23-سبتمبر-2018

انطلقت الاثنين الماضي 17 أيلول/ سبتمبر 2018، في محكمة ستافانغر النرويجية، الجلسة الأولى لمحاكمة النرويجي - الفلسطيني لؤي ديب من غزة، بتهم ثقيلة أبرزها استغلال "أموال شبكة حقوقية للعب القمار عبر الإنترنت"، وذكرت المحكمة أنه استخدم قرابة 3 ملايين كرونة نرويجية في لعب القمار، ما يعادل 360 ألف دولار تقريبًا. وينكر ديب هذه الأرقام مقرًا أنه كان يلعب القمار، لكن بمبالغ أقل ومن ماله الخاص، وفق ادعاءاته. لكن القمار ليس أساس الحكاية. فمن هو هذا المتهم وما هي قصة "الشبكة الدولية للحقوق والتنمية" التي أسسها؟

هاجر ديب من غزة إلى النرويج عام 2001 ثم أسس شبكة حقوقية استغلها للمقامرة وغسيل الأموال

التفتت الأنظار جيدًا، إلى لؤي ديب، منذ نشر الإعلام النرويجي في شهر أيار/مايو 2015 ، أخبارًا غير مألوفة من الجالية الفلسطينية هناك، تفيد بأن الشرطة ومكافحة الجرائم الاقتصادية في النرويج، اقتحموا مكتبًا عمل باسم مؤسسة حقوقية تدعى "الشبكة العالمية للحقوق والتنمية" بالتزامن مع اقتحام بيت صاحب المكتب وهو "فلسطيني لجأ إلى البلاد من غزة عام 2001 حصل بعد ذلك على الجنسية النرويجية، ثم عمل في تبييض الأموال تحت مسمى "الشبكة الحقوقية"، ليقود تتابع الأحداث فيما بعد إلى ارتباطات مشبوهة للؤي ديب مع القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان المؤيد لنظام السيسي في مصر، والذي يعمل مستشارًا أمنيًا لدى ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.

وبعد تلك المداهمة عام 2015، اعتاد ديب طرقات المحاكم النرويجية؛ فقد تردد عليها مع محامين كلفهم بالدفاع عنه لمواجهة التهم التي باتت تتكشف وتتكاثر ضده، منها انتهاك التشريعات الجمركية للبلاد، والاختلاس، والغش، وتبييض الأموال والاتجار بالبشر.

ونتيجة للمراقبة التي وضعته تحتها السلطات النرويجية، تبين منذ بداية العام الجاري 2018 أن ديب "يقامر بالملايين عبر شبكة الإنترنت" فاتهمته المحكمة بناء على التحقيقات أنه يستغل في لعب القمار، أموال "الشبكة الحقوقية التي أسسها"، واعتبرت الصحافة المحلية المهتمة بأمر لؤي ديب أن "قضيته لم تشهد مثيلًا لها في البلاد" فكانت صحيفة "ستافانغر أفتن بلاديت" النرويجية قد استخدمت هذا التعبير في تناول قضية لؤي، موضحةً أنها قضية تتداخل فيها المخالفات القضائية للمتهم مع ارتباطات مشبوهة لها أبعاد أمنية خطيرة، وكانت المفاجأة بالكشف عن تلقي "الشبكة الحقوقية" أموالًا بملايين الدولارات من بنوك ومؤسسات إماراتية ما جعلها تنمو بسرعة مثيرة للريبة.

من موزع جرائد إلى صاحب مؤسسة تستقبل الملايين من الإمارات

فقد أسس لؤي ديب الذي كان يعمل موزع جرائد على المنازل في غزة، شبكته الحقوقية في النرويج لتنمو بسرعة البرق ويقدر رصيدها بين عامي 2013 و2015 بقرابة 13 مليون دولار تم تحويلها من بنوك وجمعيات إماراتية، لذا قادت المعطيات المتوفرة تحليلات الإعلام النرويجي إلى وقوف الإمارات بواسطة القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان خلف لؤي ديب.

وعام 2016 قررت المحكمة النرويجية إعلان إفلاس الشبكة بسبب الجرائم الاقتصادية التي أدين ديب فيها، وصدرت وثائق قانونية تفصل الضخ الإماراتي لها، فقد تلقت شبكة ديب أكثر من 1.6 مليون دولار عن طريق دولة الإمارات عام 2013، والتحويلات ارتفعت إلى 5 ملايين دولار في عام 2014، وأكثر من 6.9 ملايين دولار عام 2015. وفي عام 2013 وحتى عام 2015 كانت أكبر جهة مانحة لشبكة ديب شركة مقرها الإمارات متخصصة في أمن المعلومات.

لكن ديب ينفي علاقته بالإمارات، وردًا على سؤال مراسل صحيفة العربي الجديد له في المحكمة، قال إنه لأمر عادي أن تتلقى الشبكة أموالًا من متبرعين إماراتيين هدفهم دعم حقوق الإنسان في العالم، كما هدد المراسل برفع دعوة قضائية على الصحيفة بسبب تحقيقات وتقارير نشرتها عن شبهات علاقاته بدحلان والإمارات.

