06-أكتوبر-2024
إفشال مفاوضات وقف إطلاق النار.jpg

(Getty)

كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، عن وصول مفاوضات وقف إطلاق النار، وتجنب اندلاع حرب أوسع، إلى نقطة متقدمة أكثر مما نشر في وسائل الإعلام، إذ كانت تتضمن خطة لوقف إطلاق النار في غزة، لكنها فشلت نتيجة تنفيذ جيش الاحتلال عملية اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.

وكان مسؤولون من الأمم المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة قد صاغوا بيانًا يدعو إلى وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أسابيع بهدف منع نشوب صراع أوسع بين حزب الله وإسرائيل، وتقاسموه مع الجانبين للنظر فيه، قبيل أيام من اغتيال.

كشفت مقابلات مع تسعة مسؤولين على دراية مباشرة بالمحادثات أن التقدم نحو وقف إطلاق النار كان أبعد مما كان معروفًا في السابق، لكنه توقف عندما اغتالت إسرائيل نصر الله

وقال مبعوث البيت الأبيض عاموس هوكشتاين لمسؤولين من الأمم المتحدة ولبنان إن إسرائيل مستعدة للموافقة على البيان، وذلك وفقًا لأربعة دبلوماسيين غربيين وثلاثة مسؤولين لبنانيين شاركوا في المحادثات أو اطلعوا عليها. 

وقال المسؤولون إن أمين عام حزب الله حسن نصر الله أرسل أيضًا رسالة عبر وسيط مفادها أن الحزب يدعم الدعوة إلى وقف إطلاق النار.

لذا في 25 أيلول/سبتمبر، وبينما كان زعماء العالم يجتمعون في نيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة، أعلن الرئيس الأميركي بايدن والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن الخطة وأصدرا البيان، متوقعين أن تتبناها الأطراف علنًا.

ولكن بعد يومين، وقبل أن يتمكن الدبلوماسيون من وضع اقتراح مفصل لوقف إطلاق النار، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة أن إسرائيل يجب أن "تهزم حزب الله في لبنان". وبعد فترة وجيزة، سقطت قنابل ضخمة على الضاحية الجنوبية لبيروت، مما أسفر عن استشهاد نصر الله و"إخماد أي احتمال فوري لوقف إطلاق النار".

وأوضحت "الآن تشتعل الحرب الموسعة في لبنان، والتي كان المسؤولون يعملون على منعها، وتهدد بإشعال حريق إقليمي أوسع نطاقًا".

وكشفت مقابلات مع تسعة مسؤولين على دراية مباشرة بالمحادثات أن التقدم نحو وقف إطلاق النار كان أبعد مما كان معروفًا في السابق، لكنه توقف عندما اغتالت إسرائيل نصر الله.

وفي مقابلة، اتهم وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب إسرائيل بإخماد احتمال التوصل إلى اتفاق. وقال عن الإسرائيليين "إنهم لا يريدون السلام، بل يريدون مواصلة القتال".

وقال مسؤولون إسرائيليون إنهم "يسعون إلى دفع حزب الله بعيدًا عن الحدود حتى يتمكن أكثر من 60 ألف نازح إسرائيلي من العودة إلى ديارهم، وهم يشكون في أن وقف إطلاق النار وحده يمكن أن يحقق هذا الهدف"، وفق وصفهم.

وقال مسؤول إسرائيلي كبير، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة الدبلوماسية الحساسة، إن "إسرائيل انخرطت في محادثات أولية بشأن وقف محتمل لإطلاق النار، لكنها لم تتوقع التوصل إلى هدنة خلال زيارة نتنياهو إلى نيويورك".

وفي محاولة لوقف الحرب وتجنب غزو بري إسرائيلي، بدأ مسؤولون من الأمم المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة ما وصفه أحد المسؤولين بأنه "جهد ضخم" للتفاوض على وقف مؤقت لإطلاق النار.

وأجرى كبار المسؤولين من البيت الأبيض وإسرائيل محادثة أولية في 23 أيلول/سبتمبر. ثم تولى هوكشتاين، وهو مسؤول كبير في البيت الأبيض ساعد في التوسط في اتفاقية الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في عام 2022، زمام المبادرة، وأخبر المسؤولين اللبنانيين أنه إذا تمكنوا من تأمين موافقة حزب الله، فإنه سيفعل الشيء نفسه مع إسرائيل، وفقًا لمسؤول لبناني ودبلوماسي مقيم في بيروت ومسؤول أميركي كبير.

وتضمنت الخطة وقف إطلاق النار لمدة 21 يومًا للسماح بجهود دبلوماسية تهدف إلى التوصل إلى هدنة طويلة الأمد. وبموجب الخطة، يتعين على حزب الله نقل مقاتليه وأسلحته إلى خارج منطقة الحدود، وهو مطلب إسرائيلي رئيسي.

وكان نصر الله قد أكد مرارًا وتكرارًا أن حزب الله لن يتوقف عن إطلاق النار على إسرائيل إلا حين تتوقف إسرائيل عن مهاجمة غزة. وعلى هذا فقد تضمن الاقتراح أيضًا وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. وقال مسؤولون مشاركون في المحادثات إن هذا كان من شأنه أن يسهل على نصر الله قبوله.

