على مدار سنوات طويلة، كانت مستوطنات غلاف غزة "جدار إسرائيل الحي"، الذي يحيط في قطاع غزة، القطاع الذي يضم الكتلة البشرية الأكبر من اللاجئين بعد نكبة 1948، فيما تحولت "المجموعة الاستيطانية المدنية"، إلى جزء من حصار قطاع غزة، ما قبل عام 2006 وما بعده، مما يلقي المزيد من السياق على الاستيطان الإسرائيلي في هذه المنطقة، بحسب مادة للباحث إيال وايزمان.
ويعود وايزمان، في مقالته بالزمن إلى عام 1956، عندما كان القطاع، الذي يعيش فيه 300 ألف فلسطيني من بينهم 200 ألف ممن طردوا من منازلهم في نكبة فلسطين، يفصل عن مستوطنات الغلاف، في خندق محفور بالأرض، وكان الخندق منطقة التسلل من قبل المجموعات الفدائية التي وصلت في مرة إلى كيبوتس ناحل عوز، وقتلت ضابط الأمن فيه روعي روتبرغ.
"تشكل المستوطنات جزءًا أساسيًا من نظام التطويق المفروض على غزة"
يشير المقال، إلى مشاركة رئيس أركان جيش الاحتلال موشيه دايان، في جنازة روتبرغ، التي قال فيه: "ما لنا نشكو من كراهيتهم الشديدة لنا؟ منذ ثماني سنوات وهم يمكثون في مخيمات للاجئين في غزة وأمام ناظريهم نجعل الأرض والقرى التي عاشوا فيها هم وأباؤهم وأجدادهم ملكًا لأنفسنا. هل نسينا أن مجموعة الشباب هذه في ناحل عوز تحمل على أكتافها بوابات غزة الثقيلة.. إننا نعلم أنه من أجل أن يخفت الأمل بإبادتنا علينا أن نكون مسلحين وعلى أهبة الاستعداد صباح مساء، إننا جيل الاستيطان، وبدون صلابة الفولاذ وقوة المدفع لن يكون بوسعنا أن نغرس شجرة وأن نبني بيتًا".
يتابع وايزمان، على مر السنين، تحول الخندق إلى نظام معقد من التحصينات، وصار فيه منطقة عازلة بطول 300 متر، حيث استشهد أكثر من مائتي متظاهر فلسطيني بالرصاص في 2018-2019 وأصيب آلاف خلال مسيرات العودة، يضاف إلى ذلك عدة طبقات من الأسوار الشائكة، وجدران خرسانية تمتد تحت الأرض، ومدافع رشاشة تعمل بالتحكم عن بعد، ومعدات مراقبة بما في ذلك أبراج المراقبة، وكاميرات وأجهزة استشعار رادارية، ومناطيد التجسس. علاوة على ذلك، هناك سلسلة من القواعد العسكرية، بعضها بالقرب من أو داخل "المستوطنات المدنية" التي تشكل ما يعرف باسم غلاف غزة.
ويضيف المقال: "في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وفي هجوم منسق، ضربت حماس جميع عناصر هذا النظام المترابط. وكانت ناحال عوز، أقرب مستوطنة للسياج، إحدى بؤر الهجوم. يشير مصطلح "ناحال" (بالعبرية) إلى الوحدة العسكرية التي أنشأت المستوطنات الحدودية. إذ بدأت مستوطنات ناحال كمواقع عسكرية وكان من المفترض أن تتحول إلى قرى مدنية، معظمها من نوع الكيبوتس. لكن التحول لم يكتمل أبدًا".
ووفق المقالة، كان المشروع الاستيطاني يقوم على "الأرض المشاع" بعد عمليات الطرد الواسعة عام 1948، وكان مهندسها الرئيسي أرييه شارون، وعندما قيام دولة الاحتلال، عينه دافيد بن غوريون رئيسًا لدائرة التخطيط الحكومية، وكان الهدف من مستوطنات الغلاف "توفير منازل لأمواج المهاجرين الذين وصلوا بعد الحرب العالمية الثانية، لنقل السكان اليهود من المركز إلى الأطراف، لتأمين الحدود واحتلال الأراضي من أجل جعل عودة اللاجئين أكثر صعوبة".
وبناءً على الخطة السابقة، تم تأسيس كتل استيطانية على شاكلة "مدن التطوير"، في المناطق الحدودية على مدار سنوات الخمسينات والستينات، إلى جانب المستوطنات الزراعية، وكان المخطط من مدن تطوير إيواء المهاجرين اليهود من شمال أفريقيا، أي اليهود العرب، الذين سيتم تحويلهم إلى عمال مصانع. فيما كانت الكيبوتسات مخصصة للأعضاء في الحركة العمالية، وخاصة الأوروبيين الشرقيين.
وأقيمت المستوطنات التي تكرر ذكرها على مدار الأيام الماضية، مثل مدن التطوير سديروت وأوفاكيم، وكيبوتسات بئيري، ورعيم، ومفلسيم، وكيسوفيم وإيرز، فوق القرى الفلسطينية دير سنيد وهربيا وسمسم، ونجد وحوج والحراقة والزريعي وأبو ستة والوحيدات، وقبيلتي الترابين والحناجرة البدوية.
لم تتراجع أهمية هذه المستوطنات بعد استكمال احتلال فلسطين عام 1967، ورغم ذلك تم تأسيس المستوطنات داخل قطاع غزة نفسه، والتي سيطرت على 20% من أراضي القطاع، وفي أوائل الثمانينات، واستوعبت المنطقة الواقعة في غزة وما حولها العديد من المستوطنين الإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم من سيناء بعد اتفاق التطبيع مع مصر.
وتم إحاطة قطاع عزة بالسياج، بين عامي 1994 و1996، وهي الفترة التي يُنظر إليها على أنها ذروة "عملية السلام". لتكون بداية فرض الحصار على قطاع غزة، وبعد الجلاء الإسرائيلي عن غزة في عام 2005 انتقل العديد من المستوطنين من داخل القطاع إلى مستوطنات الغلاف، فيما تم تعزيز السياج في نفس الفترة.
في عام 2007، بدأت إسرائيل حصارها الشامل، حيث سيطرت على كل ما يدخل ويخرج من قطاع غزة، إلى جانب عدوان مستمر على القطاع أدى إلى استشهاد 3500 فلسطيني على الأقل بين عام 2008 وأيلول/سبتمبر من هذا العام، مما نتج عنه ظروف إنسانية صعبة بشكلٍ كبير.
وفي سياق حصار القطاع، فإن الحكومة الإسرائيلية تقدم إعفاءات ضريبية كبيرة لسكان المستوطنات المحيطة بغزة.
الحكومة الإسرائيلية تقدم إعفاءات ضريبية كبيرة لسكان المستوطنات المحيطة بغزة
ويحتوي غلاف غزة على 58 مستوطنة تقع ضمن مسافة 10 كيلومترات من الحدود، ويبلغ عدد سكانها 70 ألف نسمة. وفي الأعوام 17 الماضية، ورغم حصار غزة وعدوان الاحتلال عليه، استمر عدد المستوطنين في التزايد.
ويقول إيال وايزمان: "تشكل المستوطنات جزءًا أساسيًا من نظام التطويق المفروض على غزة".