26-سبتمبر-2016

مجزرة إعزاز بعد غارة جوية كانت الأولى من نوعها وقعت في 15 آب (أغسطس) عام 2012.

تتمزق كل لحظة على مدار الأعوام الخمسة من عمر المذبحة السورية كل الشعارات، وتتكشف كل يوم المعاني الفاشية لأساليب التدمير والقتل والتهجير مع التغيير الديمغرافي الذي يطال الجغرافيا السورية، مع غياب أي مؤشر يقوم على ردع النظام وإيقاف المذبحة المستمرة، التي وصلت ذروتها بتكثيف القصف على مدينة حلب "بالنابالم" وقصف قوافل المساعدات الإنسانية على مرأى ومسمع المجتمع الدولي، فضلًا عن سلسلة من جرائم الحصار والتدمير والتهجير في القصير والزبداني وأرياف دمشق وحمص ودرعا وإدلب وداريا التي نالت حصتها من التطهير العرقي مثلما وقع على ريفي اللاذقية وحمص، مع بقاء الحصار المشدد على عدة مناطق في ريف العاصمة دمشق.

مراقبة مراكز الأبحاث الإسرائيلية لممارسات النظام السوري وردود الفعل الدولية على جرائم الحرب المستمرة للعام الخامس، تمنح اليد والعقل الإسرائيليين المضي قدمًا بجرائم الحرب

قبل أن نمضي في سرد ردود الفعل على تلك الجرائم، يستحسن أن نحاول كشف النقاب عما يمكن أن يكون قد دخل من مصطلحات شخصتها تصورات الكارثة السورية وأدت لقبول تلك المفاهيم مع ما سبقها للفلسطينيين في النكبة الأولى عام 48 ومن ثم النكسة، ولو أن هناك من يخالف هذه التصورات وأهوالها الفادحة على مختلف الميادين المتصدعة ويبدو التحليل والتعليل والنقاش هزيلًا أمام سلسلة الجرائم التي فرضها النظام السوري وحلفاؤه على واقع المجتمع والجغرافيا السورية التي فتحت معها تحولات الجريمة المنظمة شهية المحتل الإسرائيلي في مقلب "الأخلاقيات" لإعادة الحسابات في معطيات مهامه المنجزة أو التي هي قيد الإنجاز.

اقرأ/ي أيضًا: مدينةٌ أخرى ستوجَد أفضل من هذه

التردد الدولي لردع النظام عن جرائمه، بدل الكثير من عناصر الموقف وفتح آفاق واسعة لمساعدة النظام على مخططاته التدميرية وتطويرها، الحصار والتجويع والمجازر الجماعية والتغيير الديمغرافي كانوا الأشد تأثيرًا في مناطق عدة لتصبح "داريا" نموذجًا يدعو الروس لتعميمه في كل منطقة ثائرة، هذا كافٍ لأن يدعو المرء إلى القيام بمحاولة إعادة النظر في عدة افتراضات كانت قائمة في بداية الثورة السورية وبالطبع تلك افتراضات ظل معسكر النظام وحلفاؤه من الروس والإيرانيين وبقايا "الوطنية العربية والفلسطينية" يجترها حتى اللحظة.

ما يلفت الانتباه في دروس التدمير لداريا وحلب وحمص، هو تجسيد أسس جديدة-قديمة لنظرية التطهير العرقي مع التغيير الديمغرافي الذي تدعو موسكو صراحة لتعميمه في معظم المناطق المستعصية على النظام، إذا كانت هذه نظرية الاحتلال الإسرائيلي طيلة سبعة عقود التي كانت تدعو إلى "حرب إبادة وليست عمليات عقيمة من باب تأدية الواجب" فإن ممارسات النظام ضد أبناء شعبه جاءت لتدعمها على أحسن وجه ولتساعد الأسس النظرية "للصهيونية" لشن مزيد من الفاشية على الشعب الفلسطيني.

فمراقبة مراكز الأبحاث الإسرائيلية لممارسات النظام السوري وردود الفعل الدولية على جرائم الحرب المستمرة للعام الخامس، تمنح اليد والعقل الإسرائيليين المضي قدمًا بجرائم الحرب، فمخططات تهويد النقب واقتلاع السكان من أرضهم لها "مبرر" في المقلب السوري مع تنفيذ مخطط داريا ومثيلاتها في أرياف حمص وحلب واللاذقية ودمشق وتشابه التبريرات الفاشية للإعدامات الميدانية ضد الفلسطينيين وتدمير منازلهم، تُظهر أيضًا تساهل المجتمع الدولي لاستمرار الجريمة.

