الساعة 10 ونصف ليلًا، صراخ الأم المكلومة أم ناصر، يملأ مخيمًا للنازحين أُقيم على شاطئ البحر، غرب مدينة دير البلح، دخلت الأمواج خيمتها وسحبت أطفالها الأربعة للبحر، هرع أهالي المخيم للمياه لإنقاذ الأطفال، وتمكّنوا من إخراجهم.
أصغر الأطفال "علي"، يبلغ عامًا ونصف، احتاج لتنفس اصطناعي، ليتمكن من النجاة، بعد أن غمرته المياه.
نزحت أم ناصر حمدان مع عائلتها، من رفح لهذا المخيم، مع زوجها وأطفالها الخمسة، قصدوا عدّة مدارس ومخيمات، جميعها مكتظة، فلم يجدوا سوى البحر، لبناء خيامهم على شاطئه، وتبعتهم مئات العائلات، التي نزحت من رفح؛ على إثر العملية العسكرية التي بدأت مؤخرًا.
تروي أم ناصر أحداث ما جرى معها: "بعد أن خلدنا للنوم، قرابة السّاعة والنصف، استيقظت وأنا داخل موجة كبيرة، غمرتني، كان الظلام دامسًا، وشعرت بالخيمة تسقط فوقنا. فورًا بدأت أتحسس الأطفال، فلم أجد سوى طفلتي الكبيرة، فبدأت بالصراخ بأعلى صوتي، زوجي والشبان هبوا للبحر وبدأوا محاولة انتشال أطفالي".
وأضافت في حديث لـ الترا فلسطين: "حالفنا الحظ بأن أحد جيراننا منقذ بحري، ومع إضاءة الشبان مصابيح هواتفهم ودخولهم البحر، تمكّن من تحديد أماكن أطفالي، وإنقاذهم، كان الأطفال بقمة الرّعب والفزع، يبكون وأجسادهم ترتجف من الخوف والبرد، لم نجد مكان آخر سوى البحر لبناء خيمتنا، وعاجزون عن تغيير المكان، أو الحصول على خيمة آمنة".
وتهدّمت عشرات الخيام على رؤوس ساكنيها أثناء نومهم، جرّاء تقدم الأمواج داخل المخيم المقام على الشاطئ، فيما يُعرف بظاهرة المد والجزر.
اقتحمت الأمواج كذلك خيمة السيدة أم خليل بخيت النازحة من مدينة غزة، وأتلفت الخيمة وغمرت الأطفال نيامًا، وأصيبوا على إثرها بوعكة صحية.
في اليوم التالي نقلتهم والدتهم إلى نقطة طبية، ولكن في الطريق حدَثَ قصف إسرائيلي حربي بالقرب منهم، وأصيب ابنها الأكبر وابنتها الصغيرة، بشظايا وحروق في أماكن عدة في جسديهما.
وفقدَ النازح محمود سعد خيمته، ولكنه عندما سمع صراخ أهالي المخيم ذهب لمساعدتهم، وكان من المشاركين في إخراج الأطفال من داخل البحر.
وقال محمود أنا أجيد السباحة، وحينما غرقت خيمتي اطمأننت على عائلتي، وانطلقتُ فورًا للخيام الأكثر تضررًا والأقرب للبحر، حينها علمت عن الأطفال الغرقى، وبدأت بالسباحة، دون أن أتفحص ملابسي التي كان بداخلها مبلغًا من المال وهاتفي المحمول الذي تلف جراء المياه.
وأضاف في حديث لـ "الترا فلسطين": "مقاومة الأطفال للغرق هي التي دلّتنا على أماكنهم، والطفل الأصغر كاد أن يفارق الحياة، لولا إنعاشه على يد أحد الجيران. بعد إنقاذ الأطفال بدأنا بمحاولة إصلاح خيامنا، وفجعنا بما حصل للمخيم، 4 صفوف من الخيام تدمرت والباقي وصلها البلل".
أما السيدة أم عدي الزلط اضطرت للانتقال إلى خيمة أخرى، تخص جارة لها في الجانب الشرقي للمخيم، بعد تلف خيمتها ومقتنياتها، ولم تستطع إعادة ترميمها بسبب بلل وتعفن الأغطية التي صنعت منها الخيمة.
وجراء حادثة غرق الخيام، فقد النازح أبو إبراهيم بخيت المواد التموينية التي كانت داخل خيمته، من طحين وأرز وسكر، ومواد أخرى، علمًا أن أسعار هذه المواد تضاعفت بشكل جنوني بفعل عملية رفح.
وقال أبو إبراهيم في حديث لـ "الترا فلسطين" : "خسرت كل ما خزنته لأطفالي من طعام، والآن أعجز تمامًا عن شراء أي شيء، فلا أملك الأموال، والأسعار باتت فوق قدرة العائلات الميسورة، فما بالك بنا نحن الذين خرجنا من منازلنا في الشمال بملابسنا فقط".
وشدّد النازح على أنه ليس الوحيد الذي تلفت المواد الغذائية خاصته، بل معظم أهالي المخيم، خسروا طحينهم وطعامهم، ومن كان لديه الأموال الورقية فقد تلفت.
ومن جانبه قال النازح محمد كمال سعد، إن ما حصل زاد المعاناة القائمة، فالظروف كانت صعبة من قبل، والخيام مليئة بالرطوبة التي تسبب ضيق التنفس بفعل القرب من البحر، وكذلك الرياح تسببت بتضرر الخيام عدة مرات، وأمام الخيام هناك أنبوب كبير يصب مياه الصرف الصحي من مدينة دير البلح تجاه البحر.
وتابع في حديثه: "أتت هذه الحادثة لتجعل الحياة أصعب علينا، بعد نزوحنا لأماكن عديدة، ومحاولة النجاة من مكان لآخر".
وتعد منطقة الشاطئ منطقة خطيرة عسكريًا، وتشكّل هدفًا لقذائف ورصاص الزوارق الحربية بشكل شبه يومي.
وعقب ما أصاب المخيم، تكاتف الشبان لتشكيل سواتر رملية قبالة الخيام، على أمل أن تمنع الأمواج من دخول الخيام، أو على الأقل تقليل أثرها المدمر، ومنع تكرار حادثة جرف الأطفال تجاه البحر.
وناشد أهالي المخيم من يستطيع مساعدتهم، بتوفير خيام جديدة، وتعويض المتضررين بمواد غذائية، وملابس وأغطية، أو توفير مساحة لهم في أي مخيم، بعيدًا عن الشاطئ.