موسم النبي صالح.. رام الله البداية أم الرملة
يعد موسم النبي صالح من المواسم الشهيرة التي كانت تقام في فلسطين منذ عهد صلاح الدين الأيوبي، حيث قام بإنشاء عدة مقامات في فلسطين لأهداف عسكرية وأماكن تجمع الناس ونقاط اتصال بالثكنات العسكرية ضد الصليبيين، والتي تحولت لاحقًا لمصايف وأماكن زيارات موسمية مخصصة. وقد كان موسم النبي صالح يقام حول جامع النبي صالح في الرملة، وكذلك في مقام النبي في رام الله، وتحديدًا في قرية النبي صالح، حيث يختلف في مكان وجود قبر النبي صالح والمقام تحديدًا.
ويكون الموسم عبارة عن احتفالات وأسواق وفعاليات ثقافية وترفيهية تستمر لأسبوعين. ورغم النكبة استمر موسم النبي صالح في الرملة حتى عام 1987، وكان الموسم يفتتح بمسيرة تبدأ من المسجد الكبير حتى جامع النبي صالح لكن السلطات الإسرائيلية قامت بإنهاء الموسم عام 2000 ومنعت دخول فلسطينيي الضفة وغزة.
بقيت الرملة عاصمة مزدهرة على طريق القوافل العسكرية بين القاهرة ودمشق وبغداد، وظلت مركزًا للعلم والثقافة والتجارة وصناعة الفخار والصباغة وتزينت بالحقول الوفيرة، حتى وقت حدوث الهزة الأرضية عام 1067 التي دمرت معظم أحيائها. ولكن السلاجقة أعادوا بنائها، ثم احتلها الصليبيون بعد ذلك، ومن الآثار الصليبية في الرملة كنيسة مار يوحنا التي حولها السلطان بيبرس إلى المسجد الكبير بعد إضافة محراب ومنبر ومئذنة لها. ومن المعالم الصليبية البارزة في المدينة دير الفرنسيسكان "دير اللاتين"، وهو ناطحة سحاب قديمة بنيت من الحجر الأبيض عام 1296 ويقال إن نابليون بونابرت قضى فيه ليلة واحدة وهو في طريقه من مصر إلى عكا.
مكان مقام النبي صالح
لا بد من التركيز على أن الضريح يختلف تمامًا عن المقام فالمقام ليس بالضرورة أن يكون مكانًا للدفن، بل يكون المقام عادةً مكان إقامة أو مرور للنبي أو الرجل الصالح. وقد اختلفت الآراء حول مكان وجود مقام النبي صالح حيث قيل إنه في قرية النبي صالح في فلسطين، و قيل إنه في مدينة الرملة الفلسطينية، إضافة إلى وجود عدة مناطق متعددة في السعودية وغيرها تشير لوجود مقام للنبي صالح فيها. ويوجد مقام يقال إنه مقام النبي صالح في قرية النبي صالح في رام الله في فلسطين، إذ سميت القرية باسمه، حيث يقال إن النبي صالح عليه السلام توفي في هذه القرية لوجود قبر داخل المقام.
لم تتوفر تأكيدات أن مدينة رام الله، أو قرية النبي صالح، كانتا تقيمان موسمًا للمقام فيهما قبل الوجود الأيوبي، ولكن منذ أيام صلاح الدين الأيوبي بقيت مدينة الرملة تقيم هذا الموسم لمدة 800 عام من عام 1187م وحتى عام 1987م. وقد كان الأيوبيون أول من قام بإحياء موسم النبي صالح، حيث أنشأه القائد صلاح الدين الأيوبي لأهداف عسكرية ولتجميع الناس لمواجهة الصليبيين، وكمراكز عسكرية لاستراحة الجنود والاتصال فيما بينهم، قبل أن تتحول إلى مقامات دينية واحتفالات يُحييها الفلسطينيون على مر التاريخ.
وكان يقام في يوم جمعة العليمات أو الجمعة العظيمة التي يحتفل بها المسيحيون، ويبدأ في يوم خميس الأموات أو كما يقال عنه خميس البيض الذي يسبق عيد الفصح، ويسمى الأسبوع الذي يلي سبت النور أسبوع النبي صالح.
