16-فبراير-2020

Ali Jadallah/Getty

لم تلقَ كتابة الشعارات الثوريّة والنضالية على سور منزل أستاذة الإعلام في جامعة بيرزيت الدكتورة وداد البرغوثي ترحيب جنديين إسرائيليين في الانتفاضة الأولى "طلبا مني مسح الشعارات التي خطها الشباب على سور منزلي، لكنّي رفضت. فألقيا قنبلة غاز داخل بيتي الذي يضمّ ابني الرضيع وطفلًا وامرأتين غيري"، تسرد البرغوثي ما حدث ذلك اليوم في أوج الانتفاضة الأولى في ثمانينات القرن الماضي.

وتتابع البرغوثي: "خرجت لجنود الاحتلال وأنا أرفض مسح الشعارات فما كان من أحدهم إلا أن ضربني بخوذته على رأسي، ما سبب لي نزيفًا شديدًا أفقدني الوعي".

  كان الشعار شكلًا من أشكال النضالية الشعبية، فقد لعب دورًا تعبويًا وتنظيميًا في الانتفاضة، ولم ينظر الاحتلال للشعارات والرسومات كأمر عابر  

حالة البرغوثي ليست حالة منعزلة عن مجريات الانتفاضة الأولى، إذ ذكر تاريخ النضال الفلسطيني استنفارًا إسرائيليًا ضد الشعارات والرسومات الجدارية التي كُتبت آنذاك، وقد سجلت الحركة النضالية استشهاد 25 شابٍ أعدمهم جنود الاحتلال لكتابتهم على الجدران في ذلك الوقت.

اقرأ/ي أيضًا: إبراهيم جوابرة.. تلوين السعادة العائلية

وعلى نحو مشابه، يعود منسّق الحملة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان في مدينة رام الله صلاح الخواجا بالذاكرة إلى طفولته حين اعتقله الاحتلال الإسرائيلي وهو ابن 15 عامًا بعد أول ظاهرةٍ لرسم الشعارات في الانتفاضة الأولى، موضحًا أن الاحتلال لم يترك أي وسيلة عنف إلا واستخدمها معه أثناء التحقيق على خلفية كتابة الشعارات على الجدران. 

ويقول الخواجا: "كان الشعار شكلًا من أشكال النضالية الشعبية، فقد لعب دورًا تعبويًا وتنظيميًا في الانتفاضة، ولم ينظر الاحتلال للشعارات والرسومات كأمر عابر".

ويتابع الخواجا: "تناولت الرسومات الجدارية حينها صورًا لشخصيات عالمية مثل لكاسترو وجيفارا، وكأنها رسالة تحفيزية أراد الشباب نشرها في الساحة الفلسطينية"، مشيرًا إلى محدودية الفنون الأدائية في تلك الفترة، ما انعكس على شكل الرسومات والشعارات التي كتبها شباب عاديون منتفضون.

واليوم ما عاد الجدار ورقة بيانٍ ثوري ينتظر كاتبه جنح الليل ليختبئ بعباءته من الاحتلال ويخطّ صرخته الثورية على الجدار، ويمضي ورفاقه قبل أن ترصدهما بنادق الجنود، بل أصبح الجدار في أغلب الأحيان لوحة فنية لفنانِ تشكيلي يستلهم رسوماته من واقعه السياسي والاجتماعي الفلسطيني.

وفي ذلك يقول الفنان التشكيلي سامي الديك: "من يبحث عن أفكارٍ لرسوماته سيجدها في الواقع الفلسطيني، لذلك تأتي رسوماتي مواكبة للحدث الذي نعيشه هنا في فلسطين"، مشيرًا إلى دور الشارع في إيصال الرسائل السياسية والاجتماعية والنضالية.

ويوضح الديك أن الرسوم على جدران الشارع هي رسومات جرافيكية تنطوي تحت الفن التشكيلي، لافتًا إلى انجذاب الفلسطينيين لتلك الرسومات، حتى أنّ بعض الأشخاص أحبّوا شارعًا ما، لأجل الرسوم على جدرانه، كما يقول.