مهمات لؤي ديب

وتنشغل الصحافة النرويجية المحلية وحتى الرسمية بقضية لؤي ديب منها القناة الرسمية للبلاد "NRK"، رغم أن كثيرين يتورطون بقضايا غسيل أموال وجرائم اقتصادية أخرى، لكن أحد الأسباب وراء المتابعة الاستثنائية لهذا الرجل هو تلقيه أموالًا من دولة الإمارات وإصدار "شبكته الحقوقية" تقارير مخالفة لمنظمات حقوقية عالمية، وفي هذا السياق، أعدت صحيفة "داغسن" النرويجية تحقيقًا موسعًا بعنوان "الناشط الحقوقي الغامض" بشهر حزيران 2015 أي بعد اقتحام مكتبه بشهر.  

وكشف معدو ذلك التحقيق الصحفي، عن سعي شبكة ديب "الحقوقية"، إلى تلميع صورة الإمارات على الصعيد الحقوقي، ذلك عبر فبركة تقارير تظهر تلك الدولة على أنها واحة من الديموقراطية والحقوق، وبين التحقيق أن أبو ظبي ضخت للشبكة كي تؤدي هذه المهمة، أموالًا طائلة لم يتم التبليغ عنها بالطرق الرسمية في النرويج.

فكان من السخرية وفقًا "لتحقيق داغسن" أن شبكة لؤي ديب في تلك الفترة، وصلت إلى جعل الإمارات على رأس تقرير يصنف دول العالم من حيث الأكثر التزامًا بحقوق الإنسان، فجاءت الإمارات بالمرتبة 12 متفوقةً بذلك على قائمة من الدول مثل الولايات المتحدة وألمانيا، وفرنسا التي جاءت في المرتبة 20.

تفوقت الإمارات على دول أوروبية في مجال حقوق الإنسان، وفقًا لشبكة ديب

بذلك خالف تقرير شبكة ديب، تقارير حقوقية لمؤسسات عالمية مثل منظمة هيومان رايتس ووتش كما خالف المنظمات الحقوقية داخل الإمارات لرصد انتهاكات حقوق الإنسان. فقد أكدت "رايتس ووتش" في تقريرها لعام 2013 على اتباع الإمارات سياسة الملاحقة الممنهجة للناشطين والمعارضين، ووثقت حادثة تبرئة 13 شرطيًا من تهمة تعذيب معتقل باكستاني عام 2012.

وفي الإمارات التي لا يتعدى الإماراتيون نسبة 10% من مجموع السكان، يتعرض العمال الأجانب لاضطهاد منتظم وفق تقرير توثيقي لمركز "برايس ووتر هاوس كوبرز Price Waterhouse Coopers"، التابع لواحدة من أكبر شركات الخدمات المهنية في العالم. كما أكدت الأمم المتحدة عام 2014 على تعرض المعتقلين السياسيين في الإمارات للتعذيب، وعدم تمتع الصحافيين بأي حرية تمكن الصحافة من أداء مهامها الطبيعية.

وكانت سفارة الإمارات في النرويج، قد أصرت "لا نخوض حرباً دعائية ضد قطر ولا نعرف شخصاً اسمه لؤي ديب أو الشبكة العالمية للحقوق والتنمية". لكنّ صحيفة "ستافانغر أفتن بلاديت" ربطت عام 2016 بين "مركز المهماز للدراسات" الذي مقره الإمارات، وبين تحويل مالي حصل في 2013 للؤي ديب بقيمة 100 ألف يورو، مقابل قيامه بنشر وثيقة من مدوّن بريطاني يدعى بريان وايتاكر تزعم "تورّط قطر بإنشاء مواقع إخبارية وهمية لمهاجمة دول الحصار".

ديب يدخل لعبة التشويه ضد قطر ويعتبر انقلاب السيسي في مصر تحولًا ديموقراطيًا

ومنذ ذلك الاقتحام لمكتب شبكة ديب، حتى محاكمته الأخيرة يوم الإثنين الماضي، نشرت وسائل إعلام نرويجية عدة وثائق قانونية ومسربة عن تلقي مؤسسة ديب أموالًا من بنوك ومؤسسات وجهات إماراتية عديدة، كما أثار الإعلام هناك شبهات حول علاقات استخبارية لديب الذي دخل في "لعبة دعائية لتشويه سمعة قطر منذ عام 2014" تحديدًا في ذلك العام الذي شهد تحولًا ضخمًا بالعالم العربي عندما فاز عبد الفتاح السيسي برئاسة مصر بعد انقلاب على حكم محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب في أحداث تخللها سقوط مئات الضحايا من المعتصمين المصريين ضد الانقلاب في ميدان رابعة بالقاهرة.

