ظلًّا معًا، درسا في نفس الصف في مدرسة "الحسين" بالخليل، ورغم أنّهما "افترقا" في مساراتهما الجامعية، إلّا أن صداقتهما استمرّت، واستشهدا معًا، في اليوم ذاته وفي عمليّة مزدوجة. فبعد ساعات من وقوع عمليّتي تفجير في مستوطنتي "غوش عتصيون" و"كرمي تسور" جنوب الضفة الغربية، تبيّن أنّ المنفذين هما محمد مرقة، وزهدي أبو عفيفة، الذيْن داهمت قوات الاحتلال منزلي عائلتهما في منطقة واد الهرية بمدينة الخليل، وفجّرت غرفة زراعية في أرض بمنطقة "جبل أبو رمان"، بادّعاء أنّهما استخدماها قبل تنفيذ العملية.
منفّذا عملية الخليل المزدوجة: محمد مرقة يدرس في كليّة الهندسة بجامعة البوليتكنك، ويدرس زهدي أبو عفيفة المحاسبة في جامعة الخليل
البحث الأوليّ عن الشهيدين محمد مرقة منفّذ عملية التفجير في "غوش عتيصون"، وزهدي أبو عفيفة منفذ عملية "كرمي تسور" أظهر أنهما بلا خلفيّة تنظيمية واضحة، وهو ما أعلنه جيش الاحتلال أيضًا في بيانه عن العمليّة المزدوجة صباح اليوم، والاثنان أيضًا لم يسبق أن اعتُقلا لدى الاحتلال الإسرائيليّ، كما لم يتعرّضا لملاحقة الأمن الفلسطيني.
وبعدت ساعات من تنفيذ العمليّة، داهمت قوات الاحتلال منازل لعائلة الشهيدين، وأجرت عملية تفتيش، وأخضعت عددًا من الشبّان لتحقيق ميدانيّ، كما فجّرت غرفة زراعية في جبل أبو رمان، بادّعاء أن مرقة وأبو عفيفة انطلقا منها.
الاحتلال يفجّر غرفة لعائلة مرقة في منطقة أبو رمان بالخليل. pic.twitter.com/ySyKXDW8nq
— Ultra Palestine - الترا فلسطين (@palestineultra) August 31, 2024
يقول إحسان مرقة والد الشهيد محمد لـ الترا فلسطين إن الجنود داهموا منزلهم صباحًا في وادي الهرية، ولم يكن هو متواجدًا في المنزل، فاستجوب الجنود زوجته وابنه الأكبر، بسؤالهم عن محمد (20 عامًا) الذي يدرس سنته الأولى في كليّة الهندسة بجامعة البوليتكنك، وماذا كان يفعل في حياته، وأبلغوهم بأنّه نفذ عملية، واستُشهد.
وحين هاتفنا نضال أبو عفيفة والد الشهيد زهدي، كان يُشرف على علاج زوجته جرّاء صدمة أصابتها حين عرفت باستشهاد ابنها الذي يدرس المحاسبة في جامعة الخليل. وأشار إلى أنّ الجنود داهموا منزلهم صباحًا، وعاثوا فيه خرابًا وتدميرًا.
وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن الجيش اعتقل 6 شبّان، بعد اقتحام الخيل، في أعقاب الهجوم المزدوج في غوش عتصيون وكرمي تسور.
قوات الاحتلال تعتقل عددًا من المواطنين في #الخليل وتنكّل بهم. pic.twitter.com/iAxf1LTiGp
— Ultra Palestine - الترا فلسطين (@palestineultra) August 31, 2024
وفرضت قوات الاحتلال إجراءات أمنية مشددة، ونشرت حواجز عسكرية على الطريق بين الخليل وبيت لحم، وأغلقت مداخل المدينتين ومداخل بلدات أخرى، وأعلن الجيش عن منع الدخول إلى الحرم الإبراهيمي للمصلين المسلمين، ثم عاد وقال إنّ الدخول مسموح لكنه سيترافق مع إجراءات تفتيش دقيقة.
فشل إسرائيليّ وهجومٌ له تداعيات
ويرى الخبير في الشأن الإسرائيلي عادل شديد، أنّه في حال استمرار عمليات كالتي حدثت، فإنّ هذا سيكون له تداعيات سياسية وعسكريّة، ومن شأنه أن يُفشل مشروع "إسرائيل" لتفكيك الساحة الفلسطينية وعزل الضفة والقضاء عليها، من خلال الاستفراد بالشمال في جنين وطولكرم وطوباس، وإبقاء المناطق الأخرى بعيدة.
وحول دلالة مثل هذه العمليات، وفي منطقة مثل الخليل، أفاد شديد في حديث مع "الترا فلسطين" أن دخول الخليل على خطّ المواجهة بوضعيّتها وكثافتها السكانية ومساحتها وحالة الاحتكاك الدائم فيها مع المستوطنين يعطي الموضوع جديّة أكثر، ويثقل كاهل جيش الاحتلال، لأن ما حدث يُعدّ إخفاقًا أمنيًا وعسكريًا.
وأشار إلى أن نجاح المنفذين في إعداد متفجرات أو الحصول عليها، وتفخيخ سيارتين، والانطلاق بهما من الخليل باتجاه الأهداف (غوش عتصيون وكرمي تسور)، هو فشل أمني واستخباراتيّ في منطقة فيها تموضع أمني وعسكري واستخباراتي كبير.
إذا انخرطت الخليل يصعب السيطرة عليها
وعن قيمة دخول الخليل على خطّ المواجهة مع الاحتلال، قال شديد إنّ الخليل كانت تتحرّك بشكل متأخر، وحتى خلال الانتفاضات لم يكن انخراط الخليل فوريًا، ولكن كان من الصعب على الاحتلال السيطرة على الخليل بعد أن تنخرط في العمل، وهذا ما يخشاه الإسرائيليون.
وأضاف أن الاحتلال تبنّى في الخليل سياسات اقتصادية أنجحت مشروعه بجعل الخليل "وحيدة"، لكن عملية الليلة الماضية، وإن أعقبها عمليات أخرى سوف تُفشل المشروع الإسرائيليّ.
وأكد شديد أن استمرار هذه العمليات سيدخل المستوطنين في مرحلة ما جديدة، وسينعكس سلوكهم على الأرض وهذا من شأنه أن يؤجج الحالة، ويعقّد الأمور الميدانية أكثر، وقد تُقبل المنطقة على مزيد من المواجهة، ما يُشكّل عبئًا إضافيًا على منظومة الاحتلال الأمنيّة.
وتساءل شديد عمّا إذا كانت حماس والجهاد تمكنتا من إعداد بنية تحتية للمقاومة في منطقة الخليل؟ وهل هذه البنية قادرة على الاستمرار لفترة زمنية؟ وإذا كانت الإجابة نعم، فإننا أمام بيئة مختلفة تتناقض مع البيئة التي أرادها بنيامين نتنياهو جرّاء التصعيد الدموي على شمال الضفة وغزة.