أدخلت مواقع التواصل الاجتماعي التنافس بين محلات الألبسة مرحلة جديدة؛ تخطت عرض الثياب على المانيكان، والتنافس في الأسعار، حتى صارت هناك حاجة ماسة لعارضي الأزياء من الشبان والشابات، في سياق محاولات التجار لجذب الزبائن بعد أن يشاهدوا الثياب ملبوسة بدلاً من الاكتفاء بعرضها على المانيكان، أو الاكتفاء بالصور المطبوعة على أغلفة الملابس.
في قطاع غزة المحاصر، الذي يصفه كثيرون بـ"مغالاته في العادات والتقاليد"، كانت صور النساء على واجهات المحلات التجارية أو صالونات التجميل، تتعرض حتى وقت قريب للكشط أو التشويه، بدعوى أنها "تخدش الحياء". في الوقت ذاته، كان سهلاً على الشبان الموديلز عرض الملبوسات الرجالية دون قيد أو تحفظ.
في غزة، حتى وقت قريب كانت صور النساء على صالونات التجميل تتعرض للتشويه، واليوم دخلت شابات مجال عرض الأزياء رغم تحفظات المجتمع
أمام هذا الواقع، كانت بعض الشابات اللواتي يطمحن للعمل في عروض الأزياء بصفته "عالم فاتن ومثير ومربح في آن واحد"، يخضن مواجهة صعبة لإقناع ذويهن بفكرة عرض صورهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهن يرتدين الملابس النسائية بدلاً من المانيكان.
اقرأ/ي أيضًا: موديلز فلسطين.. هواية أم احتراف؟
"الترا فلسطين" حاول البحث في تجارب "موديلز غزة"، فوجد أن الحديث في الأمر لا يزال أصعب مما هو متوقع. "أمل" عارضة أزياء (22 عامًا) طلبت أن لا نكشف عن هويتها كشرط للحديث إلينا، فهي تعرض الأزياء مع اشتراط قص وجهها في جميع الصور خوفًا من "تشويه سمعتها". تقول "أمل" إنها لا تشعر بكثير من الفخر وهي ترى وجهها مغطى أو مقصوصًا من الصورة، " لكنها مرغمة على ذلك لطالما أن المجتمع لا يزال ينبذ هذا النوع من العمل".
وتضيف "أمل" أن عالم الموديلز هو عالم تنافسي رغم محدوديته في قطاع غزة، لذلك فإنها لا تستطيع أن تحافظ على الحد الأدنى من الأجر الذي تتقاضاه مقابل عرض الملابس، وتبيّن أن بعض أصحاب الشركات والمتاجر يستغلون الموديلز ويدفعون أجورًا زهيدة، وبعضهن تقبلن ذلك تحت وطأة الظروف الاقتصادية.
وتتراوح تكلفة جلسة التصوير الواحدة للموديلز ما بين 100-150 شيكل، أي أنها تقل عن 45 دولارًا كحد أقصى.
بعض الموديلز في غزة يشترطن قص صورهن مقابل عرض الأزياء، وهؤلاء يتقاضين أجورًا أقل من اللواتي تظهر وجوههن في الصور
وتشير "أمل إلى أن العارضات اللواتي يفضلن ظهور صورهن بشكل كامل "لاسيما إذا كن غير محجبات"، يتلقين أجرًا أكبر من أولئك اللواتي يمتنعن عن إظهار وجوههن في الإعلانات، مبينةً أنها واجهت صعوبة بالغة في إقناع ذويها بفكرة العمل في هذا المجال الذي يشكل لها مصدر دخل محدود نسبيًا.
ريهام الكحلوت شابة أخرى تعمل كموديلز، قالت لـ"الترا فلسطين" إنها واجهت في بداية مشوارها انتقادات كبيرة من المجتمع الغزي، غير أنها تجاهلت تلك الانتقادات لأجل تحقيق هدفها في صناعة الذات.
ريهام في العقد الثاني من العمر، أشارت إلى أن المجتمع الفلسطيني بشكل عام وفي قطاع غزة بشكل خاص، مازال غير متقبل لفكرة أن تعمل الفتاة في مجال الموضة، لكنها تتحدى هذا التوجه، وتقول: "أنا لا أفعل شيئًا خاطئًا .. مقتنعة تمامًا بفكرة العمل في مجال عرض الأزياء وأواصل العمل بها".
