18-ديسمبر-2016

كما لفصل الشتاء ملابسه الخاصة، فإن له أيضًا أكلاته التي تزود أجسامنا بالطاقة اللازمة وتساهم في تخزين الحرارة التي يزداد طلب الجسم لها في هذا الفصل من العام.

بعض الأكلات الشعبية الشتوية لا زالت تحافظ على مكانتها، لا بل أصبحت تواكب روح العصر وتنافس صيحات الأطباق العالمية، وبعضها الآخر اندثر ذكرها ومذاقها على مر السنوات، حتى غابت تمامًا عن المائدة الفلسطينية.

الرشوف والمشلوطة أكلتان شعبيتان اتصلتا قديمًا بفصل الشتاء لكنهما تغيبان اليوم عن المائدة الفلسطينية الشتوية

ربة البيت السيدة أم عماد عطية (58 عاما) تحدثت لـ "ألترا فلسطين" عن أبرز تلك الأكلات التي اندثرت فتقول: "هناك أكلة شتوية بامتياز تسمى الرشوف، وتتكون من شوربة تحوي العديد من أنواع البقوليات كالقمح والعدس والحمص والبازيلاء وغيرها، يضاف إليها السمن البلدي، فتسكب هذه الشوربة إلى طبق كبير يحتوي على خبزٍ مقطعٍ لأجزاء صغيرةٍ يدعى الفتيت، ويترك قليلاً حتى تمتص قطع الخبز المرق، ثم تقدم مع البصل والزيتون وغيرها من المقبلات".

اقرأ/أيضًا: رحلة شتوية في تراث فلسطين

ولم تعد هذه الأكلة حاضرة اليوم على المائدة الشعبية ربما لدسامتها، وما تسببه من شعور بالضيق بعد التشبع منها، كما تقول أم عماد.

ومن الأكلات الشتوية أيضًا أكلة تتكون من اللبن الجميد المغلي وقطع الخبز. ويرش على وجه الطبق قطع البصل المقلي بزيت الزيتون وتدعى بالمشلّوطة، إلا أنها تعاني الآن من التهميش، نظرًا لمنافسة أطباق أخرى لها في هذا الفصل.

مشلوطة

ولعل أشهر أكلةٍ شتويةٍ لا زالت تحتفظ بحصة الأسد من أكلات هذا الفصل هي شوربة العدس، فلا يكاد بيتٌ فلسطينيٌ يخلو من العدس في الشتاء عملاً بالمثل الشعبي القائل: "في شهر الميلاد رد العدس للأولاد"، ويعني الإكثار من تقديم العدس المطبوخ للعائلة في فترة أعياد الميلاد.

شوربة عدس

ومع بدء اخضرار الأرض تمهيدًا لدخول فصل الربيع، يكثر الطلب على أكلةٍ شعبيةٍ شهيرةٍ تسمى الكريشة، وتتكون أساسًا من الأرز والأعشاب المفرومة، حيث تكون على شكل طبقاتٍ من الأرز والأعشاب، وتطبخ عادةً في أفران الحطب لإعطائها المذاق الشهي المطلوب، ويقدم معها اللبن الرائب، حسب أم عماد.

أما كبيرة الطهاة في أحد مطاعم بيت لحم نيلي سليمان فتقول لـ"ألترا فلسطين"، إن المطبخ الفلسطيني واسعٌ جدًا، وتختلف طلبات الزبائن حسب رغباتهم، خاصة في فصل الشتاء، فهناك المنسف والشيشبرك واللبن، وهي وجباتٌ ساخنةٌ تفيد في إكساب الجسم الدفئ والحرارة المطلوبين.

كما يزيد الطلب في فصل الشتاء على أكلاتٍ أخرى مثل الملفوف والفاصولياء البلدية والبيضاء، ويخنة الكوسا، وشوربة العدس.

فاصوليا

وتحدثت نيلي عن طريقة تحضير الأكلة الأهم على مستوى فلسطين وهي المنسف قائلةً: "يتم تحضير اللبن الجاف المعروف بالجميد بعد نقعه في الماء الفاتر، ثم يضرب في الخلاط، ثم توضع اللحمة الطازجة، ويفضل أن تكون لحمة خروف على النار، يضاف إليها تشكيلة من البهارات لتكسبها الطعم والنكهة المميزة".

وأشارت إلى أن السيدات في الماضي كُنّ يذبن اللبن الجميد عن طريق إناءٍ فخاريٍ كبيرٍ بتحريك قطع اللبن بالماء فيه حتى يذوب تماما. وتسمى هذه العملية شعبيا بـ"المريس".

