22-أكتوبر-2017

الأخوان "أبو شقرة"

هل فكرت يومًا بالانضمام لرحلات التخييم في الجبال والغابات حيث أحضان الطبيعة الأخّاذة؟ مهلًا فالأمر ليس باليسير؛ فمن غير السهل مثلًا أن تعتلي الصخرة المعروفة بـ "صخرة سيمبا" في النرويج، والتي تعد من أخطر المناطق في العالم وأشهرها لمحبي الإدرينالين؛ ولكن الأخوان محمد وبشير أبو شقرة فعلا ما هو أكثر من هذا؛ عملًا بمبدأ الروائي البرازيلي باولو كاويلو "إن كنت تعتقد بأن المغامرة خطرة، فجرب الروتين فهو قاتل".

 شابان من مدينة أم الفحم، أدمنا "التشرّد" بين أحضان الطبيعة في مغامرات "مجنونة" ورحلات تخييم في أوروبا

قدِما من مدينة أم الفحم قبل سنوات ليدرسا في جامعة ميونخ الألمانية؛ ثم أدمنا "التشرّد" في الطبيعة بخضارها وجبالها ومروجها وأنهارها، يخططان لمغامرات مجنونة ورحلات تخييم في أوروبا؛ وبرفقة "القهوة العربية" يجوبان بقاعًا خلابة.

من عكا أوّلًا

يدرس محمد الهندسة المعمارية وهو من يخطط للرحلات؛ وبشير يدرس الحاسوب ويتولى مهمة التصوير من خلال طائرة صغيرة، من زوايا يصعب الوصول إليها؛ وفي قناتهما على يوتيوب يجتهدان في عرض فيديوهات؛ ونشر صور عبر صفحتهما على فيسبوك تثير غبطة المتابعين. وينجحان في تحقيق معادلة التوازن بالرغم من حياتهما الجامعية فهما يسكنان في بيتٍ بسيط، وإلى جانب الدراسة يعملان في أشغالٍ متواضعة من أجل تأمين الجانب المادي، وفي أوقات فراغهما يخططان لرحلاتهما إذا لم تعاندهما أحوال الطقس.

اقرأ/ي أيضًا:  فيديو | جولة في غزة.. تدوين الآثار "سوشليًا" لحمايتها

بشكل شبه أسبوعيّ يبتعدان عن أجواء المدينة والجامعة والعمل؛ ليشحنا أنفسهما كما يقولان لـ "الترا فلسطين" بالطاقة الإيجابيّة استعدادًا للأسبوع الذي يليه، فرغم أنّ التعب يبلغ منهما مبلغًا بعد المشي لـ 15 ساعة ببين الجبال والبحيرات والوديان؛ لكنّ آثار ذلك سرعان ما تزول بعد الاستلقاء فوق العشب.

 يقولان إنّ طبيعة فلسطين خلّابة، ومليئة بآلاف المسارات الرائعة؛ لكنّها تريد من يكتشفها

يقول محمد أبو شقرة، إنّ أيام مسقط رأسه "أم الفحم" بالداخل المحتل، وكذلك الأجواء العامة في العائلة ساعدت على بث روح المغامرة لديهم، مستذكرًا جولاتهم مع والدهم في أزقة عكا، حين كانوا يحتسون الشاي بينما يراقبون السفن في الميناء؛ وهذا خلق عندهم حبًّا للطبيعة يكبر يومًا بعد آخر.

وتحقيق هدف من هذا القبيل اقتضى من الرفيقين أسلوب حياة يقوم على الاقتصاد وترشيد الإنفاق بهدف ادّخار المال للمغامرات؛ فالأخوان يعمدان إلى استخدام البدائل بذكاء عالٍ؛ يوضح محمد ذلك بالقول: "في رحلاتنا الصيفية نفضّل المبيت في خيمة بدل الفندق؛ ونكتفي بالمتاح ونتجنّب المناطق السياحية؛ نحب أن تغلب على رحلاتنا طابع التعب والتخطيط الذاتي بما يثير فينا شعور المسؤولية والتحدي".

يتدفق منه الحماس وهو يكشف عن أنّه وفي كل زاويةٍ من هذا الكوكب هناك صورٌ ساحرة تستحق أن تُعاش؛ والاستمتاع لا يتطلب فندق "خمس نجوم" وثلاث وجبات في اليوم؛ وبرِك سباحة "وماكل شارب نايم"؛ لأن تكاليف ليلةٍ من هذا الطراز من الممكن أن أخرج بها في عشر رحلات على الأقل؛ وقد جرّبت ذلك بنفسي".

اقرأ/ي أيضًا: صور | قطار "القدس – يافا".. إسرائيل تسرق إنجازًا أكبر من عمرها

في 2009، قرر محمد دراسة الهندسة المعمارية في ألمانيا؛ وحين دفعه حبه لمعرفةِ المحيط انطلق نحو تجربةِ مساراتٍ كثيرة، ثمانِ سنوات كانت كافية لتجريب كل أنواعها ومن ثم الإقدام على مغامرات أكثر جنونًا كتسلق الجبال الشاهقة، والطيران فوقها وركوب الدراجات بين الوديان؛ كانت طبيعة تلك البلاد مناسبة لهذه المغامرات؛ وفقًا لوصفه.

وفي 2013، لحق به أخيه بشير؛ يدفعه الشغف، ولحُسن حظّ الطبيعة، ساعدت موهبة بشير في التصوير وتحكمه بطائرته الصغيرة في تخليد لقطاتٍ ساحرة لطبيعةٍ عذراء.