كان هوكشتاين يتعامل مع مكتب نتنياهو في إسرائيل. وعلى الجانب اللبناني، كان يتعامل مع نبيه بري، رئيس مجلس النواب. وبحلول الخامس والعشرين من أيلول/سبتمبر، بدا الأمر كما لو أن الجهود الدبلوماسية بدأت تؤتي ثمارها.

وفي ذلك اليوم، استعرض المسؤولون في مكتب نتنياهو الاقتراح وأثاروا بعض المخاوف، لكن هوكشتاين أبلغ مسؤولين من الأمم المتحدة ومسؤولين لبنانيين في بيروت أن إسرائيل وافقت من حيث المبدأ على العمل نحو وقف إطلاق النار، مما أدى إلى تأجيج الأمل في إمكانية التوصل إلى اتفاق، وفقًا لعدة دبلوماسيين. ولكن حتى مع إعطاء إسرائيل هذه الإشارات، كانت بالفعل تخطط لاغتيال نصر الله.

وفي نفس اليوم، التقى رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي ووزير الخارجية بو حبيب في أحد الفنادق مع هوكشتاين ووزير الخارجية أنتوني بلينكن. وقال بو حبيب في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز"، إن المناقشة ركزت على الخطوات التالية، لأن الأطراف أبدت استعدادها للمضي قدمًا.

وقال "ذهبت إلى اجتماع مع الأميركيين على أساس أن الجميع على استعداد للمشاركة، إسرائيل وحزب الله. كنا جميعا متفائلين، لأن حزب الله وإسرائيل كانا على استعداد للمشاركة".

وفي ذلك المساء، أبلغ  بري رئيس الوزراء ميقاتي عبر الهاتف من بيروت أن حزب الله وافق على صياغة مقترح وقف إطلاق النار. وقال مسؤولان لبنانيان ودبلوماسيان غربيان إن بري أبلغ هوكشتاين أيضًا. وفي تلك الليلة، أعلن بايدن وماكرون عن الاقتراح، الذي أيدته دول غربية وعربية أخرى.

وقال بايدن "لقد حان الوقت للتوصل إلى تسوية على الحدود بين إسرائيل ولبنان تضمن السلامة والأمن لتمكين المدنيين من العودة إلى ديارهم. إن تبادل إطلاق النار منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وخاصة خلال الأسبوعين الماضيين، يهدد باندلاع صراع أوسع نطاقًا، وإلحاق الضرر بالمدنيين".

وفي كلمة ألقاها في الأمم المتحدة في اليوم التالي، 26 أيلول/سبتمبر، أكد ميقاتي دعم لبنان للمبادرة، لأنه علم أن حزب الله وافق عليها.

وفي ذلك الصباح، أبدى بعض المسؤولين الإسرائيليين معارضتهم لأي فكرة لوقف إطلاق النار، وقال مسؤولون أميركيون إنهم كانوا ينتظرون بفارغ الصبر أن يصدر نتنياهو تأييدًا علنيًا للاقتراح. وظل المسؤولون الأميركيون والفرنسيون يطمئنون نظراءهم اللبنانيين بأن التأييد سوف يأتي.

ولم ير الأميركيون إلا في تلك الليلة تصريحًا من نتنياهو يقول فيه: "إن إسرائيل تتشاطر أهداف المبادرة التي تقودها الولايات المتحدة". بعد سلسلة من التسريبات الإسرائيلية عن رفض الاقتراح.

وقال مسؤول أميركي إن المشاركين في المحادثات يأملون أن يتمكنوا من الإسراع في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في اليوم التالي، 27 أيلول/سبتمبر. وتوقع بعض المسؤولين الأميركيين إشارات أخرى لدعم وقف إطلاق النار من جانب نتنياهو في خطابه في ذلك اليوم في الأمم المتحدة.

ولكن في خطابه، استخدم نتنياهو لهجة صارمة، فلم يذكر وقف إطلاق النار المقترح وتعهد بأن تواصل إسرائيل القتال. وقال المسؤولون الأميركيون والفرنسيون الذين كانوا يتوقعون منه أن يعلن دعمه للمبادرة الدبلوماسية إنهم شعروا بالصدمة. وبعد فترة وجيزة، نفذت مقاتلات إسرائيلية قصفًا جنوب بيروت، مما أدى إلى اغتيال حسن نصر الله.

وقال العديد من المسؤولين المشاركين في المحادثات إنهم "لا يعرفون لماذا قتلت إسرائيل فجأة احتمال وقف إطلاق النار. وقد خمنوا أن نتنياهو واجه ضغوطًا من أعضاء متشددين في حكومته، أو أن إسرائيل كانت لديها فرصة نادرة لاغتيال نصر الله واعتبرتها فرصة جيدة للغاية ولا ينبغي لها أن تفوتها. أو أن إسرائيل لم تكن صادقة في المحادثات الخاصة مع الحلفاء الأميركيين".