يواصل آلاف الفلسطينيين داخل الخط الأخضر التظاهر في كل يوم جمعة منذ بداية السنة الحالية، احتجاجًا على العنف والجريمة المنظمة وتواطؤ الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وهي الظاهرة التي أدت لمقتل 16 فلسطينيًا منذ بداية سنة 2021 وحتى مطلع شهر آذار/مارس، و113 آخرين خلال سنة 2020.
129 ضحية لجرائم العنف داخل الخط الأخضر منذ بداية سنة 2020 وحتى بداية شهر آذار
جنبًا إلى جنب، كان نشطاء فلسطينيون يستثمرون مواقع التواصل الاجتماعي لتغطية التظاهرات، في ظل ضعف التغطية الإعلامية، ما جعلهم هدفًا مباشرًا لسلطات الاحتلال؛ بالاعتقال والتنكيل والتهديد.
الناشط معاذ الخطيب من بلدة كفركنا في الناصرة، أكد أن للنشطاء على مواقع التواصل دورٌ مهمٌ ليس فقط في تغطية الحدث إنما للتحفيز أيضًا، لأن لمعظمهم أنشطة في مجالات عامة ومتنوعة، وهذا ساعدهم في إيصال الأحداث لجمهورهم الكبير.
ويضيف الخطيب لـ الترا فلسطين: "شهدنا نشاطًا ملحوظًا لعدد من النشطاء الذين رافقوا جميع الفعاليات والمظاهرات، وقمنا بتغطيتها بطريقة مميزة تفوقت على تغطية وسائل الإعلام التقليدية".
ويتابع، "ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في التعريف بأماكن الاحتجاجات وحشد المشاركين، ونشر التغطيات وما يحدث من انتهاكات ضد المتظاهرين الفلسطينيين".
ولا يقتصر الأمر على تغطية المظاهرات وإبراز كارثة الجرائم والعنف على العائلات الفلسطينية داخل الخط الأخضر، بل يوثق النشطاء انتهاكات الشرطة الإسرائيلية بحقهم وضد المتظاهرين. لكن "تحسس" المتظاهرين من التصوير وعدم رغبتهم في كشف وجوههم، أدى للحدَّ من قدرة النشطاء على توثيق بعض اللقطات والانتهاكات الخطيرة التي حدثت بحق المتظاهرين.
"لا يوجد شيء يمكن أن يحمي الناشط الفلسطيني في أراضي الـ48 المحتلة". هكذا ردَّ الخطيب على سؤالنا عن الوسائل التي يمكن أن تشكل حصانة للنشطاء أثناء تغطيتهم للمظاهرات.
وأضاف، "حتى الصحافيين الذين يملكون بطاقة صحافة يتم الاعتداء عليهم وإعاقة عملهم (..) كما أن البعض تعرضوا للضرب". لكنه استدرك بأن اللقطات التي صورها النشطاء لبعض المتظاهرين الذي تم اعتقالهم بتهمة الاعتداء على الشرطة، نجحت في تخليصهم من الاعتقال.
ويؤكد الخطيب، أن أدوات السلامة الشخصية -كالخوذة والسترة الصحفية- لا تفيد بشيء ولا توفر أي حصانة للناشط من ملاحقة الشرطة الإسرائيلية.
الناشط والمصور الصحافي تامر مقالدة، أصيب في رأسه جراء اعتداء الشرطة عليه أثناء تغطيته للمظاهرات الأخيرة. في حديثه لـ الترا فلسطين، قال إن دور النشطاء في هذه الأحداث "عفويٌ نابعٌ من انتماءٍ للفكرة، وليس تابعًا لأجندة سياسية أو خاصة".
"أخبرت عناصر الشرطة بأن لدي ألم مزمن في الظهر، لكنهم تعمدوا ضربي على ظهري بقوة، ثم اقتادوني لأحد أقسامهم، وهناك تعرضت للإهانة والشتائم"
اعتقلت شرطة الاحتلال، مقالدة أثناء تغطيته لإحدى المظاهرات عبر تقنية البث المباشر في موقع "انستغرام"، وقد تعرض للضرب المبرح. يقول: "أخبرت عناصر الشرطة بأن لدي ألم مزمن في الظهر حتى لا يقوموا بضربي، لكنهم تعمدوا ضربي على ظهري بقوة، ثم اقتادوني إلى أحد أقسامهم للتحقيق، وهناك تعرضت للإهانة والشتائم".
في قمعها للمتظاهرين، استخدمت شرطة الاحتلال الرصاص المطاطي وقنابل الصوت وقنابل الغاز المسيل للدموع والمياه العادمة والقوات الخاصة والخيّالة، هذا عدا عن الاعتقالات وما يتبعها من تنكيل بالمعتقلين.
وكان القمع الإسرائيلي لمظاهرة أم الفحم يوم الجمعة الأخير من شهر شباط/فبراير هو الأعنف، حيث أوقع 11 إصابة؛ إحداها خطيرة.
في قمعها للمتظاهرين، استخدمت شرطة الاحتلال الرصاص المطاطي وقنابل الصوت والغاز والمياه العادمة، هذا عدا عن الاعتقالات وما يتبعها من تنكيل بالمعتقلين
يحدث هذا في مواجهة متظاهرين سلميين، وفق ما تؤكده الفيديوهات والصور، ويشدد عليه الصحافي أمير علي بويرات من بلدة عرعرة في حديثه لـ الترا فلسطين.