فعاليات موسم النبي صالح
تنطلق فعاليات موسم النبي صالح في الأسبوع الثالث من شهر نيسان من كل عام، وكانت تشارك فيه فرق غنائية وشعبية فلسطينية من فلسطينيي الداخل 1948 ومن الضفة الغربية وفنانون من فلسطين ومن الأردن، كما كانت تعرض فيه مسرحيات وعروض وطنية وفكاهية، وحلقات من الذكر والأناشيد والأغاني الدينية والشعبية، وفعاليات ثقافية تراثية، وتعرض فيه كذلك المنتجات والأزياء التي تشتهر فيها كل مدينة فلسطينية، كما أقيمت أسواق في ساحات القرية لتقديم الحلويات والأعمال الفنية.
كما كانت فعاليات موسم النبي صالح تخصص يومًا لكل مدينة، بما فيها يوم للقدس وأهالي فلسطين المحتلة عام 1948، تعرض فيه الأغاني الشعبية والمنتجات المختلفة والأزياء الخاصة بهم، إضافة إلى الفلكلور والدبكة والزجل الشعبي..
وكان الاحتفال يضم فقرات ثقافية منوعة، كمعارض الكتب والتراث، وفقرات السحر والسيرك، والمصارعة الحرة وكذلك جائزة نوح للزجل الشعبي، ونوح إبراهيم هو أحد عناصر عصبة عز الدين القسام، والذي كان يعرف في تلك الفترة بمغني الثورة.
كما كان الناس يتوافدون إلى مقام النبي صالح في مدينة الرملة للاحتفال قبل شروق الشمس من جميع أنحاء فلسطين بمختلف الوسائل المتاحة مشيًا على الأقدام أو ركوبًا على الدواب الحمير والجمال، أو عربات الخيول، وكانت تقام حلقات التعارف والأكل الجماعي، كما كان الناس يتابعون إبداعات بعض الشيوخ الخارقة وهم يتبارزون بالسيوف، ويشتري الأطفال الألعاب و الطبول والمزامير وقلائد الخرز وحلاوة القدوم وأكواب الخروب والسوس وغيرها.
وبعد صلاة يوم الجمعة المسمى بيوم الجمعة الحامية، وفق تسمية أخالي المدينة، حيث يجتمع جميع السكان من المدن والأرياف الفلسطينية ويحمل الشياي والكشافة الأعلام ويجتمعون ويصطفون في موكب من الجامع الكبير إلى مقام النبي صالح، وتلقى الخطب والكلمات والقصائد الثورية. ويختتم الموسم مع انتهاء يوم الجمعة الحامية، وتقدم أثناء الموسم الحلوى المشهورة باسم حلاوة النبي صالح.
زفة البيرق
كان أهل مدينة اللد المدينة التي تعد التوأم لمدينة الرملة شمالاً، يسمون الموسم بزفة النبي صالح، بسبب حضورهم زفة البيرق إلى المقام، حبث كانت تنطلق زفة بيرق اللد في مدينتهم من عند مقام المقداد بن الأسود إلى طريق بئر الزيبق جنوباً عند سكة البابور"القطار"، باتجاه الرملة. وكل قرى يافا والرملة واللد والقدس كذلك كانوا يتوافدون للمقام منذ شروق شمس يوم الجمعة.
تدخل مواكب بيارق المدن والقرى الرملة من أبواب المدينة من الجهات الأربعة. وبعد أن ينهي أهل الرملة صلاة ظهر يوم الجمعة يتقدم كل أهالي المدينة إلى مقام أبو يزيد البسطامي المجاور لبيت يعقوب ثم تنطلق زفة بيرق الرملة بعد إخراج البيرق من دار الغصين مع أحد شيوخ متصوفة المدينة، ومن هناك إلى الجامع العمري الكبير حتى يلتقي أهل المدينة بضيوفها وزوارها عند مقام النبي صالح، في تجمع ضخم يحتشد الناس فيه بموكب واحد.
شكلت طوشة البيرق جزءًا من مراسم زفة موسم النبي صالح ، وكانت تحدث سنويًا بين أبناء مدينتي اللد والرملة، حيث كان أبناؤهما في تنافس دائم وصل بينهم إلى التنافر والقتال
يعد موسم النبي صالح من المواسم الثقافية والتاريخية البارزة التي تحتفل بها فلسطين منذ عهد صلاح الدين الأيوبي. هذا الموسم يحمل في طياته تاريخًا غنيًا بالتراث والأحداث، ويعكس المجتمع الفلسطيني وتقاليده العريقة. وعلى الرغم من التحديات والصعوبات التي واجهتها الاحتفالات بهذا الموسم، مثل الاحتلال والحصار، إلا أن روح هذا التقليد لا تزال حية في ذاكرة الفلسطينيين وتراثهم الثقافي.