على مدار أربعة أعوام، واظبت امتثال الغفير (47 عامًا) على تلقي الغسيل الكلوي لـ12 ساعة أسبوعيًا، ضمن برنامج علاجي يتضمن نظامًا غذائيًا يتناسب مع حالتها الصحية. أما الآن، وعلى مدار عام من الحرب الإسرائيلية على غزة، فإن امتثال، ومثلها مئات المرضى، يعانون ليس فقط من انقطاع العلاج أو تقلصه، بل ومن تدهور حالتهم الصحية أيضًا، وقد فارق بعضهم الحياة بالفعل في الشهور الماضية.
توقفت خدمة الغسيل الكلوي في مجمع الشفاء الطبي، إثر تدمير الاحتلال للمستشفى. وفي مستشفى كمال عدوان، لم تتوفر سوى 6 أجهزة غسيل كلوي عاملة، وهذا أدى إلى تقليص ساعات الغسيل الكلوي من 12 ساعة أسبوعيًا إلى 4 ساعات أسبوعيًا
وتشير امتثال الغفير، وهي من حي الشجاعية، ونزحت 6 مرات خلال الحرب، إلى شح العلاجات اللازمة لمرضى الكلى في قطاع غزة، وغلاء أسعارها، مبينة أن هذا دفعها إلى استخدام أدوية منتهية الصلاحية، وبدائل علاجية تقول إنها انعكست سلبًا على صحتها.
وأوضحت، أنها تعاني انتفاخات في أطرافها، ورفة في القلب نتيجة نقص الغسيل، إضافة لشعور دائم بالإرهاق، والاختناق، هذا عدا عن نقصان الوزن نتيجة المجاعة. وإلى جانب ذلك تعاني امتثال الغفير من التهابات شديدة في الصدر وصعوبة في التنفس، إضافة لضعف عضلة القلب.
كانت امتثال الغفير على موعد مع زراعة كلية في بدايات تشرين الثاني/نوفمبر 2023، كحلّ نهائي لمعاناتها، إلا أن الحرب الإسرائيلية حرمتها من السفر إلى إجراء العملية، كما حرمتها من الرعاية اللازمة.
وتوقفت خدمة الغسيل الكلوي في مجمع الشفاء الطبي، إثر تدمير الاحتلال للمستشفى في العدوان الثاني عليه في أثناء شهر آذار/مارس الماضي. ونتيجة لذلك، لجأت امتثال الغفير إلى مستشفى كمال عدوان، حيث قُلِّصَت ساعات الغسيل الكلوي من 12 ساعة أسبوعيًا إلى 4 ساعات أسبوعيًا، نتيجة تكدس المرضى مقابل عدد أجهزة الغسيل التي بلغ عددها 6 أجهزة عاملة.
وتضيف أنها تعاني في الوصول للمستشفى، واضطرت ذات مرة للمشي مسافة طويلة، "بكيت خلالها 5 مرات، وكنت أصرخ لعدم قدرتي على المشي". وتابعت: "بصراحة مريض الكلى متحمّل فوق طاقته، لا خضار ولا فواكه ولا مياه صالحة وفوق ذلك أزمة المواصلات".
ويقول وائل سكيك (61 عامًا) إن تكلفة المواصلات للوصول إلى المستشفى زادت عن 30 دولارًا للمريض في الجلسة الواحدة، وهذا أجبر بعض المرضى على التغيّب عن جلسات الغسيل، لعدم توفر مصادر الدخل خلال الحرب.
ويشير وائل سكيك، الذي يرافقه المرض منذ ثلاثة أعوام، إلى معاناة في توفير المياه أيضًا، فيقول: "اضطريت أشرب مياهًا مالحة جدًا وملوثة في أماكن النزوح، وأحيانًا انحرمنا نهائيًا من المياه المقطرة"، موضحًا أن انقطاع المياه العذبة تسبب في انتفاخ جسده، نتيجة تراكم السموم وحاجته الماسة لتنقية الدم عبر ماكنة الغسيل.