ولا تبدي ريهام اهتمامًا بالعائد المادي الذي تحصل عليه مقابل تقديمها عروضا لملبوسات نسائية، شريطة أن تكون تلك الملبوسات "محتشمة" وفق وصفها. تقول: "لا أهتم كثيراً إذا كان اللباس بحجاب أو بدون، ولكن ما يعنيني هو أن يكون مستورًا".
ريهام التي أصبحت واحدة من أكثر الفتيات شهرة على مستوى العمل الدعائي للملبوسات النسائية، أشارت إلى أن فكرة الترويج للمنتجات بهذه الطريقة انتشرت كالنار في الهشيم بين التجار وأصحاب المتاجر، مبينةً تلقيها عروضاً للعمل بشكل دائم.
وفي ظل المنافسة الشرسة التي يخوضها أصحاب المتاجر بصفة عامة؛ والملبوسات النسائية بصفة خاصة، فإن مدير شركة ميراج لإنتاج الملبوسات النسائية للمحجبات فلاح زقوت، رأى أن محاولة عرض منتجاته النسائية عبر استخدام الموديلز أصبح جزءًا أساسيًا في عملية الترويج للسلعة.
استخدام الموديلز أصبح أساسيًا في الترويج للملابس في غزة، ورغم أنها تزيد تكلفة الإنتاج لكنها ذات جدوى في البيع
وأكد زقوت لـ"الترا فلسطين" أن فكرة الترويج من خلال الموديلز، تزيد من كلفة الإنتاج الواقعة على عاتق الشركات المنتجة أو حتى منافذ البيع، إذ يُضاف إليها ثمن أجرة الموديلز، وجلسات التصوير الخاصة التي يقوم بها مصورون مختصون، لكنه أكد على أهمية هذه الجلسات باعتبار أنها تُظهر المنتج للمستهلك بشكل أكثر حيوية من مجرد عرضه على المانيكان، بمعنى أنه يرى الموديلز مثلاً في العمل أو الكافيه أو الجامعة.
اقرأ/ي أيضًا: فيديو | هل يخدش المانيكان الحياء؟
ولفت إلى أن الكثير من الشابات اللواتي يرغبن بالعمل في هذا المجال، يتحفظن على إظهار وجوههن لدواعي شخصية وأخرى متعلقة بالعادات والتقاليد، مبيناً أن أغلبهن يطمحن للعمل رغبة في توفير مصدر دخل أكثر منه حباً في الموضة.
المصور الفوتوغرافي محمود أبو حمدة، عقد عشرات جلسات التصوير الخاصة بالترويج للمنتجات النسائية، يؤكد أيضًا لـ"الترا فلسطين" أن عرض الأزياء النسائية محدود في قطاع غزة، وأن عدد الشابات اللواتي يعملن في هذا المجال محدود جدًا، وذلك عائد لعدة اعتبارات، أهمها أن المجتمع لم يتقبل بعد فكرة عمل المرأة في مجال عروض الأزياء.
يدلل أبو حمدة على أقواله بأن عددًا من الشابات اللواتي يعملن كموديلز يصحبن أشقاءهن خلال جلسات التصوير التي تستغرق من ثلاث إلى خمس ساعات، مبينًا أن هناك رغبة جامحة لدى العديد من الشابات للعمل في هذا المجال، إلا أن التعقيدات الاجتماعية تحول دون تحقيق هذه الرغبة.
وقال أبو حمدة إن غالبية الفتيات اللواتي يعملن في هذا المجال من أجل توفير مصدر دخل، أكثر من رغبتهن في الشهرة.
ويبقى إقبال الشبان على دخول مجال عرض الأزياء في غزة مضاعفًا قياسًا بالشابات، وقد أنشأ هواة في عام 2015 صفحة على موقع "فيسبوك" باسم "موديلز غزة"، قال القائمون عليها إنها جاءت "تلبية لتعطش شباب غزة إلى الاهتمام بالمظهر والستايل"، لكن البحث عن هذه الصفحة في "فيسبوك" اليوم لا يوصلك إلى أي نتائج.
اقرأ/ي أيضًا:
لوحات غزة الإعلانية.. من التحرير إلى التحرر