24-أكتوبر-2016

صورة (برنت سكرين) من تقرير لمراسلة القناة الثانية مع مقاتلين أكراد

استحوذت "معركة الموصل" على اهتمامٍ واسعٍ من جانب وسائل الإعلام العبرية، المختلفة. وترواح التغطية بين مواكبة الأنباء حول المعارك والتحليلات العميقة التي أعدها معلقون عسكريون وضباط استخبارت رفيعي المستوى سابقين.

ويستعرض هؤلاء في تحليلاتهم الدور الهامشي الذي تضطلع به "اسرائيل" في الحرب على "داعش"، والإحباط الذي يعاني منه قادة الاستخبارات الذين باتت أجهزتهم أقل التصاقاً بالواقع، إلى جانب العبر التي يتوجب على الجيش استخلاصها من تلك المعركة.

خصص الإعلام العبري مساحات واسعة لـ"معركة الموصل" رغم الأعياد اليهودية وأوفدت فضائيتان مراسلين لها لتغطية الحدث إلى جانب القوات الكردية

يلاحظ المتابع، أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ووزارتي خارجيته وجيشه، اعتمدوا تسمية "الدولة الإسلامية" بدون "تنظيم الدولة" أو "داعش"، خصوصا عندما يجري الحديث باللغة الإنجليزية، والأمر يتعلق بدوافع دعائية، ليس من الصعب تخمينها.

اقرأ/ي أيضا: نظام السيسي يستنجد.. و"إسرائيل" تلقي حبالها

تزامن انطلاق "معركة الموصل" مع فترة الأعياد اليهودية التي  تُقلص فيها الصحف العبرية من صدورها، والقنوات من نشراتها الإخبارية، ومع ذلك فإن "المعركة على عاصمة داعش" أو "التنظيم الارهابي الذي يحتضر"،  كما أطلقت عليها وسائل الإعلام العبرية، شغلت حيزًا كبيرًا.

القناة الثانية والعاشرة من التلفزيون الإسرائيلي وهما كبريات القنوات الإسرائيلية، أوفدتا مراسليها لتغطية الحدث بمرافقة القوات الكردية، وتحدثتا مع مستشرقين إسرائيليين يواكبون المعركة من الأرض، هم في الحقيقة ضباط استخبارات سابقين يحملون رتبًا رفعيةً في الخدمة الاحتياطية بجيش الاحتلال.

وتمثل "المعركة على الموصل" فرصة بالنسبة للإعلام العبري لإنهاء "وحش داعش" الذي استقر في روع الإسرائيليين خلال مرحلة صعود التنظيم وسيطرته المتسارعة على مساحات شاسعة من العراق وسوريا، إذ أثار زخم التغطيات المبالغ فيها حالة من الخوف لدى الجمهور في "إسرائيل" من التنظيم، ما أجبر ضباطًا كبار في الجيش في أكثر من مناسبة إلى تكرار تصريحات أبرزتها وسائل الإعلام العبرية مفادها أن "داعش" وسيارات التويوتا التي يفخر بامتلاكها لا يخيف "إسرائيل".

التغطية التلفزيونية لـ"المعركة على عاصمة داعش" من مكان الحدث حرصت على إبراز "بطولة وشجاعة القوات الكردية"، رغم أنها تحاشت الاقتراب من خطوط النار؛ وإنما اكتفت بإجراء مقابلات مع مؤخرة القوات المهاجمة، واتسمت بشكل عام بالسطحية، علمًا أن كلا المراسلين هما مراسلين عاديين وليسا عسكريين.

عاموس غبلوع وهو مستشرق ورئيس سابق لوحدة الأبحاث في جهاز الاستخبارات العسكرية، خصص مقالًا مطولًا نشرته صحيفة "معاريف" استعرض فيه تداعيات المعركة؛ مؤكدًا أن الموصل ستسقط بيد قوات التحالف ولو بعد أشهر، وسيتبع ذلك أعمال سلبٍ واغتصابٍ وقتلٍ على نطاقٍ واسع.

وتساءل عن الجهة التي ستسيطر على المدينة، مشيرًا إلى الأغلبية السنية في المدينة، والحكومة العراقية الشيعية، وموقف الأكراد الذين يريدون ضم الموصل إلى كردستان، وكذلك الموقف التركي، متوقعًا أن يفضي ذلك في النهاية إلى صراع دموي، سيجعل المدينة أقل استقرارًا مما كانت عليه خلال حكم "داعش"، وفق قوله.