وبين وائل سكيك، أنه صار يشعر بالاختناق خلال النوم نتيجة تراكم السوائل في الصدر، و"صار لدي أرق، ورائحة كريهة في الفم، ومشاكل في المسالك البولية، ولم أعد قادرًا على التحرك، فلجأت إلى التنقل عبر الكرسي المتحرك، هذا غير تراكم الحصاوي في الكلى"، رغم أنه كان قد أجرى عدة عمليات قبل الحرب لتفتيت الحصاوي.
ويضيف سكيك، أن مرضى الفشل الكلوي هم الأكثر تضررًا من المجاعة في شمال قطاع غزة، و"قد أنهت المجاعة حياة بعضهم نتيجة عدم وجود الطعام المناسب الذي يتضمنه برنامجهم الغذائي، مثل الخضار والفواكه والجبن والحليب".
وأسفرت الأزمة في جلسات الغسيل وعلاجات الفشل الكلوي عن وفاة العديد من مرضى الفشل في قطاع غزة. أحد هؤلاء، أشرف سلامة، الذي تلقى الغسيل الكلوي لـ7 سنوات بواقع 12 ساعة أسبوعيًا، قبل أن يفارق الحياة في شهر شباط/فبراير الماضي، إثر نزيف حاد نتيجة عدم توفر إبر الحديد وتقليص خدمة الغسيل الكلوي.
نزح أشرف سلامة من منطقة الصناعة غرب غزة إلى مدينة دير البلح، لضمان الحصول على غسيل الكلى في مستشفى شهداء الأقصى، بعد تدمير الاحتلال للطرق المؤدية إلى مجمع الشفاء الطبي.
تقول مريم سلامة لـ"الترا فلسطين"، إنهم بعد تفاقم حالة الطوارئ في مستشفى شهداء الأقصى، نزحوا إلى منطقة القرارة الغربية، ثم إلى الوسطى، "حتى انتهى بنا المطاف في مستشفى أبو يوسف النجار بحثًا عن خدمة الغسيل الكلوي".
تصف مريم سلامة الوضع في مستشفى أبو يوسف النجار بأنه مأساوي جدًا، نتيجة توافد المرضى من كل مناطق النزوح، موضحةً أن غرف الغسيل تحولت إلى ساحة معارك وسباق لتلقي الخدمة التي تقلصت على نحو مفاجئ إلى 4 ساعات أسبوعية بصورة أدت إلى تدهور حالة والدها بعد ظهور المضاعفات.
وتقول مريم: "بدأت الانتفاخات تظهر على وجه أبي وتحت عيونه، ولم يعد يستطيع التحدث ولا النوم ولا التنفس، حتى فقد قدرته كليًا على الحركة، هذا بالإضافة إلى التقرحات والجروح التي أصابته بسبب عدم توفر الفيتامينات".
يوضح غازي الياجي، استشاري رئيس قسم أمراض وزراعة الكلى في مستشفى الشفاء، أن توقف جلسات غسيل الكلى يؤدي إلى تراكم السوائل والسموم في الجسم بصورة تؤثر على عضلة القلب، كما يتسبب في اختلاف نسبة الأملاح وضعف الدم، وضيق في التنفس، إضافة إلى ارتفاع نسبة الفسفور والبوتاسيوم التي قد تؤدي في نهاية الأمر إلى الوفاة.
عدد مرضى الفشل الكلوي النازحين في قطاع غزة وصل إلى قرابة 800 مريض من أصل 1100 مريض، كانوا موزعين على 7 مراكز في كافة أنحاء القطاع
ويُرجع غازي اليازجي تقليص ساعات غسيل الكلى أسبوعيًا إلى مجموعة من المعيقات التي تجعل من غير الممكن تشغيل أجهزة الغسيل الكلوي على النحو الذي كانت تعمل به قبل الحرب، ما دفع إلى تقليص عدد ساعات الغسيل الكلوي لكل مريض، حتى يكون ممكنًا تقديم الخدمة لجميع المرضى.
