03-أغسطس-2017

كان الرئيس العراقيّ الراحل صدام حسين يشعل حروبه بسهولة إشعال سيجاره الفاخر، ولكن لتجميلٍ أكثر، كان يستخدم معها شعار "العروبة" أو "تحرير فلسطين". ومع اشتعال الحرب مع الجارة إيران، لم يفهم المواطن العربي مآرب تلك الحرب التي استخدم فيها العدوّان أسلحة كيماوية، وكلّفت البلدين مليون قتيل وخسائر بقيمة 500 مليار دولار، فتذكّر صدام العدو الصهيوني الذي كان يحاصر بيروت، واستدرك في منتصف الحرب، ووجه مايكروفوناته للجماهير العربية المرتبكة: "الفرس أشد خطرًا من الصهاينة!". كان ذلك الشعار الأول الذي نحته الرئيس العراقي في لحظة عجز، وظلّ محافظًا على قيمة صرفه إلى الآن!

تحرير فلسطين يبدأ من هُنا، ومرة أخرى من هُناك، شعارات لا تنضب، تُستخدم لاستعطاف الجماهير التي " تُسخسخ" على الشعارات

انتهت سنوات الحرب التي خسر فيها الطرفان، وأعادتهما إلى مراحل البناء الأولى للدول. يكتشف العرب كل يوم دور أمريكا في إطالة أمد الحرب، ولعبها على كلا الجبهتين عبر إمداد الطرفين بالأسلحة! بعدما كانت حرب 73 آخر الحروب ضد إسرائيل (بحسب وعد السادات لبيغن)، وبسبب مجانيّة الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل أو قلّة أرباحه، وتقدّم الأخيرة في مجال التصنيع والوصول لمراحل متقدمة من الاكتفاء الذاتي. اكتشفت أمريكا وشركاتها أسواقًا أكثر استهلاكًا وكرمًا، وانتعشت على إثر الحرب العراقية-الإيرانية وما بعدها تجارة الأسلحة في المنطقة. كانت تلك البدايات بمثابة "بروڤا" للدور العظيم الذي تلعبه شركات الأسلحة اليوم، من استنزاف لمليارات الدول العربية، التي أصبحت على رأس قوائم مستوردي الأسلحة في العالم، فصار الشراء أحيانًا لحاجات دفاعيّة في ظل غياب الهجمات! وفي الغالب نتيجة لضغوطات تقوم بها الحكومات المورِّدة (البيع عنوّة).

كانت تلك أولى الفتوحات "الصدّامية" في المنطقة، أمّا الفتح الثاني فهو التهديد الذي مارسه على جيرانه، إثباتًا لنهم التوسع لديه، ونفيًا لحججه القومية في الحرب الأولى (الفارسية- العربية!)، وقام باجتياح الكويت الذي تمر ذكراه هذه الأيام، فأعطى البعض من جيرانه وهم يشاهدون الكويت تسقط المبرر-وربما كانوا يبحثون عنه!- للتعاقد على استدخال القواعد الغربية لحمايتهم. ولّما تورّط بالحرب الكويتية، ولمسَّ الفخ الذي نصبته له أمريكا على لسان سفيرتها "أبريل غلاسبي"، وبعد سبعة أشهر من احتلال الكويت، ولهزّ صدمة الجماهير العربية من احتلال بلد عربية؛ عاد لاستخدام أحد شعاراته التي لا تنضب، لاستعطاف الجماهير التي تُسخسخ على الشعارات: "تحرير فلسطين يبدأ من الكويت". ثم وفي فشّة غل التفّتتْ قواعد الصواريخ العراقية لأول مرة جهة الغرب، وقصفت إسرائيل، كصرخة أطلقها المحتضر قبل الموت! ولكن العراق هُزم، ثم حوصر، ثم احتل.. وعاد إلى مرحلة العصر الحجري كما وعد بوش الابن، علمًا أن أي حرب كان سيخوضها مباشرة مع إسرائيل، لو صدق، لن تكون بتلك الكلفة المادية والوطنية، التي حوّلت العراق إلى ملعب كبير ومُدمّر، يدين بولاءات خارجية لا نهاية لخيوطها، ويَستخدِم فيها كل عابر سبيل شعاراته الخاصة.

وبعد أن حقق صدام أحلام الطامعين بالإجهاز على بلده، عبر استغلالهم لعناده ورفضه لأية حلول بالانسحاب، وبعد أن انتهى هو تلك النهاية التراجيدية، حلم الكثير من زملائه القادة العرب بحمل رايته، مع تغيير بسيط في التفاصيل، فالتنافس السياسي المعقول بين الدول، تحوّل إلى صراعات دامية على قيادة المنطقة، مستخدمين كل إرثه من شعارات؛ فطريق تحرير فلسطين، أو العروبة، أو الإسلام، لا يزال يمر من فوق رماد الجيران والأشقاء، وبذور الحرب الطائفية أو القوميّة قد أينعت، والخلافات العربية-العربية ما تزال تُحل عبر اللاعب الأمريكي، الذي استسهل إشعال الصراعات بدلًا من مُجرّد توجيهها.


اقرأ/ي أيضًا:

صدام حسين.. حيٌّ في فيسبوك

من القات اليمني إلى حبوب الهلوسة العربية

أسرار اهتمام الإعلام الإسرائيلي بـ"معركة الموصل"؟