عندما تقرر أي وسيلة إعلام في إسرائيل، سواء كانت مقروءة أو مسموعة أو مرئية، نشر تقرير يتعلق بجيش الاحتلال أو تناول أي قضية أمنية، فإن الرقيب العسكري، يكون صاحب الكلمة العليا، يحذف ويقترح إضافة ما يخدم "الأمن". ويحرص الجيش أحياناً على استخدام المراسلين العسكريين لتمرير رسائل ستصل إلى عنواينها بعد أن يتلقفها الإعلام العربي ويترجمها. تلك العناوين تكون أحياناً لمستويات قيادية، وأحيانا لجمهور محدد، وأحيانا تكون الرسالة للجمهور والقيادة معاً، طبعاً من أجل تحقيق أهداف حددت سلفاً ضمن خطط الحرب النفسية المعدة مسبقاً.
ومن أهم أهداف "عقيدة الضاحية"، التي طبقها جيش الاحتلال في حرب لبنان الثانية وشارك في بلورتها أصلا رئيس أركان جيش الاحتلال الحالي غادي آيزنكوت، هو بناء حالة ردع يكون فيها رعب المدنيين من اندلاع الحرب عاملاً ضاغطاً على المسلحين لثنيهم عن المبادرة لأي عمل قد يقود لحرب، وذلك من خلال "استهداف القطاع المدني، بتدمير المباني والبنى ا لتحتية واستهدف المدنيين؛ لدق إسفين بين المقاتلين وحاضنتهم الشعبية".
من عقائد جيش الاحتلال استهداف القطاع المدني لدق إسفين بين المقاتلين وحاضنتهم الشعبية، وهذا ما يفعله مع قطاع غزة الآن
وبناء على ذلك يحرص جيش الاحتلال، على تكرار رسائل يمررها عبر وسائل الإعلام العبرية، لتضخيم حالة التوتر في صفوف المواطنين في قطاع غزة الذين يعانون أصلاً حصاراً خانقاً، ولإبقاء الجمهور في حال استنزاف عصبية دائمة. مؤخراً أعاد جيش الاحتلال استخدام صور الدمار الهائل في الموصل، في إطار حربه النفسية المتواصلة على سكان القطاع.
اقرأ/ي أيضاً: هآرتس: حرب محتملة مع سرايا القدس قريباً
اهتمام دوائر التخطيط في جيش الاحتلال بمعركة الموصل، ومتابعتهم لها، بدأت من لحظة انطلاق المعركة، بهدف رسم ملامح السيناريوهات المتوقعة للحرب التي يستعدون لها في غزة، وإيجاد حلول للمعضلات التي واجهها التحالف في احتلال الموصل؛ الذي جاء ثمرة لقصف جوي مركّز شاركت فيه ست دول متقدمة، وحوالي 100 ألف مسلح، في بيئة مكتظة بالسكان المدنيين. ورد ذلك في الندوة التي شارك فيها منظرو الحرب الإسرائيليون وقادة جيش الاحتلال، وتحدث عنها موقع "واللا" الإخباري العبري.
ورغم كل ذلك، فإن جيش الاحتلال فعلاً أجرى عملية تحليل دقيق شأنه شأن جيوش عديدة لمعركة الموصل، ولكنه استخدمها في سياق إدامة حالة الاستنزاف العصبي والنفسي لأهالي غزة المدنيين. يقر قادة الاحتلال أن الفصائل الفلسطينية في غزة أيضاً درست بما يتاح لها من معلوماتٍ تفاصيل المعركة، ومن قبلها أيضاً تنظيم "داعش"، كما أكد بعض جنرالات إسرائيل أنهم درسوا الحرب الأخيرة على قطاع غزة، واستنبطوا منها أهمية الأنفاق الدفاعية في إمداد المقاتلين على خطوط النار بالذخائر والغذاء، وحتى في شن الهجمات.
الندوة حول استخلاص العبر من معركة الموصل، شارك فيها قادة "الجبهة الجنوبية" في جيش الاحتلال، وضباط سابقون يعملون حالياً باحثين في مركز أبحاث "الأمن القومي الإسرائيلي"، وأبرز ما سمحت الرقابة العسكرية الإسرائيلية بنشره عن الندوة يشير إلى الكم الهائل من الفروق بين معركة الموصل وأي عدوان جديد على قطاع غزة.
إسرائيل تعلم أن المقاومة في غزة أيضاً درست معركة الموصل، والجيش يشير إلى فروق هائلة بين ما حدث فيها وبين الوضع في قطاع غزة
وأبرز الفروق، نجاح التحالف الدولي المناهض لتنظيم "داعش" في حشد أكثر من 100 ألف مقاتل على الأرض؛ منحتهم ست دول متطورة غطاءً جوياً استخدم قوة نارية هائلة لولاها ما كان لتك القوات السيطرة على المدينة التي كان يقاتل فيها 8 آلاف مقاتل، في معركة دامت شهوراً طويلة. وفي حالة إسرائيل في مواجهة غزة، فإنه ليس بمقدورها استخدام نفس الكثافة النارية، لأن قطاع غزة مكتظ بالسكان في مساحة قليلة نسبياً عند المقارنة مع الموصل، وإسرائيل لا تفضل خوض حروب طويلة حيث لا مفر من زج جنودها في حرب شوراع.
في المقارنات التي عقدتها "إسرائيل" لاستخلاص العبر من معركة الموصل، لا تتطرق للخسائر التي منيت بها القوات المهاجمة رغم تفوقها الجوي، ولا الثمن الباهض الذي دفعه المدنيون من أهل المدينة، وجمهور الاحتلال حساس جداً إزاء الخسائر البشرية في صفوف جيشه. كما لم تتطرق إسرائيل لحقيقة أن الحرب على الموصل كانت تحظى بتأييد عدد كبير من الدول الوازنة في المنطقة والعالم، الأمر الذي ساهم بغض البصر عن الخسائر في صفوف المدنيين، وفي الحالة الفلسطينية سقوط خسائر كبيرة في صفوف المدنيين قد يقود لعمليات ينفذها الفلسطينيون سواءً داخل القدس أو داخل "الخط الأخضر" والضفة الغربية.
اقرأ/ي أيضاً:
فيديو | جندي إسرائيلي يبادر لتشكيل وحدة انتقام