ويتساءل جلبوع أيضا عن مصير "داعش" في العراق، إذ يؤكد أن التنظيم لن ينتهِ، لكنه سيعود إلى "حجمه الطبيعي" كتنظيم "عصابات جهادي" لا يسيطر على مساحات مأهولة، "أي أن داعش ستعود إلى وضعها قبل احتلالها للموصل، وستعود إلى حرب العصابات انطلاقا من الصحراء السورية الكبيرة، وستواصل نشره عقيدتها المتطرفة".

روني بن يشاي المعلق العسكري لصحيفة "يديعوت أحرنوت"، اختار التركيز على العبر التي يتوجب على جيش الاحتلال الاسرائيلي استخلاصها من "معركة الموصل"، زاعمًا أن الوسائل التي تستخدمها "داعش" في العراق تشبه التكتيكات التي ستلجأ إليها حماس في المواجهة المقبلة مع الجيش الإسرائيلي، في إشارة إلى الأنفاق الهجومية، والقناصة، والقوات الخاصة التي ستحاول السيطرة على مستوطنات، وإعاقة عمل طائرات الاستطلاع بإطلاق أعمدة الدخان.

يعتقد محللون إسرائيليون أن حماس تشبه "داعش" في بعض وسائلها القتالية ويدعون جيشهم لاستخلاص العبر من معركة الموصل

ويبرر بن يشاي مقارنته بين الطريقة التي تحارب بها "داعش" الآن، والأساليب القتالية المستقبلية التي ستستخدمها حماس وحزب الله، بالقول إنها مبنية على معلومات مستقاة من تصريحات قيادات لحماس وحزب الله، وعلى رصد الاستعداد الميداني للحركتين. ويشخص طريقة القتال المتبعة من جانب "داعش" قائلًا: "بالإمكان وصف داعش بالموصل أنها عصابةٌ تخوض حربًا دفاعيةً في مناطق مبنيةٍ يتفوق فيها من يعرف الميدان ومن أعده للقتال".

ويمضى بن يشاي للإجابة عن تساؤل ماذا سيتعلم "جيش الدفاع" من معركة الموصل؟ فيزعم أن حماس وحزب الله ستحاولان تشويش أو عرقلة أي عملية اجتياح بري من خلال شن هجمات مباغتة على المستوطنات وأخذ رهائن كما فعلت "داعش" في كركوك، مشيرًا الى أن الحرب المرتقبة داخل الموصل تشبه جدًا ما تعده حماس لـ"إسرائيل"، وهي استخدام منظومة الأنفاق للوثوب في أماكن مفاجئة، واستخدامها في اعتلاء أسطح المباني من جانب القناصة.

وفي الجزء الأخير من مقاله التحليلي يسارع بن يشاي على عجل وباختصار إلى سرد  أوجه الاختلاف بين حماس و"داعش". يقول: "حماس تملك كميةً كبيرةً من الصواريخ المضادة للدروع القادرة على إعاقة تقدم القوات المدرعة، فيما داعش في الموصل لديها القليل من الوسائل القادرة على إعطاب المدرعات من مسافة تتجاوز عدة كيلو مترات".

اقرأ/ي أيضا: الفلسطينيون في تشيلي.. البداية من اللا شيء!

ويختم مقاله بالتنبيه إلى أن استراتيجية "داعش" تختلف عن استراتجية حماس التي تستعد لاستهداف المدن الإسرائيلية بالقصف الصاروخي ووسائل أخرى، "فيما داعش تقاتل بأسلوبٍ انتحاريٍ لإحراز انتصارٍ معنويٍ يمكّنها من مواصلة حرب إرهابية في إطار الجهاد العالمي"، على حد تعبيره.

أما يوسي ملمان، المتخصص بالشؤون الاستخبارية في صحيفة "معاريف" العبرية، فقد أشار إلى حالة الإحباط السائدة في أوساط المستوى العسكري خصوصًا الاستخباري بسبب الحرب على الموصل، نتيجة الدور الهامشي لـ"إسرائيل" في الحرب العسكرية والاستخبارية على "التنظيمات الجهادية" التي تشارك فيها جيوش واستخبارات 59 دولة من دول التحالف.

ومع ذلك فإن مليمان يرى أن الاحداث في الموصل تحمل أخبارًا سارةً لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير جيشه أفيغدور ليبرمان والمستوى العسكري عمومًا، لأنها تلفت أنظار العالم بعيدًا عن الساحة الفلسطينية، الأمر الذي قد يمنح "إسرائيل" حرية واسعة من الحركة لفعل ما تريده في الضفة الغربية وقطاع غزة، دون مواجهة ضغوطٍ دوليةٍ شديدةٍ عليها، وفق تقديره.

اقرأ/ي أيضا:

مار سابا.. قصة دير مُحرَّم على النساء

"كنتُ أتعاطى المخدرات في بيت مستوطن"

حكاية الشعب اليهودي في فلسطين