لم تعلم الشهيدة عائشة الرابي (45 عامًا) من بديا، أن مجموعةً من قتلةٍ مشبعين بالحقد والتطرف الأيدولوجي بانتظارها وزوجها يعقوب -الذي كان يقود السيارة- وطفلتهما راما (9 سنوات)، حين ألقى مستوطنون الحجارة على الزجاج الأمامي للسيارة في منطقة حوارة، ما أدى لاستشهادها قبل أسبوعين من زواج ابنتها سلام.
يحاول قسم الإرهاب اليهودي في "الشاباك" حياكة صفقةٍ مع قادة المستوطنين بتحميل مستوطن واحد مسؤولية قتل عائشة الرابي
رغم محاولة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إخفاء تفاصيل الجريمة، إلا أن جهاز المخابرات "الشاباك" اضطُّر لكشف بعض القتلة واعتقال ستة منهم، قبل أن يُطلِق سراح خمسةٍ منهم بعد ضغط الصهيونية الدينية التي ينتمي إليها القتلة. ويحاول قسم الإرهاب اليهودي في "الشاباك" حياكة صفقةٍ مع قادة المستوطنين بتحميل مستوطن واحد مسؤولية الجريمة.
اقرأ/ي أيضًا: حذفوا تسجيلات تكشف قتلة عائشة الرابي
تزداد بيئة الصهيونية الدينية وبنيتها في مستوطنات الضفة، وقد أصبحت وكرًا لإنتاج الإرهاب والكراهية، ليس ضد الفلسطينيين وحدهم، بل ضد جيش الاحتلال وشرائح يهودية أخرى، وهم ينتمون لجماعة "كاخ" التي أسسها الحاخام مائير كاهانا الذي اغتيل في الولايات المتحدة، ولجماعة "غوش ايمونيم" التي أسسها الحاخام موشي ليفنغر.
بدأت "غوش ايمونيم" مشروعها الاستيطاني الأيدلوجي بإقامة مستوطنات "كريات أربع" في الخليل، و"ألون موريه" في سبسطيا، وذلك بدعم وزير الجيش الإسرائيلي آنذاك شمعون بيريز؛ الذي رأى فيه بعض الساسة الفلسطينيين والعرب رجل سلام، وهو الذي تحالف مع الصهيونية الدينية ضد رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك اسحق رابين، بعد أن رفض رابين حينها الاستيطان في قلب المدن الفلسطينية، لقناعته أنه لن يخدم إسرائيل التي ستجد نفسها مستقبلاً بين ملايين الفلسطينيين، إلا أن تحالف بيريز مع الصهيونية الدينية وافتتاحه مستوطنة "عوفرا" شكلت بداية مرحلة اللاعودة، حتى وصلت لما هي عليه الآن.
يعتبر الإرهاب المكونَ الرئيس لهم، وطالما أنهم "شعب الله المختار"، و"مُنحوا أرض الميعاد"، فمسموحٌ لهم كل الوسائل لإرهاب وتخويف الفلسطينيين، حتى أكثر الوسائل بشاعة وإجرامًا كالقتل بالفؤوس، والحرق، والتسميم، لكي تبقى عالقة في الوعي الفلسطيني، وقد ارتكبوا عملياتٍ إرهابيةً باستهداف رؤساء بلديات رام الله والبيرة ونابلس في الثمانينات، واقتحام جامعة الخليل وإطلاق النار داخلها، ما أدى لاستشهاد وإصابة العشرات.
وكان من إرهابهم تسميم آبار مياه الشرب، وتقطيع أشجار الزيتون وكروم العنب، وقيام الحاخام ليفنغر بإطلاق النار على الشهيد كايد صلاح في سوق الخليل لتخويف المواطنين ودفعهم إلى ترك الخليل ذات المكانة الهامة. وكذلك مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل، حين أطلق المجرم باروخ غولدشتاين النار على المصلين في صلاة الفجر، ما أدى لاستشهاد 29 شخصًا وإصابة 150 آخرين، قبل قتله على أيدي المصلين. كذلك استهداف كنائس للمسيحيين في القدس وطبريا في السنوات الماضية، بادعاء أنهم من "الأغيار الكفرة"، وحرق الطفل محمد أبو خضير حيًا، وما حدث مع عائلة دوابشة في دوما قبل سنوات، وقائمة طويلة لن تكون آخر ضحاياها الشهيدة عائشة الرابي.
