تناولت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، في افتتاحية يوم الأربعاء، منع الجيش الإسرائيلي دخول الطواقم الصحفية إلى قطاع غزة، بعد أيام من نشرها لمادة تكشف عن المعيقات التي يضعها الجيش الإسرائيلي على وصول الصحفيين إلى قطاع غزة، في ظل الحرب الإسرائيلية.
كشفت الصحفية الإسرائيلية عن تجارب الطواقم الصحفية الأجنبية في تغطية حرب غزة، ومنع دخول الطواقم للقطاع
وقالت "هآرتس": "بعد مرور 11 شهرًا على بدء الحرب، يمكن القول إن الظروف التي بررت بها إسرائيل منع وصول وسائل الإعلام إلى قطاع غزة لم تعد صالحة، ويجب الآن السماح للصحفيين الأجانب بالدخول حتى يتمكنوا من تغطية الحرب بشكل صحيح. إن سيطرة إسرائيل على مداخل قطاع غزة - والتي أصبحت أكثر إحكامًا منذ احتلال رفح - تحول القطاع إلى مكان لا يمكن لصحفي أجنبي أن يطأه دون إذن الدولة. إن الحظر الشامل على دخول الصحفيين الأجانب دون مرافقة من الجيش الإسرائيلي يضر بشكل كبير بالقدرة على التغطية بشكل مستقل، وبحق الجمهور في إسرائيل والعالم في معرفة ما يحدث في قطاع غزة".
وأضافت الصحيفة الإسرائيلية: "دور الصحفي هو أن يكون في الميدان، وأن يتحدث إلى الجمهور مباشرة وليس فقط من خلال المتحدثين الرسميين، وأن يشعر بالأجواء ويبلغ عما يحدث. ومن المستحيل مقارنة التغطية المباشرة من الميدان بالتقارير التي يقدمها طرف ثالث، أو بالمقابلات الهاتفية وتحليل الأحداث بمساعدة مقاطع الفيديو أو الصور الفوتوغرافية. عندما تمنع إسرائيل الصحفيين من دخول القطاع، فهي لا تمنعهم من الإبلاغ عن فظائع القتال فحسب، بل تمنعهم أيضًا من التحقق من ’ادعاءات حماس في الوقت الحقيقي’. عندما تمنع إسرائيل الصحفيين الأجانب من تغطية ما يحدث في غزة، علينا أن نسأل: ما الذي تخفيه؟ لماذا تمنع الطواقم الصحفية من الدخول هناك؟".
وأوضحت: "نتيجة حرمان الصحفيين الأجانب من هذه القدرة، تقع مهمة التغطية الصعبة على عاتق الصحفيين الفلسطينيين، الذين يعانون هم أنفسهم من الحرب وظروفها القاسية. بحسب لجنة حماية الصحفيين، قُتل 111 إعلاميًا وصحفيًا فلسطينيًا خلال الحرب، مما يجعل الحاجة إلى دخول المزيد من الصحفيين إلى القطاع أكثر إلحاحا.في أوقات الحرب، من المهم جدًا الاستعانة بالصحفيين الذين ليسوا أطرافًا في النزاع: الأشخاص الذين يمكنهم تغطية ما يحدث دون خوف من تعرضهم لضغوط مجتمعهم أو حكومتهم. في حرب اليوم على وجه التحديد، في الأوقات التي قد تثير فيها أي صورة الشكوك حول أنها تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، أصبح دور الصحفي في الميدان أكثر أهمية من أي وقت مضى".
وختمت بالقول: "لا صحة لادعاء الجيش بأن دخول الصحفيين مع قواته يشكل بديلًا مناسبًا للصحفيين الذين يعملون تحت سلطته. لا يوجد في الواقع بديل للدخول المستقل، حيث يُسمح للصحفيين بالتحدث بحرية مع السكان المحليين والسفر إلى المناطق التي تهم الجمهور ووسائل الإعلام. يجب ألا نقبل الوضع الذي يملي فيه الجيش التغطية على الصحفيين. يجب على إسرائيل أن تسمح للصحفيين بدخول قطاع غزة حتى يتمكن الجميع من فهم ما يحدث هناك بشكل أفضل، وحتى يتسنى تبديد ضباب الحرب ولو قليلًا".
وأشار تقرير لصحيفة "هآرتس"، إلى تجارب عدد من الصحفيين ومنع دخولهم إلى قطاع غزة، وما وصفته بـ"تغطية الحرب دون أن يكون فيها".
وحول ذلك، قال مراسل صحيفة "الغارديان" للشؤون الدولية بيتر بومونت: "يبدو الأمر أحيانًا مثل محاولة مسح من الفضاء الخارجي، لأنك تنظر إلى صور الأقمار الصناعية وبيانات الموقع وتحاول استخلاص استنتاجات حول مكان بعيد جدًا".
وأكدت الصحيفة على أن "الطريقة الوحيدة للدخول إلى قطاع غزة، هي برفقة متحدثين باسم الجيش الإسرائيلي ويتم فحص المواد التي يخرجونها من هناك".
