12-مايو-2024

جنود في جيش الاحتلال الإسرائيلي - getty

"دخل أحدهم منزلاً في كيبوتس ثم سُمع صوت إطلاق نار، وانتحر آخر في سيارته وكان هناك أيضًا جندي فجّر قنبلة يدوية"، كانت هذه حوادث تضمّنها تحقيق نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية، وكشفت فيه عن انتحار 10 ضبّاط وجنود منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وبعضهم في اليوم الأول من "طوفان الأقصى"، وذلك بعد سقوط المواقع العسكرية والمستوطنات على يد مقاتلي النخبة في كتائب القسام.

هآرتس: معطيات للجيش تفيد أنه منذ بداية الحرب وحتى 11 أيار/ مايو الجاري، وضع 10 جنود وضباط حدًا لحياتهم، وهذه القائمة لا تضم الجنود الذين سُرّحوا من الخدمة العسكرية وانتحروا في أعقاب تأثرهم بالحرب

وتكشف الأحاديث مع أقارب الجنود والضباط المنتحرين أن ما رأوه في مستوطنات غلاف غزة أدى لتحطيم نفسياتهم، فيما يعجز الجيش حتى الآن عن التعاطي مع هذه الظاهرة، وذلك رغم مرور 8 أشهر على السابع من أكتوبر.

وأكدت "هآرتس" أن بعض حالات الانتحار التي سُجّلت في صفوف الجيش وقعت في الساعات الأولى من السابع من أكتوبر أو في الأيام التي تلته مباشرة، ومشاهد أخرى وقعت بالتوازي مع الحرب على غزة.

واستعرضت الصحيفة وقائع إحدى حالات الانتحار، بالقول إن الجنود سمعوا دوي إطلاق رصاص من بيت في إحدى المستوطنات في غلاف غزة، وعلى الفور ظنّوا وجود عناصر من النخبة في المكان، لكنّهم عثروا على أحد الجنود مقتولًا بعد أن أطلق النار على نفسه، لكن ظروف مقتله ظلّت مجهولة للجنود في حينه، فالرقابة العسكرية على وسائل الإعلام الإسرائيلية منعت الكشف عن الأمر، وبعد عدة أسابيع، تم الكشف عن حقيقة أن الجندي القتيل وضع حدًا لحياته.

وطبقًا للصحيفة فإن الجندي المذكور ليس حالة الانتحار الوحيدة التي سُجلت لجندي أثناء الخدمة وهو يرتدي الزي العسكري في الأيام الأولى من الحرب، وحتى قبل الاجتياح البري لقطاع غزة، وإنما شهدت تلك الفترة عدة حالات انتحار لجنود وضباط، بينما كانت المعارك في ذروتها في عمق غلاف غزة مع قوات النخبة.

وقال يوسي ليفي بلوز رئيس مركز أبحاث الانتحار والألم النفسي في المركز الأكاديمي روبين: "هذه الحوادث كانت مفاجئة جدًا، فحالات الانتحار لم تقع بشكل عام خلال الأعمال الحربية، وإنما بمجرد انتهاء المعارك، خاصة في صفوف من يعانون من آثار ما بعد الصدمة، لكن هذه الحالات تشير إلى مدى وعمق تأثيرها عليهم.

وبخلاف حالات الانتحار في صفوف جنود الاحتلال وضباطه في السابق حيث كان غالبية حالات الانتحار في صفوف الجنود الجدد ومن الخدمة الاحتياطية الإلزامية ولكن السابع من أكتوبر كان له تأثير استثنائي، ووجد الجيش الإسرائيلي نفسه يتعامل أيضًا مع حالات انتحار في أوساط جنود وضباط الخدمة الدائمة، وفي خدمة الاحتياط، وفي الثلاثينيات والأربعينيات من أعمارهم.

ضباط في جيش الاحتلال يفسّرون انخفاض حالات الانتحار في صفوف الجيش مقارنة بالسنوات السابقة، بارتفاع نسبة الإسرائيليين الذين يحصلون على إعفاء من التجنيد لأسباب نفسية 

ورغم مزاعم الجيش بأنه لم يتمكن من إيجاد علاقة بين حالات الانتحار والمشاهد التي تعرضوا لها في منطقة غلاف غزة، تزعم الصحيفة أن المحادثات التي أجرتها مع عائلات وأصدقاء الجنود والضباط المنتحرين، تفيد بأن عددًا من هؤلاء العسكريين الذين اختاروا وضع حد لحياتهم عانوا من صدمات نفسية.

وقالت الصحيفة، إنه سواء انتحر الجنود أثناء الخدمة العسكرية وهم يرتدون زيهم العسكري، أو بعد تسريحهم فإن الجيش الإسرائيلي يُقر بإخفاقه في تقديم الدعم النفسي لجنوده وضباطه، على الرغم من أن منظومة الدعم النفسي قد شهدت تغييرات كثيرة أثناء الحرب الحالية.

وبينت هآرتس أن الجيش الإسرائيلي يتكتم على جزء من حالات الانتحار، بالقول إنه وحتى يوم أمس السبت، وصل عدد الجنود الإسرائيليين القتلى منذ بداية الحرب الذين أعلن الجيش الإسرائيلي رسميًا عن مقتلهم 620 جنديًا، لكن هذا ليس العدد الموجود في قوائم الجيش الإسرائيلي، والذي يصل إلى 637 لكن ضمن القائمة جنود تم الإشارة الى أن سبب الوفاة هو حوادث طرق.

ثمّة "سياسة تكتّم" حول أعداد الجنود المنتحرين، والبعض يتم الإعلان عن مقتلهم بسبب "حوادث" أثناء استخدام الأسلحة وليس انتحار، بسبب رغبة عائلاتهم 

وتستنتج الصحيفة من تحليل معلومات حصلت عليها بشكل حصري أن "سياسة التكتم" بخصوص أعداد الجنود المنتحرين ليس سلوكًا مستجدًا عند الجيش الإسرائيلي، إذ تكشف معطيات أكثر شمولية عن أنه منذ عام 1973، ووفقًا لمعطيات الجيش، انتحر 1277 جنديًا، فيما يزعم الجيش عدم وجود معطيات لديه حول حالات الانتحار ما قبل ذاك العام. وعلى مدار سنوات، صنّف الجيش العديد من حالات الموت "حوادث" أثناء استخدام الأسلحة وليست انتحارًا، وفي أحيان كثيرة تم ذلك استجابة لطلب عائلات الجنود المنتحرين.

وأشارت الصحيفة إلى أنه في السنوات الأخيرة سجلت حالات الانتحار في صفوف جنود الجيش انخفاضًا، وبلغ متوسط عدد الجنود المنتحرين في عقد التسعينيات 36 جنديًا، فيما وصل العدد في العقد الأخير إلى 13، ويرجع الجيش ذلك إلى زيادة أعداد ضباط الصحة النفسية، وتقليص عدد الجنود الذين يتوجهون إلى منازلهم وهم يحملون سلاحهم معهم. لكن ضباطًا ممن اطلعوا على هذه الملف فسّروا الانخفاض في حالات الانتحار بارتفاع نسبة الإسرائيليين الذين يحصلون على إعفاء من التجنيد لأسباب نفسية.