يبدو وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش، ومنذ اللحظة الأولى لوصوله إلى مقعده في حكومة دولة الاحتلال مطلع العام 2023 مهووسًا بكل ما يتعلق بالتضييق على الفلسطينيين في الضفة الغربية، ويكاد يكون غائبًا تمامًا عما يحدث في غزة الآن، بل وعما يحدث في أي مكان في العالم. لكنه لا ينفك يتصرف وفقًا لعقلية رجل العصابة أو رجل الجمعية الإرهابية، بالنظر إلى الخطط المتتابعة التي تريد أن تحسم الصراع مع الفلسطينيين بالعناوين الثلاث: إما أن يستسلم، أو يرحل، أو يموت، وأخرى بالاقتطاعات الضريبية التي باتت السيف المسلط على الشريحة الأكبر من الفلسطينيين، والتي أصبح الاحتلال وعبر بوابتها يتفنن في شكل وطريقة وحصص الاقتطاعات.
وينطلق سموتريتش، من هذه الإجراءات باعتباره يمتلك مفتاحين رئيسيين في التحكم برقاب الفلسطينيين، الأول كونه وزيرًا في وزارة جيش الأمن، ومسؤولًا عن ملف الإدارة المدنية تحديدًا التي تتحكم في سياسات البناء والحياة في الضفة الغربية لا سيما المناطق المصنفة "ج"، والتي تبلغ مساحتها 61% من مجمل مساحة الضفة الغربية بالإضافة إلى مسؤوليته المباشرة عن ملف التوسع الاستيطاني، والثاني أنه وزير المالية في الحكومة وهو الذي يقرر كل ما يتعلق بالحوالات المالية المخصصة للفلسطينيين.
سموتريتش محكوم في عقلية الناشط الاستيطاني اليميني، الذي يسعى إلى تحقيق أفكاره ما قبل الحكومة، بعد وصوله إليها
ويمكن فهم ذهنية سموتريتش المسكونة بأوهام السيطرة والتحكم، باعتباره لم يغادر حتى اللحظة خيالاته وتصوراته التي رافقته منذ العام 2006 أثناء نشاطه في منظمة "رغافيم" الصهيونية المهووسة في حصار الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية والتحريض عليه، والتي بنت كل أدبياتها على ضرورة التضييق والمحاصرة لهذا الوجود، بلا بادرت إلى إصدار تقارير تقول إن الفلسطينيين لا ينفكون عن فرض وقائع في الضفة الغربية، محذرين الجيش والمؤسسة الرسمية بضرورة التحرك قبل فوات الأوان.
الآن، وقد تغير الحال، إذ غادر سموتريتش وظيفيًا مربع "رغافيم" لكنه بقي رهينة الذهنية التي حكمت المنظمة منذ اليوم من إنشائها، في وظيفته الثانية مسؤولًا مباشرًا عن المال والتخطيط في أراضي الفلسطينيين.
اليوم، تبدو العناوين المرتبطة بمآلات الضفة الغربية تعج بالمسمى الجديد الذي اخترعه سموتريتش "مناطق آمنة يمنع على الفلسطينيين الاقتراب منها". وإذا كان المسمى جديدًا في بنيته اللغوية، إلّا أنه في حقيقة الأمر لا يعدو كونه قديمًا ومستهلكًا، بالنظر إلى الأحلام والأوهام المستمرة والمتكررة منذ اللحظة الأولى من استكمال الاحتلال في عام 1967، بدءًا من مخطط إيغال ألون (1967) بشأن السيطرة على القدس والسفوح الشرقية، مرورًا بخطة متتياهو دروبلس 1978 بشأن السيطرة على ما سبق وتعزيز التكتلات الاستيطانية كمساحات استيطانية لا يمكن تفكيكها مستقبلًا، وسياجًا مروعًا لحصار المدن والقرى الفلسطينية. منذ ذلك الحين لم تغادر ذهنية السيطرة هذه المربعات، واقتراح سموترتيش الجديد الذي تمحور حول إنشاء "مناطق آمنة جديدة حول المستوطنات في الضفة الغربية"، يحاول أن يبتز الذهن مرة أخرى بمقاربة ما حدث في غزة يوم السابع من تشرين الأول، وأنه قابل للتحقق مرة أخرى في مستوطنات الضفة الغربية، وبالتالي يبدو الحدث في السابع من الشهر الماضي فرصة لا تتكرر لانتهازها والإجهاز على المزيد من الأراضي.