تخشى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من نية هذه المجموعات القيام بعملياتٍ أكبر مستقبلاً تستهدف قرى فلسطينية، وقد تؤدي إلى ردود أفعال قوية، كما حدث بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي عندما وقعت موجة عملياتٍ استشهاديةٍ لأول مرة تحصل في فلسطين.
توجد بنى تحتية للإرهاب اليهودي في مستوطنات الضفة ومدارس ومعاهد دينية عسكرية
وكشفت تحقيقات استشهاد عائشة الرابي، وجود بنى تحتية للإرهاب اليهودي في مستوطنات الضفة ومدارس ومعاهد دينية عسكرية كان قد أفتى حاخاماتها للقتلة بتنفيذ جريمتهم، وأعطوهم دروسًا وكراساتٍ تساعدهم على التخفي ومواجهة تحقيقات "الشاباك" في حال اعتقالهم.
اقرأ/ي أيضًا: هكذا قتلوا عائشة.. وبهذه الحجة سيُفرَج عنهم
ما يُقلق المؤسسة الأمنية وأطرافًا غربية علمانية، أن الإرهاب اليهودي تخطى استهداف الفلسطينيين، وبدأت هذه الجماعة استغلال وجود الدولة لتحقيق مشروعها المسيحاني، إذ تعتقد أن دور الحركة الصهيونية انتهى بعد جلب أكثر من نصف اليهود لإسرائيل، وأصبحت تطالب بإقامة دولة الشريعة اليهودية وإلغاء ما يسمى دولة الكفر اليهودية العلمانية، ومحاولة فرض الشرائع ومنع مظاهر الاختلاط بين الجنسين في الكثير من المرافق العامة من مؤسساتٍ تعليميةٍ ومواصلاتٍ وأسواق باتت واضحة، لدرجة خوف الكثير من اليهوديات من المشاركة في الفعاليات المختلطة بعد قتل شابة خلال مسيرة المثليين في القدس قبل ثلاث سنوات على أيدي أحد أفراد هذه المجموعة.
الصهيونية الدينية الاستيطانية تسعى من خلال عمليات القتل لأن تحل محل الجيش والقضاء في السيطرة على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، إذ تعتبر الصهيونية الدينية أن سيطرة الجيش تؤدي إلى بقاء الفلسطينيين في الضفة، لذلك تسعى هذه الجماعة لتوسيع عمليات القتل والحرق لتحويل حياة الفلسطينيين إلى رعب وجحيم، تحديدًا معظم القرى الفلسطينية البعيدة ، خاصة أن قاعدة هذه الجماعة أصبحت قوية وكبيرة.
رغم عدم جواز المقارنة بين المقاومة الفلسطينية والإرهاب اليهودي، إلا أن إسرائيل تفرض عقوباتٍ جماعية على عوائل منفذي العمليات، فيما جريمة قتل الشهيدة عائشة الرابي كشفت الدعم الذي تحصل عليه عوائل القتلة من المؤسسة الاستيطانية التي ضغطت وأفرجت عن خمسة من القتلة، ومن الحكومة، حيث زارت وزيرة القضاء إيليت شكيد هذه العائلات القتلة لدعمها.
قبل موته بأسابيع، اعترف شمعون بيريز أن تقديرات إسحق رابين كانت أكثر دقة حين رفض طلب جماعة "غوش ايمونيم" بالاستيطان داخل المدن الفلسطينية. واعترف أيضًا أن الصهيونية الدينية استغلت الاستيطان في الضفة لإقامة منظومةٍ تعليميةٍ لغسل دماغ الشباب ضد الجميع، وتحويل حياة الإسرائيليين قبل الفلسطينيين لجحيم لا يطاق.
اقرأ/ي أيضًا:
ارتفاع حاد في اعتداءات تدفيع الثمن