وعلى الرغم من ذلك، يعبّر الديك عن حزنه مما أسماها حربًا على الثقافة والفن، مدرجًا إياها ضمن المواجهة مع الاحتلال وذلك من خلال تغليب الهموم على ثقافة الفن، فيقول: "يحب الفلسطيني الفن ويتمنى لو نرسم له لوحة على جدار بيته مثلًا، إلا أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعايشها تمنعه من ذلك".

ويشير الديك إلى عدم وجود عقوبات إسرائيلية مباشرة كالسجن أو الغرامة أمام الفنان التشكيلي، إلا إذا اتخذ من جدار الضم والفصل العنصري، الذي أقامته إسرائيل على الأراضي الفلسطينية عام 2002، لوحةً له.

وحول الأدوات المستخدمة في الرسم الجرافيكي، يذكر الديك منها دهان السيارات، ويشتكي من عدم توافر أدوات الرسم الخاصة كعُلب رش الرذاذ في السوق الفلسطيني، ما يدفعه إلى شرائها من الداخل الفلسطيني المحتل بأسعار مرتفعة. 

ويتابع الديك: "في ظل التكنولوجيا اليوم، تراجع دور الفنان التشكيلي وتأثيره في المجتمع، بعد أن كان دور الفنّان في العصور القديمة يحظى بتقدير الحكومة والشعب على حد سواء، ويعتمدون عليه في إيصال رسائلهم.

اقرأ/ي أيضًا: صور | الفن رديفًا لمسيرات العودة

وعلى العكس من ذلك، يقول مدير دائرة الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة محمد صالح إن الوزارة تقدّم منحًا مالية لدعم الفنانين التشكيليين، إما من خلال عرض الفكرة على الوزارة أو تقديم طلب منحة لصندوق الثقافة الفلسطيني الذي يفتح أبواب تعبئة الطلب كل 6 أشهر. 

وحول إجراءات الحصول على دعمٍ مباشرٍ من الوزارة، يقول صالح: "يستطيع الفنان طرح فكرته على وزير الثقافة، وهو بدوره إما يوافق مباشرة على الفكرة أو يحيلها إلى جهة الاختصاص في الوزارة لدراستها". 

وتعقيبًا على دور الوزارة في دعم الرسومات الجدارية، يوضح صالح تعاون الوزارة مع البلديات فيما يخص هذه الرسومات، وذلك من خلال دائرة تجميل المحيط في الوزارة، والتي يقع على عاتقها إبداء الرأي وتقديم الدعم، فيما تتولى البلديات التنفيذ، كونها المسؤولة المباشرة عن الطرقات. 

وردًا على سؤال حول كيفية تأثّر الفنان التشكيلي بالظروف المحيطة، يقول صالح: "خلال الانتفاضة الأولى، كان الفن التشكيلي ثوريًا نضاليًا في المقام الأول، لكن بعد طرح منظمة التحرير خيار المفاوضات، تغيّرت طريقة الفنان الفلسطيني في التعبير عن ثورته ونضاله بما يتماشى مع الرؤية السياسية الجديدة لممثله الشرعي، أي المنظمة". 

ويرى صالح تطورًا شهدته الحركة التشكيلية بشكل ملحوظ بعد توقيع اتفاقية أوسلو، معزيًا ذلك إلى دخول عدد من المؤسسات الأجنبية إلى الشارع الفلسطيني، وافتتاح مؤسسات أكاديمية لتعليم الفنون المختلفة، إلى جانب اطلاع الفلسطيني على الفن العالمي، ما أسهم في إثراء الفن التشكيلي بمعانٍ جديدة.


اقرأ/ي أيضًا:

صور | لوحات فنيّة تروي سقوط الحب على مشارف "البلاد"

ابنة وزير الخارجية

صور وفيديو | هموم غزة بأعواد الكبريت