وأشار بعض الصحفيين إلى أن "التنظيم الإسرائيلي والخبرة الواسعة في العمل مع وسائل الإعلام هي التي تجعل قدرتها على تقييد الصحفيين فعالة بشكل خاص".
يقول ماثيو كيسيل، وهو صحفي مستقل قام بتغطية العديد من مناطق القتال في الماضي: "لا أستطيع أن أفكر في صراع آخر في السنوات الأخيرة، حيث لم يكن من الممكن للصحفيين الأجانب التغطية على الإطلاق، مثل الحرب في غزة".
وبعد التماس للمحكمة الإسرائيلية العليا، ضد منع دخول الصحافة الأجنبية إلى القطاع، انحازت محكمة العدل العليا إلى جانب دولة الاحتلال، ورفضت الالتماس في كانون الثاني/يناير، وكتبت القاضية روث رونان في حكمها أن "إسرائيل لا تستبعد بشكل كامل دخول الصحفيين إلى القطاع، وأنها تسمح بالدخول إلى المناطق المحظورة برفقة".
وتشير الصحيفة، إلى أن هذا النموذج يطلق عليه "الصحافة المحتضنة"، وهو النموذج الذي يُعزى تطوره إلى المؤسسة العسكرية الأميركية، وهو نتاج الرغبة في السيطرة بشكل أفضل على الصحافة الناقدة في نهاية حرب فيتنام، والتي تحولت إلى مشروع حقيقي أثناء غزو العراق.
وتوضح الباحثة في الاتصال السياسي في جامعتي كامبريدج وسيتي في لندن أيالا بانيفسكي: "جاءت هذه الفكرة عندما كانت لدى المؤسسة الأميركية رغبة صادقة في السماح للصحفيين بالدخول، ولكن للقيام بذلك في ظل ظروف وفي بيئة من شأنها أن تنتج أكبر قدر ممكن من التغطية الإيجابية للقتال والمقاتلين"، موضحةً: "دراسات الحروب السابقة أظهرت بالفعل أن الصحافة المحتضنة، تجعل تغطية القوات المقاتلة أكثر إيجابية. هناك باحثون يعتبرون هذا أسلوبًا أكثر تطورًا لإنتاج الرقابة أثناء الحرب".
وتشمل النسخة الإسرائيلية من النموذج دخول الصحفيين إلى القطاع بدعوة من وحدة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، بشرط توقيعهم على تعهد بتسليم المواد المكتوبة لموافقة الرقابة، وتقديم المواد المرئية فور خروجهم من القطاع للتفتيش من قبل الرقابة في وحدة أمن المعلومات في الجيش الإسرائيلي، والتي قد تحذف أو تحجب بعض المواد. حتى أن التوقيع يسمح للجيش بفرض حظر على نشر بعض المواد. وعلى أية حال، ليس كل صحفي مدعوًا إلى هذه الجولات.
قال مراسل صحيفة "الغارديان" للشؤون الدولية بيتر بومونت: "يبدو الأمر أحيانًا مثل محاولة مسح من الفضاء الخارجي، لأنك تنظر إلى صور الأقمار الصناعية وبيانات الموقع وتحاول استخلاص استنتاجات حول مكان بعيد جدًا"
وأوضحت "هآرتس": "يعتقد العديد من الصحفيين أن الدخول برفقة ممثلين عن الجيش أفضل من لا شيء، ولكن طوال الحرب كانت هناك وسائل إعلام أجنبية رفضت التوقيع على تعهد للجيش الإسرائيلي، واختارت عدم الدخول على الإطلاق". وأشار صحفي إلى أن "طريقة الدخول، يتم فيها استيعابك في الجيش. أنت ترى الأمور من وجهة نظرهم، وهم يقررون من يمكنك التحدث إليه ومن لا يمكنك التحدث إليه. لا يُسمح لك بالتحدث إلى السكان المحليين. هذه ليست الطريقة لتغطية الحرب بطريقة عادلة ودقيقة وصحفية".
وتابعت "هآرتس": "حتى من بين أولئك الذين انضموا في نهاية المطاف إلى الجولات التي يرعاها الجيش الإسرائيلي، أعرب البعض عن انتقاداتهم، على سبيل المثال، لأن عمليات الدخول إلى قطاع غزة عادة ما تكون قصيرة جدًا، وتدوم بضع ساعات فقط، وهذا على النقيض من الجيش الأميركي، الذي كان على مر السنين يسمح للطواقم الصحفية بالبقاء لمدة أسبوع أو أسبوعين إلى جانب القوات المقاتلة؛ مما يجعل التجربة حتمًا أقل تحكمًا وتوجيهًا". وتقول الباحثة بانيفسكي: "إنها طريقة للتأكد من أن تعاطف الصحفيين في الجانب الصحيح. فعندما تدخل مع القوات وتجلس في الدبابة، فمن الطبيعي أن تبدو التغطية مختلفة".