منسف

 

ويجب أن تطبخ قطع اللحم جيدًا قبل أن يضاف إليها اللبن الفاتر، ثم يطبخ أرزٌ أبيضٌ خالٍ من أي بهارات، ويوضع الخبز في أسفل الطبق أو ما يعرف بـ"الشراك"، ثم يضاف الأرز وتصف قطع اللحم بعد إخراجها من اللبن فوق الأرز، ويزين الطبق بالصنوبر واللوز المحمص ورشةٍ بسيطةٍ من البقدونس، ويقدم إلى جانبه وعاءٌ من اللبن الساخن.

ومن الأكلات الشعبية الخاصة بفصل الشتاء أيضًا "الرشتة" أو "رقاق وعدس". وتتكون من العدس البلدي المسلوق على النار لمدة نصف ساعة، ثم يرق العجين حتى يصبح صفيحةً كبيرةً، ويقطع بالسكين إلى شرائح طويلة بسمك 5 ملم، فيسمى "الرقاق".

ويُمكن أن تُؤكل هذه الأكلة مع اللبن أو بدون لبن، وبعد استواء العدس يضاف إليه الرقاق، ثم يضاف إليه البصل المقلي بزيت الزيتون، ويترك على نار هادئة لمدة 10 دقائق، ويقدم مع الزيتون والبصل الأخضر والفجل.

الرشتة

وعن أغلب طلبات الزبائن في الشتاء، قالت نيلي سلمان، إن هناك من يحب تناول أكلاتٍ شعبيةٍ معروفة في التراث الفلسطيني مثل قلاية البندورة مع الفلفل الحار، أو الأكلات العشبية كالخبيزة واللفيّتة والسبانخ والسلق.

قلاية بندورة

أخصائي التغذية كفاح القواسمي، قال لـ "ألترا فلسطين" إن تناول الطعام في الشتاء يعزز مناعة الجسم ويعطيه الطاقة اللازمة، مبينًا أنه يجب اختيار الأطعمة بعنايةٍ لتحقيق هذين الأمرين. فمن الفواكه التي تعزز مناعة الجسم ضد نزلات البرد والإنفلونزا الموسمية الشتوية الحمضيات، لاحتوائها على فيتامين (سي)، ويفضل أن يتناول الشخص حصة واحدة على الأقل يوميا.

حمضيات

أما أبرز الأطعمة التي تعزز مناعة الجسم في الشتاء فهي، زيت الزيتون والشوربات التي تحتوي على الخضروات، التي تعطي الجسم الطاقة اللازمة. كما يجب تناول الدبس المستخلص من العنب على وجه التحديد لمزيدٍ من الطاقة والدفئ للجسم خلال الشتاء، نتيجة احتوائه على العديد من الفيتامينات والمعادن، والسكريات الأحادية البسيطة، والفسفور والزنك.

تحمي الحمضيات من نزلات البرد، أما الكستناء فتمنع الإمساك والغازات، فيما تقيكم البطاطا الحلوة المشوية من زيادة الوزن

دبس

ويضيف القواسمي أن البطاطا الحلوة لها أهميةٌ كبرى في فصل الشتاء، فهي مفيدةٌ للحفاظ على الوزن وتزويد الجسم بالطاقة اللازمة، فلا يجب الخروج من فصل الشتاء بوزن زائد نتيجة الإكثار من تناول النشويات.

بطاطا مشوية

وتفقد البطاطا الحلوة قيمتها الغذائية عند طبخها أو قليها، وتزداد سعراتها الحرارية، فيجب شويها على النار مباشرة. ويشير القواسمي هنا إلى أن طريقة إعداد الأطعمة تنعكس على قيمتها الغذائية والفائدة المرجوة من تناولها. فمثلاً يُفضل تناول الكستناء في هذا الفصل لفعاليتها في منع الإمساك والتخلص من غازات البطن، واحتوائها على العديد من المعادن.

كستناء

ومقابل هذه الأكلات وفوائدها للجسم، تتربع أكلة "المقلوبة الفلسطينية" على رأس الهرم، متقدمةً على الملفوف والمجدرة وورق العنب، كأكلةٍ صالحةٍ لكل فصول السنة. ولا داعي لذكر مقاديرها وكيفية تحضيرها، لأن المعروف لا يعرف، فمشهد تصاعد البخار من تلك الأكلة وهي تسكب في إناء بالحجم العائلي يسيل له لعاب من يراها، ويدفعه لتناولها حتى لو لم يكن جائعًا.

مقلوبة

اقرأ/ي أيضًا:

الكستناء فاكهة الشتاء.. تعرّفوا عليها

هل تشعرون بكهرباء زائدة في أجسامكم

الزبيب الفلسطيني.. ما تبقّى لكم من حلوى