يعتبر بويرات، أن أدوات القمع الإسرائيلية ليست إلا "محاولة لتحويل هذه المظاهرات السلمية إلى عنف وفوضى، ما يعكس عدم تقبلها لأي مشاركة ديمقراطية يعبر فيها الفرد عن رأيه أو غضبه تجاه أي ظاهرة مؤرقة".
ويضيف: "في المظاهرة الأخيرة في مدينة أم الفحم، حمل المتظاهرون 21 تابوتًا، وهو عدد ضحايا العنف والجريمة منذ بداية هذه السنة، وعلى التابوت الأخير وضعوا علامة سؤال، في إشارة إلى الجرائم القادمة المحتملة، وهي طريقة سلمية جدًا بالتظاهر، قوبلت بالقمع من الشرطة".
ويشير بويرات لأحداث الجمعة الثالثة من الاحتجاجات، حين قُتل الشاب محمد ناصر جعو أمام منزله في أم الفحم، بينما انشغلت الشرطة في قمع المتظاهرين الرافضين للجرائم، مؤكدًا أن فرقًا شاسعًا بين تعامل الشرطة مع "المواطنين" العرب و"المواطنين" اليهود، وهو ما لمسه خلال تغطيته لمظاهرات اليهود المطالبين باستقالة بنيامين نتنياهو من رئاسة الوزراء، إذ تتعامل الشرطة معهم بطريقة "سلمية وحضارية" وفق وصفه، عكس المظاهرات التي يشارك فيها العرب.
من جانبه، يصف المحامي جميل جبارين من أم الفحم، تعامل الشرطة الإسرائيلية مع المتظاهرين الذين تعتقلهم بـ"العنيف والهمجي"، إذ يتم الاعتقال بطريقة منافية للقانون، إضافة إلى أن ضرب الشرطة للنشطاء والمتظاهرين يعتبر في القانون الإسرائيلي تعسفيًا، مشيرًا لاعتقال أكثر من 66 فلسطينيًا في الفترة السابقة، قبل الإفراج عنهم لاحقًا.
اعتقال أكثر من 66 فلسطينيًا منذ بداية المظاهرات، قبل الإفراج عنهم لاحقًا.
ويؤكد جبارين، أن هناك فرقًا بين تعامل الشرطة الإسرائيلية مع المتظاهرين العرب من جهة؛ والمتظاهرين اليهود من جهة أخرى. يقول: "يتعاملون معنا كأعداء وليس كمواطنين"، مضيفًا أنه لم يسبق لشرطي إسرائيلي تعدى أو اعتقل قاصرين يهود أو أعضاء برلمان أو قام بضربهم خلال المظاهرات.
وأشار إلى أن الشرطة تركّز في قمعها على النشطاء الذين يغطون التظاهرات؛ لأنهم يوثقون ممارساتها العنصرية.
وإضافة لفضح العنصرية الشُّرطية والقمع، يؤدي النشطاء دورين هامين في التظاهرات الأخيرة، وفق الشيخ خيري اسكندر، رئيس اللجنة الشعبية في مدينة باقة الغربية، فهم، أولاً، يساهمون في حشد الجماهير للمشاركة في الاحتجاجات، وثانيًا، يساهمون في توعية الفلسطينيين داخل الخط الأخضر ولفت أنظارهم لما يحيط بمجتمعهم جراء العنف المتزايد الذي أودى بحياة أكثر من 133 شخصًا خلال العام الماضي فقط.
ورأى اسكندر، أن الزخم الذي يمنحه النشطاء للمظاهرات من خلال نقلها لمواقع التواصل ساهم إلى حد كبير في تأجيج الاحتجاجات، "وبالتالي توجيه إنذار إلى الحكومة الإسرائيلية بأن العرب في الداخل باتوا على قناعة بأن ما يتعرضون له ليس بعيدًا عن مخطط يهدف إلى تمزيق أواصرهم الاجتماعية، وإلهائهم بأمنهم الشخصي وصرفهم عن قضاياها المصيرية مثل قضايا الأرض والمسكن والاحتلال، وما يحاك ضد المسجد الأقصى" وفق قوله.
على أثر هذه الاحتجاجات، أقرت الحكومة الإسرائيلية، أمس الإثنين، خطة لمكافحة العنف والجريمة في المجتمع العربي، وتقوم بشكل أساسي على زيادة مراكز الشرطة في البلدات العربية، وتشكيل لجنة للتعامل مع قضيّة تهريب السلاح من الجيش الإسرائيلي إلى عصابات الإجرام، وتصنيع هذه العصابات وسائل قتالية وتهريب أخرى.
ومن المقرّر أن تصدر توصيات اللجنة بعد 180 يومًا من إقرار الخطّة.
القائمة المشتركة: خطة الحكومة ليست جادة والميزانية المخصصة هزيلة
ورفضت القائمة العربية المشتركة (الجبهة، التجمع، العربية للتغيير) الخطة الإسرائيلية، معتبرة أنها "خطّة علاقات عامة انتخابية، وليست خطة حقيقية وجادة وشاملة لمكافحة الجريمة والعنف في المجتمع العربي".
ووصفت القائمة، الميزانية التي تم إقرارها للخطة بأنها "هزيلة"، حيث أن الميزانية السنوية الشاملة للشرطة تبلغ 13 مليار شيكل، مؤكدة أن الخطة لا تعالج مسبّبات العنف في المجتمع العربي. وقد أثبتت التجربة أنّ فتح محطات شرطة، دون تغيير سياسات الشرطة، لا يحلّ المشكلة لا بل يعمّقها أحيانًا".
اقرأ/ي أيضًا: