22-مايو-2018

فرقة عسكرية عثمانية تقدم موسيقى تقليدية أمام باب العامود في القدس - (gettyimages)

استمرّ الوجود العثماني في البلاد العربية قرابة أربعة قرون، بدأت من سنة 1517، تاريخ سقوط دولة المماليك على يد السلطان العثماني سليم الأول،  بعد هزيمة معركة مرج دابق، إلى سنة 1918 بعد هزيمة العثمانيين أمام الجيوش الأوروبية المستعمرة، في الحرب العالمية الأولى، وقد ترك ذلك أثرًا واضحًا في تشكيل صورة المجتمعات العربية - ومنها المجتمع العربي الفلسطيني - في العصر الحاضر.

هذه الفترة التاريخية الطويلة، سبقها تفاعل عربي- تركي عبر قرون طويلة من العلاقات الثقافية والسياسة، والتأثر والتأثير المتبادل، وكان لهذا التفاعل الممتد عدة أشكال؛ ليس أقلها أهمية دخول الكثير من الألفاظ  التركية إلى اللهجات العامية في البلاد العربية، وإن بدرجات متفاوتة على رأسها العامية الفلسطينية.

ألقاب، وأسماء أدوات، وكلمات في الحياة اليومية، وتراكيب لغوية، في اللهجة الفلسطينية أصلها من اللغة التركية العثمانية

ولا تأتي هذه المقالة القصيرة انسياقًا وراء موجة المديح الشديد لكل ما هو تركي؛ التي تجتاح مجتمعات عربية كثيرة، لأسباب عديدة ومختلفة ليس هذا مجال بسطها. ولم توضع هذه المقالة أيضًا للإجابة عن أسئلة معرفية بشكل كامل، فيما يتعلق بمدى تأثر اللغة العامية الفلسطينية باللغة التركية والأزمان الحقيقية لهذا التأثر، كما أنها ليست مقالة إحصائية لكل الكلمات التركية التي لازال استخدامها دارجًا حتى يومنا هذا؛ وإنما تأتي للإضاءة على زمن ثقافي عربي فلسطيني، كان أنني وَثقت فيه هذه الكلمات باندماجها في اللغة العامية للصلات السياسية والثقافية بين العرب؛ والفلسطينيون منهم، وبين الأتراك، منذ فجر العلاقات بين الأمتين في هذا المشرق.

ولتأثر العامية العربية في فلسطين باللغة التركية عدة مستويات؛ في العرض التالي أمثلة عليها، مع معانيها المستخرجة من معجم الكلمات التركية العثمانية OsmanlıTürkçesi Süzlüğü.

أولا: الألقاب الإدارية والسياسية.

تنتشر في العامية الفلسطينية ألفاظ تركية عثمانية، كانت تطلق في العصر العثماني على أصحاب مراتب سياسية وإدارية، وقد حملت الكثير من العائلات الفلسطينية هذه الألقاب كأسماء لها حتى يومنا هذا، ما يعني أن مؤسسي هذه العائلات أو زعمائها على الأقل، كانوا يشغلون هذه المناصب السياسية والإدارية في ذلك العصر، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

- بك:  تلفظ في العامية الفلسطينية "بيك"، وأما لفظها الصحيح فهو " بي- بلا كاف"، كما تكتب في التركية الحديثة  ""Bey، ولكن نظرًا لقواعد الكتابة العثمانية الخاصة؛ التي قررت أن حرف الياء إذا جاء في نهاية عدد من الكلمات منها "بك" أن يرسم كاف "ك"، ويلفظ كما هو ياء، فقد لفظ العرب هذه الكلمات بالكاف كما رُسمت وليس كما تلفظ في اللغة التركية.

ومعاني هذه الكلمة في اللغة التركية العثمانية كثيرة منها: السيد، والغني، والمقدم، وأُطلقت على الكثير ممن تولى مناصب إدارية مثل؛ الأمير والقائد والرئيس وزعيم العشيرة،  والوالي وقائد اللواء وقائم مقام وغيرهم.

- أفندي؛ Efendi"": وهي بمعنى سيد؛ وهو لقب يستخدم في مجال الألقاب الدينية تحديدًا، فيطلق على العالم والملا والقاضي والحاكم، ويطلق على صاحب الشيء ومالكه؛ فيقال أفندي لصاحب العبد وسيده.

- آغا؛ "Ağa": وتعني في الأساس الأخ الكبير الشقيق أو غير الشقيق، وتطلق على الموظف الرسمي المسؤول في المؤسسات، أو الزعيم في المنطقة الذي تنفذ كلمته، وتطلق على الرئيس والأمير، وتطلق على زعيم الخدم في القصور.

- باشا؛ "Paşa": وهو لقب يطلق على الوزراء والولاة، وكبار المسؤولين الإداريين والعسكريين في الدولة العثمانية.

ثانيا: أسماء الأدوات المستعملة في مجالات مختلفة من الحياة اليومية، وكلمات أخرى تستخدم كثيرًا في الكلام اليومي.

- آباجور؛ "Abajur": وهي من أصل فارسي، وتعني تلك القطعة من القماش أو المعدن التي تستخدم لحجب أو تقليل ضوء المصباح، وتستخدم في العامية لما يستعمل في تغطية النوافذ من الخارج.

- اسكمله؛ (Eskemle): كلمة من أصل يوناني وتعني الكرسي الذي لا ظهر له.

- اسكاله؛ "Iskele": شائعة الاستخدام في اللغة التركية، وتعني الجسر الحديدي أو الخشبي الذي يستخدم للصعود إلى السفن والقوارب في المرافئ البحرية. أما في العامية في بلادنا، فهي الجسور الخشبية المعلقة التي تنصب حول الأبنية أثناء أعمال البناء.

 - فولاذ وبولاد؛  وتلفظ في التركية "بولاد Polat"، وتعني : الصُلب.

- دامر؛ واللفظ الأصلي لها في التركية "دمير Demir": وتعني الحديد، غير أنها تعني في لغتنا العامية أعمدة الحديد خصوصًا.

- دربيل؛ من أصل فارسي وتلفظ "دربين Dürbün": وهي المنظار أو المقراب، ويبدو أن قلب النون إلى لام لسهولة اللفظ.

 - قجة؛ وأصلها التركي "أقجه Akçe ": تعني النقود، وفي لغتنا العامية هي حصالة النقود.

- بارا؛ "Para": وهي (أصغر قطعة من) النقود.

- دغري؛ ولفظها الصحيح في اللغة التركية هي "دغرو"، بغين مخففة جدًا، ولكن كما أشرت سابقًا، نظرًا للقواعد الخاصة في كتابة اللغة العثمانية كانت هذه الكلمة تكتب "دغري"؛ بالياء وتلفظ بالواو، ولفظها العرب كما رسمت في العثمانية لا كما كانت تلفظ،  وتكتب في التركية الحديثة "Doğru" وتعني؛ الصحيح أو المستقيم.

- قوطي؛ وهذه الكلمة كذلك تكتب بالياء وتلفظ بالواو مثل سابقتها، حيث تنطبق عليها الملاحظة ذاتها المتعلقة بقواعد الكتابة العثمانية، وتكتب في التركية الحديثة؛ "kutu"، وتعني العلبة أو الصندوق.

- قوزي؛ وهذه الكلمة الثالثة التي تنطبق عليها ذات القاعدة، وتكتب في التركية الحديثة "kuzu"، وتعني الخروف. وفي فلسطين هي اسم لأكلة شعبية مشهورة يُطبخ فيها اللحم والأرز، ويبدو أن اللحم المطبوخ هو لحم الخروف، ويلفظها بعض الفلسطينيون خطأ "أوزي".

- دوز؛ "Düz": وهي كذلك بمعنى مستقيم، مثل كلمة "دغري".

- زور؛ "Zor  ": وتعني الصعوبة والمشقة، فيقال في العامية مثلاً بالزور حتى عملت كذا وكذا.

- عفارن "Aferin": تلفظ بالعامية أيضًا عفارم، وهي كلمة تقدير وإعجاب.

 - ابرنجي "birinci": وتعني الأول، وفي العامية تعني الممتاز أو الذي لا يعلى عليه، وهي هنا كلمة إعجاب.

ثالثا: التراكيب اللغوية التركية التي دخلت إلى العامية الفلسطينية.

ولعل أوضح هذه التراكيب؛ دخول اللاحقة "جي- Ci" على الكلمات، لتجعل منها تدل على أصحاب الصنائع والحرف؛ مثل قهوجي "Kahveci" وشوربجي "Çorbacı" وغيرها. وقد تستخدم هذه اللاحقة في العامية عندنا لتدل على التحقير، مثل استخدامها في كلمة: نسونجي؛ أي الرجل الذي يُقيم علاقات كثيرة و"غير شرعية" مع النساء.  وكلمة ديوانجي؛ الذي "يلف ويدور"، وغيرها من الكلمات.

وللتراث الشعبي والحفر فيه دور كبير في الإضاءة على أزمان ثقافية وسياسية، تمت فيه عمليات بالغة التعقيد؛ من التأثر والتأثير الثقافي والفكري والحضاري، قد تشكل اللغة ومفرداتها وألفاظها حقلاً بالغ الغنى والقيمة في اكتشاف تفاصيل مهمة من هذه البقع التاريخية والأدبية، التي ظلت دون إضاءة في انتظار الدراسات الشاملة والمستفيضة.


اقرأ/ي أيضًا:

رحلة شتوية في تراث فلسطين

الشتاء في لهجتنا العامية

عن "المستقرضات" وعجوزها وأمطارها الغزيرة