يشكل نموذج مستوطنة بيت إيل المقامة على أراضي محافظتي رام الله والبيرة وتحديدًا أراضي بلدات البيرة ودورا القرع وعين يبرود نموذجًا فاقعًا في تجيير الاحتلال لمنظومة القوانين المتعلقة بحالة الاحتلال لخدمة مشروع الاستيطان طويل الأمد. قصة المستوطنة بدأت عندما أعلن الحاكم العسكري حينها وتحديدًا في العام 1970 أمرًا للاستيلاء على ما مجموعه 2400 دونمًا من أراضي المواطنين الخاصة بحجة الدواعي الأمنية والعسكرية، جزءٌ من المنطقة التي تمت عملية وضع اليد عليها استخدمها الجيش الأردني كموقع عسكري قبل العام 1967، لكن الإعلان الاحتلالي تجاوز المساحة المستخدمة من قبل الجيش الأردني إلى أكثر من ثلاثة أضعافها. قدم المواطنون مجموعة من الالتماسات للمحكمة العليا الاحتلالية باعتبار إقامة مستوطنة تخدم المستوطنين، لا تعتبر حجة أمنية بحسب إعلان وضع اليد تستدعي مصادرة هذه الأراضي، إلا أن المحكمة ردت الالتماس بالرفض وأبقت على فعالية الأمر العسكري وبالتالي مصادرة الأراضي الخاصة.
عند فحص سلسلة الأوامر التي قضت بوضع اليد على أراضي الفلسطينيين بحجة الدواعي الأمنية والعسكرية، نرى أنها تتناقض تمامًا أولًا مع الحجة الأمنية وثانيًا وهي أخطرها مع فكرة البعد المؤقت لهذه السيطرة
هذا النموذج، يشكل مدخلًا لفهم كيف أن كل الادعاءات الأمنية في مسالة السيطرة على الأرض وما يليها من إجراءات في إطار التضييق على المواطنين الفلسطينين لا يعدو كونها حجة من حجج كثيرة تستخدمها دولة الاحتلال لإمعان السيطرة وفرض آليات التقسيم والتفتيت الجغرافي.
في الإطار الأعم فقد نظم القانون الدولي مسألة السيطرة على الأرض بحجة الدواعي الأمنية والعسكرية للقوة القائمة بالاحتلال من خلال الاشتراط بأن يكون وضع اليد مؤقتًا ويستخدم فقط لغرض عسكري مستعجل، وحدد أن يكون الضرر الحاصل من وضع اليد على الأرض متناسبًا مع فائدته الأمنية، وأمر كذلك بالتعويض عن الضرر اللاحق، واشترط، أخيرًا، أن يعيد الاحتلال الأرض لأصحابها عند انتهاء استعمالها كما كانت عند السيطرة عليها.
لكن عند فحص سلسلة الأوامر التي قضت بوضع اليد على أراضي الفلسطينيين بحجة الدواعي الأمنية والعسكرية، نرى أنها تتناقض تمامًا أولًا مع الحجة الأمنية وثانيًا وهي أخطرها مع فكرة البعد المؤقت لهذه السيطرة، إذ استندت دولة الاحتلال على عنصر السيطرة المستدام أو بعيد الأمد، من خلال جملة التجديدات التي تواصل إصدارها على فعالية هذه الأوامر، حيث تشير المعطيات أن سلطات الاحتلال أصدرت في الفترة الممتدة ما بين عامي 2014 وحتى العام 2022 ما مجموعه 227 قرارًا لتجديد أوامر وضع يد صدرت في سنوات سابقة تسيطر على مساحة تقدر بأكثر من 23 ألف دونم[1]، جزءٌ من هذه الأوامر صدر أمرها الأول منذ عقد أو عقدين وأبقت دولة الاحتلال سيطرتها عليها بحجة الدواعي الأمنية والعسكرية وواصلت تجديد فعاليتها بحجة الدواعي الأمنية، مما ينفي عنها شرطها المؤقت.
أحدث الأوامر التي تم تجديدها، كان أمر وضع اليد لأغراض أمنية وعسكرية على مساحة 350 دونمًا من أراضي المواطنين في قرى قطنة والقبيبة وبيت عنان شمال القدس وبيت لقيا غربي رام الله. والمساحة المستهدفة من الأمر العسكري الذي حمل الرقم (ت/04/87) تم مصادرتها في العام 2004 لأغراض إقامة مقاطع من جدار الضم والتوسع على أراضي قرى محافظتي القدس ورام الله[2]، باعتبار أن جدار الضم والتوسع يلبي حاجة أمنية مؤقتة لدولة الاحتلال، لكن استمرت دولة الاحتلال بالادعاء أن المقتضى الأمني لا زال مستمرًا، وبالتالي تستمر في وضع يدها على أراضي المواطنين الفلسطينيين في واحدة من المخالفات الجسيمة لأبسط قواعد القانون الدولي والقرارات الدولية التي جرمت الاستيطان وجرمت السيطرة على أراضي المواطنين الواقعين تحت سيطرة الاحتلال.
وتشير الإحصائيات أن أكثر من 45% من أوامر التجديد استهدفت أراضي محافظتي رام الله والقدس بمجموع 112 أمرًا، استهدفت أكثر من 6 آلاف دونم من أراضي محافظة القدس وحدها.
وتشير الإحصائيات أيضًا أنه وفي الأعوام 1969–2014، أصدر جيش الاحتلال نحو 1150 أمرًا لوضع يد، 868 منها ما زالت سارية حتى اليوم، أي أنها لم تلتزم بشرطها المؤقت، وبلغت المساحة الإجمالية لهذه الأوامر هي 104،500 دونم، وبعد خصم التداخلات بين أوامر وضع اليد التي صدرت على مر السنين، تصل المساحة الإجمالية لجميع الأوامر إلى 101،380 دونمًا، منها أكثر من 40 ألف دونم تم مصادرتها لصالح الاستيطان، أي أنه لم يكن لها أي تأثر أمني بالمطلق [3].
وفي الفترة الممتدة بين عامي 2014 وحتى منتصف العام 2023 أصدرت سلطات الاحتلال ما مجموعه 85 أمرًا عسكريًا يقضي بوضع اليد على مساحات أراض بحجة الدواعي الأمنية والعسكرية بلغت 1822 دونمًا[4]، تركزت من حيث عدد الأوامر في محافظة رام الله بـ27 أمرًا لوضع اليد، في حين تركزت من حيث مساحة الأراضي المستهدفة في محافظة طوباس والأغوار بـ659 دونمًا من الأراضي.
[1] كيرم نيفوت
[2] هيئة مقاومة الجدار والاستيطان
[3] كيرم نيفوت
[4] هيئة مقاومة الجدار والاستيطان