اقرأ/ي أيضًا: النظام السوري.. الأولوية لإبادة حلب

تتجلى الفائدة الدفينة للإسرائيلي على "أبهى" صورها عندما ينفرد النظام السوري بكل جبهة من جبهات المواجهة مع شعبه ليجهز عليها بطريقة التدمير والحصار والتجويع وصولًا لتهجير ما تبقى من السكان المدنيين في تلك الجبهات، ولا عجب إذن والحال هكذا أن نرى العديد من المواقف المؤيدة لجريمة النظام عندما يطور نظريات المحتل بحيث يستطيع الاستفراد بمجتمعه كما يرغب، وهو ما أوقع مدعي الخبرة بشؤون تركيبة النظام بحيرة مذهلة وبالتالي تريث إسرائيلي مريح ينطلق من "أن منطق جريمة النظام السوري هو منطقنا" بالأساس، وبالتالي تعود فائدة سحق المجتمع السوري إلى دروس مستفادة وملموسة لدى المحتل لتغدو جرائم الحصار والاعتقال والتدمير والتهويد والإعدامات كافية لإحداث هذا الانحدار المدوي لردود الفعل على الجرائم الإسرائيلية، بينما حالة التدليل والدعم تنهال على النظام السوري وتؤدي إلى زيادة صلافته واتساع مدى استخفافه بالمجتمع الدولي الذي "يتوسل" النظام لإدخال شحنة مساعدات إلى مناطق يحاصرها، ويكفي لإجراء مقارنة بسيطة بين مقاومة المعتقلين داخل سجون الاحتلال وبين آلاف المعتقلين الذين تم ذبحهم في أقبية التعذيب في سجون النظام السوري أو مقارنة إدارة الحصار في الضفة والقطاع مع سياسة التهجير والتدمير للمناطق المحاصرة في سوريا.

ولا ينبغي التقليل من الفائدة الدفينة التي قدمها النظام السوري بممارساته للمحتل الإسرائيلي التي كانت كفيلة بإحداث شرخ عميق مع كل الأيديولوجيا والشعارات الساقطة في امتحان الثورة السورية.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل تعلم المحتل شيئًا من دروس النظام السوري؟ وكيف يبدو شكل الاحتجاج على تدنيس المقدسات؟ كيف هي ردود الفعل على تفجير مساكن الفلسطينيين بعد تدمير معظم مدن وأرياف سوريا؟ ولمَ الانتهاكات المتكررة بحق الأرض وتسريع سياسات التهجير والتهويد، ولماذا تكون حملات التضامن مع الأسرى في معتقلات الاحتلال ضعيفة، ومن أين يستمد المحتل جرأته بتنفيذ الإعدامات المباشرة واحتجاز جثامين الشهداء والإيعاز للمستوطنين بحرق الفلسطينيين وهو يشاهد آلاف الجثث تُعدم وتدفن بدم بارد دون علم ذويها.

كيف سيكون الاحتجاج على الدعم الأمريكي بمليارات الدولارات لإسرائيل لضمان تفوق التسليح والاستيطان والسيطرة، ويدفع لنظام مليارات من الروبل الروسي والتومان الإيراني للمساعدة على تدمير المجتمع السوري وكسر إرادته؟

أثبتت التجربة أن إسرائيل لا تنسى عادة الدروس التي تُلقن لها، فكيف إذا ما أحسن التلقين درس التهجير والتدمير واستخدام الأسلحة المحرمة دوليًا وإعدام الآلاف تحت التعذيب وتدمير الكنائس والمساجد والحصار والموت جوعًا والاستعانة بلوبيات قومجية وبأخرى عابرة للحدود تساعده على تنفيذ الجريمة، ليبقى السؤال ماذا تركت جرائم النظام السوري للمحتل؟

ترك النظام السوري بآثار الجرائم المتواصلة أهم منجز مكتسب للإسرائيلي عبر المضي قدمًا بإنجاز جرائمه مستترًا خلف فاشية بعثتها من جديد ممارساته، غير أنه من الخطأ الاعتقاد أن جريمة المحتل والطاغية مهما كانت نهايتها ستمر دون أن تفعل فعلتها وهي تمس العديد من "المقدسات" وتلك كافية لإزالة الغشاء عن أعين السوريين والفلسطينيين استنادًا إلى الإيمان بعدم قدرة الطغيان والاحتلال الهروب إلى الأبد من الهزيمة.

اقرأ/ي أيضًا:
أمل تريد محاكمة بشار وكلوني يدير مشروع تأهيل سوري!
اللاجئون السوريون وإثبات حسن النيّة