زوجة الشهيد بلال صالح تروي تفاصيله قتله على يد مستوطن، أثناء قطف الزيتون في أرضهم التي لم يطلب منهم جيش الاحتلال أبدًا أي تنسيق لدخولها، في #الساوية جنوب #نابلس.
✅ الترا فلسطين/ تيليغرام:https://t.co/kNLyhu2OKp
✅ الترا فلسطين/ واتساب:https://t.co/jw7RFdVSj9 pic.twitter.com/7aB6TZTh3m— Ultra Palestine - الترا فلسطين (@palestineultra) October 28, 2023
تأتي خصوصية المقترح في أنه ترافق مع موسم الزيتون الفلسطيني، الذي انخفض نشاطه هذا العام إلى حدوده الدنيا نظرًا لمنع الاحتلال المزارعين الفلسطينيين في معظم مواقع الضفة الغربية من الذهاب إلى أراضيهم، لا سيما الأراضي المعزولة خلف جدار الضم والتوسع، التي تبلغ مساحتها في حال اكتمل بناؤه أكثر من نصف مليون دونم، وتلك القريبة من المستعمرات والبؤر الاستيطانية والتي تقدر مساحتها بأكثر من 200 ألف دونم، وهي المناطق التي يستهدفها المخطط على وجه الخصوص، ناهيك عن أكثر من 390 اعتداءً تم تسجيله، نفذه مستوطنون مسلحون منعوا وصول المواطنين إلى أراضيهم، وصادروا محاصيلهم في حال وصلوا، وأطلقوا النار عليهم أثناء القطاف.
تظهر فكرة "المناطق الآمنة حول المستوطنات"، تأكيدًا لفرضية أن المشروع الاستيطاني في جوهره مثل كرة الثلج/النار المتدحرجة لا تتوقف عند حد معين، ولا تكتفي من التهام الأرض، إذ أن دولة الاحتلال اخترعت مسميات تحيط مستوطناتها قديمًا، مثل مناطق نفوذ المستوطنة التي تتحجج بها من أجل توسيع المستوطنة في المستقبل، ثم الأحزمة الأمنية داخل حدود المستوطنة، انتهاءً بالمناطق الأمنية التي تأتي خارج حدود المستوطنة.
وإذا كانت فكرة "المناطق الآمنة" محض مسمى مختلق، رهين انتهازية سياسية لظروف هذه الأيام، إلّا أنه في حقيقة الأمر محض تعبير واضح لسلسلة من الإجراءات لم تتوقف عملية تنفيذها على أرض الواقع في إطار المصادرة وإحكام القبضة على مفاصل الضفة الغربية في إطار عنوانين: أنها استكمال لمخططات السيطرة على الضفة الغربية المُعلنة من قبل هذه الحكومة وهي عملية مستمرة ولم تتوقف، وهي استغلال حكومة الاحتلال بما فيهم جمهور المستوطنين لحالة الحرب والطوارئ، من أجل استكمال السيطرة على المفاصل الجغرافية في الضفة من خلال تعزيز وضع التكتلات الاستيطانية والشوارع الالتفافية التي تحدث تواصلًا جغرافيًا بين المستعمرات، وتؤدي بالضرورة إلى عزل شكل الوجود الفلسطيني (قرية، مدينة، مخيم)، في معازل محاصرة ومحاطة بالاستيطان والشوارع الالتفافية. معازل صغيرة، مرهقة، وبالكاد تتنفس.