25-فبراير-2017

كنت أتعجب لكثرة صلاته! إذ كان لا يُرى إلا قائمًا يصلي ليل نهار، وكان يصوم يومًا ويُفطر يومًا. لكن هذه ليست وحدها أهم ما في سيرته، فهو رفيق الشهداء، والأمين على أسرارهم، وهو الذهب العتيق الذي لا يصدأ، حتى بعد أن أكل الأسر من عمره الستيني أكثر من 15 عامًا، قضى أصعبها في جولات التحقيق القاسية، وخرج منها دائمًا دون أن يُهزم، أو يضعف.

اعتقل الشيخ فلاح ندى "أبو الطاهر" أول مرةٍ في مطلع التسعينات، وحال تعطل حافلةٍ إسرائيلية كانت تقله دون إبعاده إلى مرج الزهور جنوب لبنان، نهاية العام 1992. رافق الشهداء محيي الدين الشريف، والشقيقين عادل وعماد عوض الله، والأسرى إبراهيم حامد ومحمد عرمان وعبد الله البرغوثي، فكان لهم خير معينٍ وحفيظٍ ومساند.

كسر المحققون إحدى خصيتي الشيخ فلاح ندى خلال التحقيق، فقال لهم إنه أنجب من الأبناء ما يكفيه

خلال اعتقالي الأخير في سجن "عوفر"، كان لي شرف التعرف أكثر على هذا الشيخ، سألته "كم ركعةً تصلي في اليوم يا أبا الطاهر؟" أجابني: "بعدد سنوات عمري، هذا ما اعتدت عليه منذ سنوات". كانت المسبحة الطويلة لا تفارق أنامله، سألته "كم مرة تذكر الله في يومك؟" قال: "أكثر من 10 آلاف مرة".

اقرأ/ي أيضًا: العيّاش في حارتنا..

حدثني "أبو الطاهر" عن فترة مطادرته التي استمرت 7 سنوات بتمامها، وكيف أفلت من إحدى محاولات اعتقاله من منزله، عندما اختبأ أسفل الطاولة، وكان يشاهد "بساطير" الجنود وهي تتحرك! وكيف نجا من محاولة اغتيالٍ عندما أطلق جنود الاحتلال الرصاص عليه، وهو في مسجد الإمام علي بن أبي طالب في مدينة البيرة، فمرت الرصاصات من فوق رأسه، وسمع أزيزها. قال لي إنه طوال فترة مطاردته كان يردد: "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء". كان يعيها حرفًا حرفًا، وواثقًا بمعية الله وحفظه.

تعرض "أبو الطاهر" لتحقيقٍ عسكريٍ عنيفٍ بعد اعتقاله عام 2003. كسر المحققون خلاله إحدى خصيتيه، فأجابهم بأن الله رزقه بالذرية ما يكفيه، ولم يعد يرغب بالإنجاب. حينها بقي في الزنازين الانفرادية أكثر من 70 يومًا، ومازالت آثار التعذيب باديةً على جسمه حتى اليوم.

وأمام عصيانه على الكسر، اعتقل المحققون زوجته وهددوه بتعذيبها إن لم يعترف، إلا أنه ظل صامتًا حافظًا لأسرار إخوانه. سألني "أبو الطاهر": "هل تعرف كيف ظلت أم الطاهر صامتة هي الأخرى؟" قلت: وما أدراني! قال: "كنت قد قلت لها في وقت سابق إذا تحدثتِ بأي كلمةٍ سأتزوج عليكِ!"

كان المحققون يصفونه بأنه "كنزٌ دفين"، فقد عاصر ورافق كبار قادة كتائب القسام إبان فترة العمليات الاستشهادية، لكنهم فشلوا دائمًا في استخراج هذه الكنز من بئر "أبو الطاهر".

أعادت قوات الاحتلال اعتقال "أبو الطاهر"، بتاريخ 16 كانون الثاني/يناير الماضي، وأودعته مجددًا في الاعتقال الإداري الذي كان قد تحرر منه قبل سنوات.

اقرأ/ي أيضًا: 

نادر العفوري.. الجنون حين يُصبح خلاصًا

كريم يونس.. وما تبقّى من أمل

طحين الأسرى وابتساماتهم