09-أبريل-2024
عين الساكوت

مع مطلع العام 2024، بلغت مساحات الأراضي التي يسيطر عليها المستعمرون المستوطنون بقوة السلاح وحماية الجيش ما مساحته 410 آلاف دونمًا من أراضي الفلسطينيين، جزء من هذه الأراضي أبقتها دولة الاحتلال تحت تصرف المستعمرين باعتبار سيطرتهم عليها تندرج بالمسمى الاحتلال سيطرة "بحسن النية"، تمتنع دولة الاحتلال، وبالرغم من قرارات محاكمها التي تقضي بإعادة الأراضي إلى أصحابها الأصليين، عن تنفيذ القرارات الصادرة عن أعلى جهات قضائية فيها، المحكمة العليا على سبيل المثال.

المعضلة الفلسطينية الأكبر أنّ تقاضي الدفاع عن الأرض يكون أمام محكمة الاحتلال، الجهة التي جيرت القوانين لصالح استلاب الأرض، والجهة ذاتها التي تتواطأ مع المستوى السياسي والأمني من أجل استمرار السيطرة على الأرض

يعرف الفلسطينيون الكثير من النماذج، بل لا يكاد يمر يوم من حياة الفلسطينيين المليئة بالاحتلال وقصصه وتقليعاته دون قصة تتواطأ فيها دولة الاحتلال مع المستعمرين على حساب الفلسطيني وأرضه وحياته.

المعضلة الفلسطينية الأكبر أنّ تقاضي الدفاع عن الأرض يكون أمام محكمة الاحتلال، الجهة التي جيرت القوانين لصالح استلاب الأرض، والجهة ذاتها التي تتواطأ مع المستوى السياسي والأمني من أجل استمرار السيطرة على الأرض، والجهة إياها التي تريد أن تظهر أمام العالم أنها تحكم بالعدل، وأخيرًا الجهة التي تريد أن ترضي جمهور المستعمرين المستوطنين.

ثمة الكثر من النماذج التي يمكن الخوض فيها عن ممطالة محاكم الاحتلال في تنفيذ قراراتها، ففي العام 2012 مثلا، قام أحد المستوطنين بمنع أصحاب الأراضي من الوصول لاراضيهم الواقعة في عين الساكوت في الجزء الشرقي من محافظة طوباس بقوة السلاح. الجيش الإسرائيلي الذي تدخل في بداية الأمر قام بإغلاق الطريق الوحيدة الموصلة بين طوباس والأراضي المذكورة، وطلب من أصحاب الأراضي أوراق ملكيتهم لفحصها (علمًا أن الأراضي مسجلة في أوراق الطابو). بعد الفحص أُبلغ الجيش المواطنين بأنه تم الاعلان عن تلك الاراضي كمنطقة مغلقة، وليكتشفوا لاحقا بأن الجيش سمح في المقابل للمستعمرين الإسرائيليين بمواصلة زراعتها.

تبلغ مساحة أراضي عين الساكوت، التي تمتاز بطبيعتها السهلية وخصوبتها، حوالي 6000 دونم. الجيش الإسرائيلي قام عام 1967 بنصب سياج حول تلك الأراضي وحال دون وصول أصحابها إليها، وأبقى جزءًا كبيرًا منها كحقل ألغام إلى أن قام في العام 2012 بتفكيك الجزء الأكبر منها، لكن وبدلًا من أن يسمح للمواطنين من العودة إلى الأراضي، بدأ المستعمرون بالتسلل بالتتابع لزراعة الأرض والسيطرة عليها.

في تاريخ 5 آذار/مارس 2015 وبعد سلسلة من المراسلات مع الإدارة المدنية الاحتلالية توجه عدد من أصحاب الأراضي من مدينة طوباس (25 شخص يملكون حوالي 800 دونم) بالتماس للمحكمة العليا الإسرائيلية ضد قوات الجيش الاسرائيلي التي تمنع الملتمسين من دخول أراضيهم لزراعتها وتسمح  في المقابل، للمستعمرين الاسرائيليين بالاستيلاء عليها وزراعتها.

في رده الأول على الالتماس، نفى الجيش الإسرائيلي بأنّ له علم بمن يسيطر على الأرض وادعى أن الارض موجودة ضمن المنطقة المغلقة، التي يُحظر دخولها من قبل المدنيين بدون تصريح. بعد ذلك، وفي رده الثاني للمحكمة، اعترف الجيش الاسرائيلي بأنّ مستعمرين من مستعمرتي "محولة" و"شدموت محولة" هم الذين يسيطرون على الأرض بموافقة الجيش.

أما في رده الثالث للمحكمة، وقبل جلسة يوم 11 كانون ثاني/يناير 2016، أعلن الجيش الاسرائيلي بأنه سيتم إلغاء أمر الإغلاق العسكري في غضون أسابيع لكي يسمح للفلسطينيين بالوصول لأراضيهم، إلا أنه لن يسمح لأصحاب الأراضي التي استولى عليها المستعمرون باستعادة أراضيهم في الوقت الحالي حتى يتم إيجاد حل للمسألة، وأوضح أنّه تمّ تعيين مساعد وزير الأمن الإسرائيلي من أجل مفاوضة المستعمرين والفلسطينيين أصحاب الأرض من أجل إيجاد حل، وأنّه سوف يقدم تقريرًا للمحكمة خلال 6 أشهر يعلمها فيه بالتطورات، وأرفق في رده للمحكمة خريطة جوية تبين القسائم التي يسيطر عليها المستعمرون والقسائم التي لا يسيطرون عليها.

في جلسة المحكمة التي عقدت يوم 11 كانون الثاني/يناير 2016، وبناءً على رفض الملتمسين الفلسطينيين إجراء أي نوع من المفاوضات مع الجيش الاسرائيلي، والمطالبة بإعادة أرضهم لهم، رفضت المحكمة إعطاء الجيش وقتًا لتقديم تقرير عن المفاوضات وطلبت منه تقديم تقرير عن حل نهائي للقضية خلال ثلاثة اشهر، إلّا أنّ محامي الجيش الإسرائيلي طلب عدة تمديدات حتى موعد الجلسة التي عقدت يوم 11 تموز/يوليو 2016، وأثناء الجلسة صرّح بأن هنالك مفاوضات تجرى مع المستعمرين من أجل تعويضهم بأراضٍ آخرى، وذلك بأمر من وزير الأمن، حينها، أفيغدور ليبرمان، ما دفع المحكمة إلى منح الجيش مدة 90 يومًا إضافية.

تندرج الإجراءات الإسرائيلية الرامية إلى عزل عين الساكوت في إطار استهداف الأغوار الهادف إلى الضم والسيطرة المطلقة على الأراضي في هذه المنطقة من خلال تفريغه من سكانه الفلسطينيين وتسليمه لصالح المشروع الاستيطاني.

واليوم، وعلى الرغم من انقضاء أكثر من ثمانية أعوام على هذا الاعتداء الصارخ فإن أصحاب الاراضي المستولى عليها لا يزالون ممنوعين من فلاحة معظم أراضيهم، في الوقت الذي يواصل المستعمرون زراعتها لأن دولة الاحتلال تعتبر كل سلوك للمستعمرين وكل سيطرة لهم بمثابة سيطرة بحسن النية تقتضي أن تغير الأحكام مسارها.