08-نوفمبر-2016

مندوب تعداد إسرائيلي يحصي عائلة غزيّة عام 67

تصادف اليوم ذكرى إقامة التعداد الإسرائيليّ الأول عام 1948، وهو واحد من التواريخ المؤسِّسة والإشكالية في تاريخ الاستعمار والفلسطينيين الذين استطاعوا البقاء في أراضيهم بعد النكبة.

جرى خلال سبع ساعات فقط، وكان واضحًا، النوعيّة المرغوب بها كي تكون جزءًا من السكّان، مُحدّدة ومُصنّفة على مزاج الحركة الصهيونية. 

في الثامن من تشرين ثاني/ نوفمبر من عام 1948، أثناء المجازر الصهيونية ضد القرى والمدن الفلسطينية، أجرت المؤسسة الإسرائيلية التعداد الأول، خلال سبع ساعات فقط، مُنع خلالها التجول لأغراض إحصائية، وقام فيها أفراد المؤسسة الأمنية بعدِّ الأسر الإسرائيلية وعدِّ أفرادها الموجودين وتسجيلهم. وتم من خلال هذا التسجيل تحديد السجل السكاني الأول لإسرائيل.

لكن ما كان لافتًا في هذا التعداد، يتجاوز هذه الظروف إلى شروط خاصة فرضت عليه، وعلى عملية اختيار من سيُسجَل، أهمها أنه كان لازمًا على الأفراد أن يكونوا موجودين خلال هذه الساعات السبع في بيوتهم، بينما حُرم من لم يكونوا موجودين، من التسجيل، ومن أن يكونوا ضمن سجِّل السكّان الجديد، حتى الأفراد الذين لم يكونوا موجودين مع عائلاتهم، والذين طلبت عائلاتهم تسجيلهم. وحرم من كان غائبًا من ممتلكاته (أراض أو عقارات، الخ) ولم يتم الاعتراف بهم، أو بممتلكاتهم، وجُسّد هذا التمييز من خلال قانون أملاك الغائبين بعد سنتين من التعداد.

 لقد كان في هذا البعد تحديد واضح للمرغوب بهم كي يكونوا جزءًا من السكان، خاصة أن التعداد الأول لم يقم بعدِّ السكان فقط أو بتسجيلهم، ولكنّه قام بتحديدهم وتصنيفهم في نفس الوقت، على مزاج الحركة الصهيونية وضمن الدرجات الكثيرة لهم في ذهن صناع الدولة الجديدة.

غير أنّ هناك توضيحًا أساسيًا يحوّل هذه الظروف من أخطاء تقنية كما يقدم التأريخ الرسمي الإسرائيلي الجديد مبرراته لمعظم المجازر التي صار من الصعب تجاهلها، إلى تصورات أيدولوجية كاملة ومتعلقة ببنية دولة الاستعمار نفسها، هو أنّ من كانوا بعيدين عن بيوتهم بالمجمل هم الفلسطينيون، سواء الذي هُجِّروا طردًا خارج فلسطين، أو الذين انتقلوا إلى أماكن داخلية أخرى للاحتماء من الحرب، مع مجموعات أخرى محدودة مثل اليهود الذين كانوا ضد تأسيس الدولة. لقد كانت ظروف التعداد التي بُيِّنت سابقًا جزءًا من استراتيجية كاملة ومرتبطة برؤية محددة مسبقًا للسكان، ومنهج يتم من خلاله تفصيل المواطنة الإسرائيلية القائمة على أنقاض الفلسطينيين.

الإحصاء، هو أول أفعال الضبط الذي تمارسه الدولة، والذي تستطيع من خلاله تحديد مخطط كامل للسكان حسب رغباتها.

تبدو في هذه المعالجة مبالغة ما، بدون معرفة أهمية التعداد الأول في بناء الهوية القومية والجمعية، وتاريخ استخدامه في أنماط كثيرة من التهميش والإقصاء. ففعل الإحصاء بالنسبة لمنظرين كثيرين، هو أول أفعال الضبط الذي تمارسه الدولة، والذي تستطيع من خلاله تحديد مخطط كامل للسكان حسب رغباتها. إضافة إلى قدرتها على تخليق هويات ومجموعات مختلفة، من خلال أدوات التصنيف والدمج والفصل، حتى ذهب مؤرخون إلى التأريخ لظواهر مثل الطائفية من خلال الإحصاءات الأولى، المرتبطة أيضا ارتباطا وثيقا بالدولة الحديثة. وعلى ما يبدو فإن الحالة في إسرائيل أكثر تعقيدا، إذ يندمج فيها دور الدولة المعاصرة في الضبط والتحكم، مع حالة الاستعمار المباشرة، ما يجعل هناك تقاطعا ينتج رغبة مضاعفة في السيطرة.

إن أهمية دراسة التعداد الأول إذن، إضافة إلى كونه الإجراء الرسميّ الأول في بناء قائمة المواطنين وتحديدهم، هي حمله لرغبات "الدولة" بإقصاء مجموعات معيّنة، خاصة والحديث هُنا عن المؤسسة الإسرائيلية التي تقاطعت صناعة الدولة فيها مع صناعة مؤسسة الإحصاء، مع معظم مؤسسات الدولة في فترة محدودة جدًا، فتشكلت المواطنة بمعنييها الخطابي والإجرائي نتيجة لهذا التعداد بمباشرة واضحة، بحيث أن تصنيف الدولة للمواطنين (من تم إحصاؤهم) في التعداد، تحوَّل إلى تعريف نظري رسمي أولًا لمواطني دولة إسرائيل، وتعريف عملي، من خلال من يملكون الوثائق الرسمية مثل الهوية، الجنسية، الخ.

بهذه الطريقة، تم إنكار الفلسطينيين الباقين في أرضهم بعد التهجير، وتغييب وجودهم بشكل جلي، حتى كانت القاعدة التي استندت إليها المؤسسة الإسرائيلية قائمة كلها على هذا التغييب، وكان شرط الإحصاء شرطًا قاطعًا  للاعتراف بوجودك. فأنت تُحصى إذن أنت موجود.

اقرأ/ي أيضًا: 

تحيا إسرائيل!!

"الجواسيس داخلنا".. كيف تجسس السوفييت على إسرائيل؟

إسرائيل عندما تعوِّل على الواقي الذكري