واللافت في ذلك العام أن لؤي ديب سطع في الإعلام الموالي للسيسي مقدمًا نفسه على أنه مراقب دولي حقوقي لضمان نزاهة الانتخابات المصرية التي أفرزت فوز السيسي، وله لقاءات تلفزيونية في هذا الخصوص أحدها على قناة "سكاي نيوز الإماراتية" يشيد فيه بنزاهة انتخابات السيسي. ولقاء آخر على قناة المحور المصرية يعتبر فيه تلك الانتخابات التي تلت انقلاب السيسي أنها جزء من التحول الديموقراطي في مصر.

[[{"fid":"74363","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"4":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":514,"width":825,"class":"media-element file-default","data-delta":"4"}}]]

دكتوراة.. المقامرة!

ويبدو أن ديب استطاع من بين المهمات الملقاة على عاتقه، أن يقتطع لنفسه أوقاتًا للهو والترفيه بأموال الإمارات، فوفقًا لتهم الجرائم الاقتصادية الموجهة إليه، تستر بأحد فروع شبكته في إحدى الدول الإفريقية ولعب القمار بحجة أن أموال ذلك الفرع تذهب لمساعدة مخيمات لاجئين في تشاد والكونجو بواسطة تزويدها بالمياه.

"لكن تلك المشاريع المزعومة كانت وهمية"، بحسب ما عرض المدعي زيسلربيرغ في مطالعته الأولية، التي قدم فيها إثباتات على لعب ديب للقمار في موقعين شهيرين للمقامرة، مع تأكيد أحدهما أنّ صاحب الشبكة "كان من زبائننا الكبار". وهذا ما أكّدته أيضاً صحيفة "ستافانغر" النرويجية خلال طرحها لقضية ديب.

(الدكتور لؤي ديب)، هكذا يعرف عن نفسه في الشاشات التي تستقبله، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي التي ينشر بها كتاباته في بوسترات مصممة لتبدو "كتابات رجل حكيم"، منها "حكمته" في تشبيه غزة بامرأة فاتنة سيئة سمعة يريدها الجميع بالسر، في أسلوب لم يخل من الإيحاءات الجنسية.

[[{"fid":"74361","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":334,"width":898,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]

لكن الإعلام النرويجي لم يغفل هذا الجانب من "كركتر" لؤي ديب الذي يدعي حيازة شهادة الدكتوراه في القانون الدولي، فقادت التحريات الصحفية إلى عدم وجود اسمه ضمن أي سجلات جامعية في النرويج، إلا أن ديب برر ذلك بأنه حصل على شهادة الدكتوراه من فلسطين، مع أنه غادر من غزة إلى النرويج عام 2001 وكان عمره حينها لا يتجاوز 18 عامًا، وفق ما ذكر التلفزيون النرويجي في تقرير مساء يوم المحاكمة الأخيرة، مشككا بصحة حملة لدرجة الدكتوراه.

وبحسب تحقيق لصحيفة العربي الجديد، يحاول ديب نفي التهم الموجهة إليه بالادعاء أنّه وقع "ضحية ألاعيب سياسية". وأن الشبكة الدولية للحقوق والتنمية، تتعرض لمؤامرة من أجندات خفية"، موجهًا اتهامًا مباشرًا لمملكة النرويج بـ"الخضوع لقطر في التحقيق بشأن أعمال الشبكة ضمن نزاعها مع الإمارات"، وذلك بحسب القناة الرسمية النرويجية، التي سألت محاميه، كييل بيروغفيلد، عمّا يدفع النرويج لتلقي أوامر من دولة خليجية كقطر. ولكن المحامي أجاب "ليس لدينا أي معلومات حول ذلك".

ومع انعقاد جلسة محاكمة ديب، الإثنين الماضي، تفاعلت القضية من جديد في وسائل الإعلام النرويجية بمختلف أطيافها، فانتشرت عشرات الأخبار والتقارير حول تهم ديب، أبرزها "الاختلاس وشراء أملاك وتهريب ذهب وأموال، إضافة إلى غسل الأموال"، مع تشويه سمعة دول معينة، وتلميع الصفحة الحقوقية لدول أخرى، بحسب الدفع.

ومن جهته، رفض المدعي العام النرويجي في الجرائم الاقتصادية، هوفارد كامبن، كل محاولات ديب ومحاميه لتسييس المحاكمة، مستنكرًا اتهام الدولة النرويجية بـ"الخضوع لدولة أخرى"، فقد قال خلال حديث مع التلفزيون النرويجي "كلّ تلك الانتقادات مرفوضة ولا أساس لها. ما نقوم به في الواقع هو تحقيق شامل ومعقد ويحتاج لوقت طويل، وخصوصاً أنّه مرتبط بتعاون سلطات دول أخرى في القضية". ويشدد كامبن أنّ "سلطة القضاء في النرويج مستقلّة بالكامل".


اقرأ/ي أيضًا:

محمد دحلان.. "سمسار" تهويد القدس بأموال الإمارات

هجوم إعلامي مصري على أبو مازن.. ببصمات دحلانية