28-يناير-2022

صورة توضيحية - gettyimages

قانون آخر يتم تخريبه! هذه المرة قانون الإجراءات الجزائية، الذي هو في جوهره قانون حقوق إنسان وليس مجرد قانون إجرائي.

بموجب التعديلات الجديدة، ينتهي عهد قانون فلسطيني محترم صادر منذ أكثر من 20 عامًا عن مجلس تشريعي منتخب

أصدر الرئيس محمود عباس قبل أيام قرارًا بقانون معدل لقانون الإجراءات الجزائية رقم 3 لسنة 2001، وهو في طريقه الآن للنشر في الوقائع الفلسطينية حتى يصبح ساري المفعول ويطبق في المحاكم. بموجب التعديلات الجديدة، ينتهي عهد قانون فلسطيني محترم صادر منذ أكثر من 20 عامًا عن مجلس تشريعي منتخب، وذلك بعد التخريب الذي حصل في قانون السلطة القضائية وقانون تشكيل المحاكم النظامية منذ حوالي سنة.

بادعاء بتسريع إجراءات التقاضي، يصدر قرار بقانون لتعديل قانون الإجراءات، يتم فيه إلغاء الضمانات المقررة للناس في مواجهة السلطات العامة، وعلى الرغم من أن تلك الضمانات لم تكن تحترم كثيرًا في الواقع، إلا أن النيل منها الآن يتم بموجب قانون الذي هو في الأصل تعبير عن إرادة الناس ولمصلحتهم "من الشعب وإلى الشعب".

التوقيف بموجب التعديلات الجديدة يصبح الأصل وليس الاستثناء، وهذا يتنكر للأصل في الإنسان البراءة "المتهم بريء حتى تثبت إدانته"، وهو حقٌ دستوريٌ وطبيعيٌ لجميع البشر في جميع الحضارات الإنسانية. أيضًا، أصبحت مساءلة الموظفين ومحاكمتهم عن الجرائم التي يرتكبونها مرهونة بأذونات من النيابة العامة، "يعني بقرارات سياسية".

التوقيف بموجب التعديلات الجديدة يصبح الأصل وليس الاستثناء، وهذا يتنكر للأصل في الإنسان البراءة "المتهم بريء حتى تثبت إدانته"

أنهت التعديلات الجديدة مبدأ شفوية المحاكمة، وأصبحت الاستئنافات تنظر تدقيقًا وليس مرافعة. وكذلك أوجدت مشكلة أخرى في مناقشة شهود الإدانة، وإدانة متهم بناءً على أقوال متهم آخر، وفي الطعن بالنقض في الجنح، وغير ذلك من المصائب. يعني باختصار، القانون الجديد يؤسس نظرية جديدة لم ندرسها في كليات الحقوق، ولكنها واضحة في إضعافها الناس وتقوية السلطة.

لا أعرف الأسس العلمية التي استند إليها أ. علي مهنا/المستشار القانوني للرئيس في كتابته أو موافقته على ما كتب في القانون الجديد، فهو لا يحقق سرعة إجراءات التقاضي بل يهدم ضمانات المحاكمة العادلة. وفي جميع الأحوال، ما حدث لا يعدو -في أقل صوره- عن تخريب لقانون صالح. وهو نفس التساؤل الذي كان يمكن طرحه عندما تم العبث في قانون السلطة القضائية قبل نحو عام. ربما هو النسخ من القوانين الأردنية أو المصرية! مع أن القوانين الفلسطينية التي أصدرها المجلس التشريعي الأول لا سيما في فترة الإصلاح (2002-2005)، تتفوق بكثير على ما عداها من القوانين العربية ذات العلاقة.

هذا ليس تبرئة للرئيس من مسؤوليته في تخريب قانون محترم، فهو منْ يوقع على القانون ويصدره ويأمر بنشره، ولكن الذي يحصل هنا أن مستشاره يدخل عليه ويشرح له ليس التفاصيل القانونية التقنية، بل يشرح له ببساطة كيف أن هذا القانون سوف يقويه ويقوي النظام السياسي أمام الناس، وهو ببساطة يوافق، بصرف النظر عن التأثير السلبي للقانون على الناس ومصالحهم.

طبعاً لا أستبعد أن يكون هذا نتاج صفقة جديدة بين أطراف ما يسمى قطاع العدالة، محلها صدور هذا القانون من جهة، وتشكيل المحكمة الإدارية والمحكمة الإدارية العليا من جهة أخرى. وطالما الشفافية غائبة، للناس التخمين والتوقع والشك في الحيثيات والأهداف.

 لا أستبعد أن يكون هذا نتاج صفقة جديدة بين أطراف ما يسمى قطاع العدالة

منذ فترة والحديث عن رغبة الرئاسة في تشكيل المحكمة الإدارية والمحكمة الإدارية العليا، في المقابل، القضاء برئاسة أ. عيسى أبو شرار غير راغب في ذلك، وراغب من جهة أخرى في تمرير تعديلات لقانون الإجراءات الجزائية وقانون أصول المحاكمات. لا أعرف الآن بصدور هذه القوانين إن تلاقت الرغبات؟ وإن كنا سوف نشهد قريبًا تشكيل المحكمة الإدارية والمحكمة الإدارية العليا؟

هذه نتائج الاستبداد السياسي، قرارات من فرد واحد، تتخذ في منتصف الليل، لا أحد يعرف عنها، وتصدر على غفلة من المخاطبين بأحكامها، وتنتهك حقوقهم وحرياتهم، وتجعل من حلمهم في واقع أفضل بعيد المدى.

وللتذكير، فإن سرعة إجراءات التقاضي لن تتحقق إلا باحترام القانون من الجميع، واحترام أحكام وقرارات وأوامر المحاكم من الجميع، بمن فيهم عناصر الأجهزة الأمنية، وزيادة عدد القضاة وموظفي المحكمة، ورصد الموازنات الكافية للمحاكم على غرار موازنة الأمن. وهذا معناه تطبيق الموجود دون زيادة أو نقصان.

وللملاحظة أيضًا، صدر قرارٌ بقانون آخر بتعديل قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001، لم أطلع عليه، ولكني أتوقع ألا يقل سوءًا عن تعديل قانون الإجراءات، لأن ذلك نتيجة متوقعة للقوانين والقرارات التي تتخذ في العتمة.


اقرأ/ي أيضًا: 

القضاء.. عدالةٌ انتقالية أم هيمنة تسلطية

الرسالة الحقوقية تنمير أم تغيير؟