ويشرح غازي اليازجي لـ "الترا فلسطين"، أبرز المعيقات التي تواجه أقسام الكلى في مستشفيات قطاع غزة، حيث لا يتوفر الوقود الكافي لتشغيل آليات الغسيل بصورة مستدامة، إضافة إلى شح المستهلكات الطبية والمواد التعويضية اللازمة للمرضى، عدا عن نقص الكوادر الطبية وغياب التخصصات الجراحية ونقص المياه النقية اللازم تمريرها عبر الفلاتر إلى أجهزة غسيل الكلى.
ويشير إلى أن عدد مرضى الفشل الكلوي النازحين في قطاع غزة وصل إلى قرابة 800 مريض من أصل 1100 مريض، كانوا موزعين على 7 مراكز في كافة أنحاء القطاع.
ويقول غازي اليازجي: "استطعنا تشغيل قسم الكلى في مستشفى الشفاء بعد إصلاحه جزئيًا ليكون أول قسم يعمل في المستشفى. بدأنا بغرفة واحدة و10 أجهزة عاملة لإنقاذ المرضى، وحاليًا يعمل في القسم 23 جهازًا بشكل جيد من أصل 70 جهازًا خرج معظمها عن الخدمة. كما وُسِّع قسم الكلى داخل مستشفى كمال عدوان مؤخرًا ليعمل به 12 جهازًا بدلًا من 6 أجهزة".
وأكد اليازجي، أن المجاعة التي تسبّب بها الاحتلال في قطاع غزة، وتركزت في شمال قطاع غزة، أثّرت سلبًا على مرضى الفشل الكلوي، بسبب ضعف مناعتهم وحاجتهم لنظام غذائي متوازن ومعتدل، كما أن غياب الغذاء الطبيعي وتلوث المياه أدخل بعض مرضى القصور الكلوي إلى قسم غسيل الكلى.
وأشار غازي اليازجي إلى غياب خدمة جراحة الأوعية الدموية، خاصة في شمال القطاع، وذلك في ظل حاجة بعض المرضى إلى التدخلات الجراحية مثل تفتيت الحصاوي والمنظار وتركيب الدعامة وعمل الفتحة الجانبية، "الأمر الذي أوقع بعض مرضى القصور الكلوي في حتمية الجلوس على جهاز غسيل الكلى"، حسب قوله.
وأكد اليازجي، أن من حالتين إلى ثلاث حالات جديدة تلتحق بقسم الكلى الصناعي شهريًا، مشيرًا إلى أن القطاع الصحي يعاني شحًا من المكملات الغذائية، والمستهلكات الطبية اللازمة لمرضى غسيل وزراعة الكلى.
أكد اليازجي، أن حالتين إلى ثلاث حالات جدد تلتحق بقسم الكلى الصناعي شهريًا في غزة
وقال: "لا بد من السيطرة والتحكم بالأمراض التي أدت إلى مرض القصور الكلوي عبر توفير الأقراص والعلاجات اللازمة لها بشكل متكامل وتراكمي، لتفادي مشكلة تدرج وارتفاع وظائف الكلى"، موضحًا أن السبب الأول لمرض القصور أو الفشل الكلوي عالميًا هو داء السكري، وأن معظم المرضى يعانونه، بالإضافة إلى ارتفاع ضغط الدم.
وشدّد غازي على ضرورة توفير الوقود على نحو دائم لضمان تشغيل قسم الكلى دون انقطاع، مطالبًا منظمة الصحة العالمية وكافة المؤسسات الطبية الدولية والعربية والإغاثية بتوفير الكوادر التمريضية والفنية والطبية والمستهلكات والعلاجات اللازمة لتشغيل الخدمة بشكل أكثر فعالية.