31-أغسطس-2019

مع كل ما تسمى "جريمة شرف" جديدة، ندوس على عتبةٍ جديدةٍ من بؤس المؤسسات الفلسطينية، بؤسٌ في القوانين وبؤسٌ في الثقافة اليومية والمعايير والأخلاقيات، بؤسٌ يقود إلى عدم الإيمان بالهوية أحيانًا.

مع كل ما تسمى "جريمة شرف" جديدة، ندوس على عتبةٍ جديدةٍ من بؤس المؤسسات الفلسطينية

كان الرهان في ردع هذه الجريمة على مساحتين: الإرادة السياسية وهذه تم التعبير عنها في بياناتٍ صحفيةٍ للاستهلاك السريع، والقوانين وبضمنها عدم التسامح مع العذر المُحلّ. وفي كلا الأمرين خسرنا واستمرت "جرائم الشرف"، ولفرط الخدر العقلي والفكري والتحديثي الذي يصيبنا، نعود كالببغاوات لنفس المساحة لنطالب بتفعيلها، أو تكييف هذا الظلم على بؤس الإرادة السياسية، وعلى بؤس المنظومة القانونية الفلسطينية التي تغص بنعوش كثيرة لفتيات وطفلات ونساء قُتلن ظلمًا.

اقرأ/ي أيضًا: نساء يُعرقلن البلاد

هل يجرؤ رئيس الوزراء أو الرئيس أو نواب الشعب أو السادة الوزراء والوزيرات أو النائب العام الآن على قول كلمةٍ واحدةٍ في قضية المغدورة إسراء غريب؟ طبعا لأ. والتبرير أنها قضيةٌ قيد التحقيق، وما إن تمر ساعات غضب الجمهور وتذهب القضية إلى الأدراج، يعود الجميع إلى كسلهم الفكري إلى أن يتفاجأوا بجريمةٍ جديدة.

ليست صفة جيدة أن نصل إلى مرحلة نشتم فيها القانون، ولكن ماذا نفعل؟ الجرائم تتوالى والظلم يكسر القلب ويلاحقنا جميعًا إلى الوسائد وساعات النوم وفي سجودنا وصلواتنا. كم مرة سندعو الله أن يلطف بالضعفاء والضعيفات؟

واضحٌ أننا يجب أن نكفر بالقانون، كفى سذاجة ومطالبات بلهاء، حان الوقت لفعلٍ تنظيميٍ ضد المسؤولين الذين تمر الجرائم دون أن يتحملوا المسؤولية عنها، ما هو رأي السادة القادة؟ كم تدخلوا في هذه القضايا؟ هل تصل هذه القضايا جلسات مجلس الوزراء الموقر؟ هل تُطرح على اجتماع السادة قادة الأجهزة الأمنية؟ كم هي المساحة المرصودة لمكافحة هذه الجرائم في سياسات الحكومة؟ هل من معايير نحكم بناءً عليها على مدى جدية جهةٍ سياديةٍ عن غيرها في هذا الموضوع؟ أم أن السياسات العامة في البلد مجرد "مسح جوخ" وعلاقات عامة أمام الممولين والمجتمع الدولي وفي مناسبات المرأة وفقط؟

واضحٌ أننا يجب أن نكفر بالقانون، كفى سذاجة ومطالبات بلهاء، حان الوقت لفعلٍ تنظيميٍ ضد المسؤولين الذين تمر الجرائم دون أن يتحملوا المسؤولية عنها

كم سنة سنتحمل تبجح وشعارات الأحزاب اليمينية واليسارية في هذا الموضوع؟ كم مرة تجرأت هذه الأحزاب على فعل حقيقي ضد ما تسمى جرائم الشرف؟ تريدون أصوات الناس ولا تريدون حمايتهم! لا انتصارات سياسية تحقق الآن، حققوا انتصاراتٍ ثقافية، على الأقل عوضوا الجمهور عن الهزيمة السياسية بانتصاراتٍ في القيم والمعايير، وافتحوا لهم الطريق لمستقبلٍ حديثٍ ينتج إنسانًا فلسطينيًا قويًا وحضاريًا ويستحق الحياة.

إلى أي درجةٍ تحضر فلسفة الحكم المحلي الفلسطيني في هذه الجرائم، ماذا تفعل البلديات والمجالس القروية ولجان المخيمات؟ تجمع فواتير فقط وتتقاتل على الانتخابات المقبلة، ليس في واردنا التحديث الاجتماعي والأمور متروكة لداعش والحشد الشعبي، أليس كذلك؟

هل تفضلت الكتل الطلابية في الجامعات بمجهود في هذا الموضوع؟ ماذا فعلت النقابات والاتحادات الموقرة منذ سنواتٍ في هذا الملف؟ إلى متى ستعرج وسائل الإعلام والأقلام والكاميرات بخطاباتٍ كاذبةٍ عن حداثة ولطافة سيدنا المجتمع المحلي.

ثم أين السادة مدراء العشائر ورؤساء القبائل الذين "يقصون" الآلاف والملايين في الجاهات والعطوات ويتقاتلون على الاستشارات ويطالبون بالصف الأول في كراسي أي مهرجان، وصارت الصحف تكتب أخبارهم كما تكتب أخبار الأمناء العامين للفصائل، أين هم هؤلاء إذا كانوا رجالاً عادلين بحق؟ كيف تسكتون عن هذه الجرائم؟

كم عمرًا ستهزمنا أفكار وزارة الأوقاف وثقافة رجال صلاة الجمعة ومراجل "جامع" العائلة؟

هل هذه فلسطين الاستثناء التي حلمنا بها يومًا؟ كيف يسكت مظلومٌ على مجرم؟ وكيف يخرس حرٌ في مواجهة وحش بشري؟ وكيف ننام أشهرنا الطويلة وفجأة نُفاجأ بالنعوش الجديدة التي تدق أبوابنا بسبب تخلفنا ورجعيتنا؟. كيف؟


اقرأ/ي أيضًا: 

شمس تخطئ اختيار إخوتها

عقدة سندريلا الفلسطينية

المرأة الخارقة وزوجها الكسول