02-ديسمبر-2016

صورة تعبيريّة

تقول الحكاية إن ملكًا ضاقت به الدنيا وأصابه الملل واليأس، فخرج يتمشى في الغابة وحيدًا دون حُرّاسه. وبينما هو يتمشّى مرّ بعجوز فقير يجلس على صخرة. فرمى عليه السلام، فلم يرد العجوز، فتضايق الملك، وسأل العجوز لماذا لم تردَّ التحيّة؟

أجابه العجوز ودون الكثير من المبالاة، بأنّ الإنسان أحيانًا لا ينتبه إلى الاشياء التي يراها أقلّ منه. فاستغرب الملك كلام العجوز، وسأله: هل تعرف من أنا؟ فأجاب العجوز: نعم أعرف. فقال الملك إذا كنت تعرف من أكون فكيف تظنُّ أنني أقل منك؟ عندها سأله العجوز: أنت ملك على ماذا؟ "ملكٌ على هذه البلاد"، أجاب الملك.

مؤخرًا بات الشعب ينتظر خطاب رئيسه، ليضحك. ليس في فلسطين فقط، فلبنان ومصر سبّاقتان في هذا المجال

فسأله العجوز وبعدها ستصبح ملكًا على ماذا؟ على هذه البلاد والبلاد التي حولها. وبعدها؟ على العالم كلّه. وبعدها؟ سأل العجوز. تفاجأ الملك وأجاب متلعثمًا: بعدها.. بعدها لا شيء! فقال العجوز: وأنا..لا شيء!

الحكاية أعلاه للكاتب المصري الساخر عمر طاهر، وفيها ربما توصيف للسخرية التي قد تملأ قلب الإنسان عندما يشعر بالعجز. وكيف يتحوّل القهر وقلة الحيلة إلى لامبالاة قد تصبحُ يأسًا لا مخرج منه إلا بالنكتة. والنكتة هذه المرة ستكون قادرة على جعل صاحبها يبكي ويضحك في ذات الوقت.

اقرأ/ي أيضًا: طحين الأسرى وابتساماتهم  

مؤخرًا بات الشعب ينتظر خطاب رئيسه، ليضحك. ليس في فلسطين فقط، فلبنان ومصر سبّاقتان في هذا المجال، والولايات المتحدة الأمريكية على رأس القائمة منذ اللحظة التي ألقى فيها دونالد ترامب خطابه الأول كمرشح انتخابيّ. لقد تغيرت خطابات الرؤساء ولم تعد مادة جامدة مليئة بالكلمات القانونية، السياسية أو الاقتصادية الدسمة التي لا ترجمة لها في الحياة الحقيقية التي يعيشونها. بل باتت خفيفة جدًا، ومليئة بما لا يليق بها. وأصبح حديث الرئيس للناس عبر شاشة التلفاز يشبه أي حديث يتبادله الناس في الشارع فيما بينهم بينما يشترون ويبعون بضائعهم. بل وباتت الكلمات الرئاسية والمؤتمرات والخطابات مواد جيّدة للنكات. وازدادت متابعة الناس لهذه الخطابات، ليس لأنّها مهمة وليس لأنهم يتوقعون منها أي شيء جديد، ولكن لأنها مضحكة.

في الوقت الذي يتزايد فيه استخفاف الفلسطينيين، بالسياسيين، فإن الأوضاع في البلاد تتأزم أكثر وأكثر

في الوقت الذي يتزايد فيه استخفاف الفلسطينيين، بالسياسيين، فإن الأوضاع في البلاد تتأزم أكثر وأكثر. وكلما اشتدت الأزمات الاقتصادية أو السياسية أصاب الجمهور نوبات ضحك هستيرية. وكأنّ السخرية من الرؤساء وسياستهم باتت هي الشكل الجديد للغضب الشعبي. وبات تفريغ الغضب بالضحك الممزوج بالشتائم والسُباب هو الحراك الشعبي الذي يشارك فيه الجميع.   

