأعراس في بعض المناطق حالها حال المنسف

وعن أصل قمحها، تقول لـ"ألترا فلسطين": "كنا عندما يستخرج القمح من البيدر، نقوم بغسله وغربلته وتنظيفه، ثم جرشه ونقعه مدة ليلةٍ تسبق نهار طهيه، ولهذا سميت الجريشة".

اقرأ/ي أيضًا: المفتول: طبخة النَّبي سليمان!

وتضيف أم محمود، "إن كان القمح من أرضٍ تم ريها، فالكيلو المجروش منه أثناء الطهي يحتاج لكيلو ماء، وإن كان من أرضٍ بعلٍ لا يسقيها إلا المطر، فالكيلو منه يحتاج رطل ماء".

وتستمر الأهازيج خلال التحريك المستمر غير المتوقف للقمح المجروش الذي اختلط باللبن والماء واللحم، كي لا يلتصق بقعر إناء الطبخ، لتفوح رائحته، مما يزيد الحضور حماسة وسرورًا بالقدر الذي يحتاجه العرس.

وتُهلل المدعوات خلال الطهي، أهازيج لأم العريس، ففي بيتها يطهى طعام الفرح:

"أويها يا إم العريس مين قدك ومين وَدك.. أويها هاي برجنا العالي وريت البين ما يهدك.. أويها يدرس عدوك درس الزيت على بَدك.. أويها رزقك على ربك ما هو على عبدك"، لترد عليها الأخريات بالزغاريد.

فيما تقول إحداهن:

"أويها جيت أغني وإلي زمان ما غنيت.. أويها جيت أغني كرامة لأهل البيت..  أويها كرمال عيون العريس لا أجيت ولا غنيت"، وأيضا تكلل بزغاريد النسوة.

ولا يكتفين بذلك فالاسترسال يستمر، كأن يقلن:

"هيي يا أم العريس افردي شعرك كلو.. هيي يا أم العريس لأقعد تحت ظلو.. هيي يا أم العريس لأروح للملك وأقولو أم العريس بتسوى عسكرك كلو".

وتقول أخرى: "أويها يا قاعدة بالمراتب قعدة البَنا.. أويها والكحل بعيونك زقفولو وغنى.. أويها حطي القدم ع القدم ما سمعتيلو رنة".

وعن استعمالات القمح، غير الطحين والبرغل، تبين أم محمود، "كنا نعد منه المهلبية، بعد نقعه وعصره، ونستغل العصير بإضافة البندورة والبصل المقطع له، وعجنه مع الطحين، ثم نقطعه لقطع بحجم كف اليد، دون فرد، وبعد خبزه نحصل على فطائر الكراديش".

و"الجريشة" التي تطبخ في البيوت دون مناسبات، تؤكل في فترة ما قبل الظهر، وتعتبر وجبةً  لنهارٍ كامل، وعندما تقوم إحدى السيدات بطهيه، تدعو الأقرباء والأصدقاء، لأن تناولها لا يحلو إلا باجتماع الأحبة.

اقرأ/ي أيضًا:

"المعلاق" وجبة الخليل السحرية كل صباح

"لحم الفقراء" في تراث فلسطين

الزبيب الفلسطيني.. ما تبقّى لكم من حلوى