الرحلة الأولى لم يسبقها أيّ تخطيط، بل جاءت مصادفة، يقول محمد ردًا على سؤال عن ماذا يتذكر عن رحلته الأولى، مبيّنًا أنّ الفضول دفعهم حينها للسير نحو قمة قلعة في ولاية بفاريا، بعد أن واجهتهم لافتة كُتب عليها "إلى القمة"، مشيرًا إلى أنّ الليل ارتدى حلته السوداء وهما يبحثان عن "القمة"؛ وضلّا الطريق وسط جبالٍ نائية الى أن وجدا سلاسل كهربائية تقلّ الرحالة إلى خارج هذه المنطقة وكانت مغلقة، وفي حالةٍ استثنائية قام العامل هناك بالسماح لهم"، وهكذا وبعد أن كان الهدف لا يعدو مجرد ترفيه؛ تطور إلى هوس ينتظراه آخر كل أسبوع.

امتنانٌ ومسؤولية

اكتسب الاثنان العديد من الخصائص الشخصية، فيقول محمد إنّ التخييم في العراء، وتسلق الجبال والطيران جعلهم أكثر جرأة، كما أنّهما اعتادا على الجاهزية لكل خطوةٍ  قادمة؛ وتعاظم عندهما مفهوم القمة مرةً تلو مرة، وهُنا يُشير إلى أنّ تلك اللحظة "الأشدّ بهاءً" حين ينصبان خيمتهما بين الصخور، ويشربان الشاي الساخن، ويشاهدان درب التبانة، فهذا يغنيهما "عن كل شيء في هذا العالم"، كما يقولان.

اقرأ/ي أيضًا: "واجب".. من أزقّة الناصرة إلى أبواب الأوسكار

التطرق إلى صورةٍ تتبوأ مكانة خاصة لديه؛ أثار في عينه وميضًا غريبًا؛ يتنحنح محمد قبل أن يقول:" أبلغ من العمر ما يكفي لأفهم ألم الفصل وقسوته، وكيف لقلب المرء أن ينفطر بسبب حاجزٍ شائك يحول بينه وبين من يحب، هي صورة تؤكد لي أن كل تلك الحواجز يجب أن تسقط، على جانبها الأيمن تقع ألمانيا؛ وفي جانبها الأيسر النمسا؛ مدخل الخيمة في إحداهما والمخرج في الأخرى، هنا نمنا، شربنا الشاي وتبادلنا الحديث في الدولتين معًا، دون ألم، دون فصل؛ بالنسبة لنا الأمر يتجاوز خيمةً منصوبةً في العراء، إنما هو حُلم ننام لأجله كل ليلة".

هذا الشاب لديه يقين مطلق "أن من يحترم الطبيعة الأم لا بد لها و أن تحترمه"، ووفقًا لذلك يتعامل معها بتأهب فائق؛ موضحًا مقصده: "إن لقاء العمالقة يستدعي الكثير من التحضير يعني أن نأخذ بالحسبان أدق التفاصيل كموعد الغروب مثلا، والطقس وجغرافية المنطقة".

ويؤكد أن التخطيط للمغامرة جزء من المغامرة نفسها؛ فعلى مدار سنواتٍ طويلة جمع الكثير من الخرائط واستطاع استكشاف أماكن كثيرة، ويتابع: الأمر ليس سهلًا حين نتسلق الجبال بين صخورٍ شاهقة بالإضافة للتصوير، لكن عندما يُخرج أخي فيديوهات توثق صيرورة الرحلة بكل تفاصيلها نشعر فعلًا كم استحق ذلك منّا كل المجهود؛ وأنّ لحظة النهاية يهون أمامها تصلب أقدامنا، حينها ننسى مشقة الطريق وطوله".

وأمام كل مشهد يزداد خضوعهما أمام جبروت الخالق وعظمته؛ حيث انتصاب الجبال، والتسبيح من حفيف الشجر وخرير المطر، ليست مبالغةً أن ينطق بعبارة كهذه "في تلك اللحظات لا يسع للمرء ألا أن يخرّ أمام حب المكان وحب خالق المكان".

يقول محمد إنّ فكرة "الرحلات الباذخة" تحزنه، من خلال تركيز من يقومون بها على الإقامة في فنادق فخمة، مشيرًا إلى أن الرحلات التي يقومون بها قد لا تكلّف الفرد أكثر من 20 يورو، فالقطار يقلهم للوجهة المطلوبة؛ وطعامهم وخيمتهم معهم، ولا يتلهفون إلّا لاكتشاف طبيعة جديدة، ورسالتهم: سفر منخفض التكاليف، بمتعة أكبر، تُثري الروح والجسد.

اقرأ/ي أيضًا: "استعادة" كمال الجعفري ليافا.. عدالة سينمائية

وتتضاعف سعادة الأبناء "أبو شقرة" حين يلتقيان برحالة على غرارهما؛ فحسب رأي محمد أن "قصصهم لا تُمل"، ولعله لا ينسى نصيحة مغامرٍ ألماني قال له: "المغامرة هي أن تعيش الحياة التي تحلم بها وتجعلك سعيدًا".

ابتسامته في ختام الحديث تتسع؛ مقدمًا اعترافه بأن "أعظم صورٍ التقطناها كانت لتلك المناطق التي جاهدنا للوصول اليها، لأماكنٍ تطلّبت منا المشقة وخارت قوانا في الطريق اليها، ليَثبت أن عاقبة الصبر الجميل جميلة". أمّا عن النصيحة التي يوجهها فـ "الطبيعةُ لا تقبل التفاوض؛ إمّا الخضوع لها واحترام قوانينها؛ أو الخسارة".


اقرأ/ي أيضًا:

بالصور: رحلة إلى بيت لحم.. عجائب فلسطينية

مار سابا.. قصة دير مُحرَّم على النساء

كاميرا "عُبيدة جمال" في جناتٍ وعيون