من الواضح أنّ تحويل كل شيء يزعجنا ونعجز عن تغييره إلى نكتة نضحك عليها، بات طريقتنا الجديدة في التعامل مع الأشياء. وكأننا هكذا نشعر بالسيطرة، ولو بالكذب، على الأشياء التي نكره سيطرتها علينا. ويصبح السؤال: كيف نرضى أن يحكمنا هؤلاء الأشخاص إذا كنّا نستخف بهم لهذه الدرجة؟ وإذا كُنّا حقًا نسخر منهم في نوبات الضحك، فكيف نسمح لهم بالسيطرة علينا والتحدث باسمنا عندما نفيق من نوبة ضحكنا؟ خاصةً وأنّ من نضحك عليهم على شاشة التلفاز هم من يتحكمون بحياتنا على أرض الواقع، وعليهم نرمي الكثير من مشاكلنا ونعتبر دائمًا أنهم يجعلون بلادنا التي نحب أبشع!

اقرأ/ي أيضًا: "طريق الثوار خضرا".. تطويع الجبال الفلسطينية

لقد تزامن اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني (29 تشرين الثاني/نوفمبر) مع أولى أيام انعقاد المؤتمر السابع لحركة فتح. وكأنّ في هذا التزامن رسالة ما. فالمؤتمر ومنذ الساعات الأولى على بدئه لم يأخذه الجمهور الفلسطينيّ على محمل الجدّ، بل تحوّل إلى مادة غنيّة بالنكات التي شاركها النشطاء والصحفيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعلقوا فيها على كل ما جاء به المؤتمر، ابتداءً بالمشاركين وكلماتهم التي لم تأت بجديد، بل بات تكرار ذات الكلمات (من ذات الأشخاص) بحدّ ذاته أمرًا مضحكًا، نظرًا للوقت الذي يمر دون أن يتغيّر شيء على أرض الواقع. مرورًا إلى مشاركة حماس في مؤتمر فتح نظرًا إلى ما تخلقه الحركتان الغريمتان من مشاكل في حياة الفلسطينيين بسبب الانقسام الذي تعيشه البلاد منذ عام 2006. وصولًا إلى الأحداث والمواقف التي شهدها المؤتمر، كالتفاعل بالتصفيق والتصفير غير اللائق داخل القاعة التي تجمع كبار الشخصيات الفلسطينية التي يفترض أن تحدد إلى أين ستتجه الأمور في البلاد.

من الواضح أنّ تحويل كل شيء يزعجنا ونعجز عن تغييره إلى نكتة نضحك عليها، بات طريقتنا الجديدة في التعامل مع الأشياء

والرسالة من هذا التزامن هي: هل الفلسطينيون جاهزون حقًّا لاستقبال التضامن العالمي، الذي يطالبون به، في بيتهم الغارق بكل هذه الفوضى؟ فإذا كنت تطالب العالم بتضامن جديّ وحقيقي معك في وجه الاحتلال الإسرائيلي فعليك أولًا أن تواجه مشاكلك الداخلية بالجديّة اللازمة، فالإنسان لا يستطيع أن يستمر بالضحك هكذا على الأشياء التي تزعجه. وإن كانت تزعجه حقًا، عليه أن يضع لها حدًّا في لحظة ما. فحتى النكتة ستفشل في علاج ما يعانيه لأنها وبعد وقت لن تعود مضحكة.

فهل نوبة الضحك على السياسيين إشارة إلى اتساع مساحة الحرية لدى الفلسطينيين؟ مساحة حرية جديدة ممهدة لمرحلة جدية من الغضب والرغبة بالتغيير التي ستأتي قريبًا؟ أم أنّ هذه النوبة هي علامة على تحول الفلسطينيين إلى اللاشيء الذي حدثنا عنه عمر طاهر في حكايته؟

 

اقرأ/ي أيضًا: 

بالصور.. طرائف جلسة الضيوف في مؤتمر فتح السابع

مؤتمر فتح السابع وفشل دحلان المستمر

صحيفة الجهاد الإسلامي تحتفي بدحلان!