16-سبتمبر-2019

كي يصدّق الناس أن قرار الرئيس محمود عباس بإعادة الوزراء الأموالَ التي أخذوها خلال الفترة التي سبقت تأشيرته الخاصة برواتبهم ومكافآتهم؛ قرارٌ حقيقيٌ ومُلزِم، فإنهم بحاجة إلى إجراءٍ تنفيذيٍ أو آليةٍ واضحة. لا توجد قراراتٌ دون مُدد زمنية واضحة.

حركة" وزير المالية (الإعلان عن إعادة 81600 دولار لخزينة الدولة) أقرب إلى المناكفة منها إلى الاعتراف بالذنب، أو الالتزام

"حركة" وزير المالية (الإعلان عن إعادة 81600 دولار لخزينة الدولة) أقرب إلى المناكفة منها إلى الاعتراف بالذنب، أو الالتزام، لا سيما أنها جاءت بعد تصريحاتٍ لرئيس الوزراء السابق رامي الحمد الله، يطالب وزير المالية "بالخروج عن صمته وكشف المستور".

اقرأ/ي أيضًا: لقاء مع رئيس البلاد

تصريح الناطق باسم الحكومة حول عجز الوزراء عن الدفع، والتوجه لتقسيط المبلغ، أثار موجة من السخرية المرّة، إذ لم يتجاوز الأمر حدود التصريح، ومرة أخرى، لم تصدر آليات تنفيذية توضح كيفية تنفيذ هذا القرار.

كما أن ترك الأمور لـ"مروءة" الوزراء، ليس حصيفًا، لا لشيء، لا قدّر الله، إلا لأن ضمائر بعضهم قد تؤنّبهم، فيتبرعون بكل ما تلقّوه من رواتب ومكافآت ونثريات وبدلات سفر وتنقل ومخاطرة وتخصّص ونُدرة!

لم يرَ أحد، ولم يسمع، شيئًا تنفيذيًّا إجرائيًّا، كمخاطباتٍ من جهةٍ ما، مثل القضاء أو الرئاسة أو حتى لجنة مكافحة التصحر، للوزراء المعنيين، تطالبهم بالتسديد وفق آلية واضحة.

هو قرار من الرئيس، لم يترتب عليه شيء حتى الآن!

حتى أسماء المشمولين بالقرار، لم تنشر بشكل واضح. كل ما نُشر تكهنات.

إننا -يا الله- في مثل هذا الأمور، نسيّر أمورنا على البركة، ويقول قائل، بعد أن يكتب في تعليق لمسؤول "كل الاحطرام": دولة مؤسسات وفصل سلطات!

كيف يمكن استخدام من خان الأمانة، أو بتعبير ألطف "أساء استخدامها"، مرة أخرى؟!

هذه دلالة أخرى على لاجدّيتنا.

بالتزامن مع قرار الوزراء، صدر قرارٌ رئاسيٌ حاسمٌ وقاطع، بإقالة المستشارين، كل المستشارين.

منذ أيام، عاد "مستشار الرئيس للشؤون الدبلوماسية" كوصف وظيفي، يحضر في الفقرة الأولى من أخبار وكالة "وفا" التي تغطي فعاليات الرئيس.

يحدث هذا رغم أننا لم نسمع عن إعادة تعيينه، وهو أمرٌ اعتدنا عليه في أي تكليفٍ لأي وظيفة عليا.

نمنا ولم يكن لدينا مستشارون، وهلّل الناس وكبّروا، لأنهم رأوا في القرار جزءًا آخر من صورة عملية الإصلاح المنشودة.

لكننا استيقظنا في اليوم التالي، لتعود الأمور سيرتها الأولى، حتى ليبدو أن كل ما حدث مجرد أحلام.

قبل أشهر، تعيّنت سفيرة سابقة وزيرة جديدة، وقبل يومين، صارت وزيرة سابقة سفيرة جديدة.

وهذا ليس جديدًا في المشهد العام.

المسؤولون لدينا كالمادة عند الفيزيائيين، إنها لا تفنى ولا تستحدث من العدم، ولكن يمكن تحويلها من شكل إلى شكل.

المسؤولون لدينا كالمادة عند الفيزيائيين، إنها لا تفنى ولا تستحدث من العدم، ولكن يمكن تحويلها من شكل إلى شكل

إنهم لا يجلسون في بيوتهم بعد انتهاء تكليفاتهم في المناصب التي تبوّأوها.

كأن هناك أسماء تُكتب على ورق صغير، توضع كلها في صندوق زجاجي، وكلما قررنا تعيين مسؤول، سحب أحد ورقة من الصندوق، لنعيّن المحظوظ صاحب الاسم.

وبعد أن ينهي هذا المسؤول مهمته، لأي سبب، فإن اسمه يعود إلى الصندوق الزجاجي نفسه، ليخضع لعملية الاختيار ذاتها.

يحتاج المواطنون إلى أن يروا أن الإصلاح فعلٌ مستمرٌ ومتراكم، وأن كل خطوة تدعم سابقتها.

كل الحديث عن التصدي للاحتلال، وأميركا من ورائه، وحتى العالم، لن يؤتي أكله ما دام البيت الداخلي رثًّا ومتهالكًا.

كثيرٌ من مصائبنا أسبابها الارتجال وسوء إدارة وإعادة تدوير لكائنات بشرية أثبتت المرة تلو الأخرى فشلها في كل مكان تشغله.


اقرأ/ي أيضًا: 

سلطةٌ تشغلها دوسة على مكبح بنزين

عيد سعيد في مرحلة حرجة

هل يمكن التعويل على رفض السلطة للضغوطات؟