غالبية الأخبار التي نُشرت على المواقع الإلكترونية، وفي باقي وسائل الإعلام الفلسطينية، اعتمدت في تأكيدها لخبر استشهاد الشاب الفلسطيني صالح البرغوثي على تصريحاتٍ وبيانات إسرائيلية نشرها الإعلام العبري، وتم اعتماد ذلك من مختلف المؤسسات الفلسطينية دون أي تأكيد من أية جهة فلسطينية رسمية أو حقوقية كلفت نفسها عناء البحث عن الحقيقة.
تفترض أبسط قواعد العمل المهني عند وقوع جريمة قتلٍ -مهما كانت ملابساتها- أن يكون هناك جثة قتيل، ومن ثم يتم معاينة الجثة، والتأكد من هوية صاحبها من خلال معاينة ذويها، وتأكدهم من أنها جثة الشخص المعني، وهذا ما لم يتم التعامل معه إطلاقًا فيما أُعلن عنه بوسائل الإعلام في حادثة استشهاد الشاب صالح البرغوثي.
عند وقوع جريمة قتل يجب أن يتم معاينة الجثة من ذويها، والتأكد من هوية صاحبها، وهذا ما لم يحدث في قضية صالح البرغوثي
أعتقد أن مختلف المؤسسات الفلسطينية السياسية الرسمية والحقوقية قد ارتبكت في التعامل مع حادثة استشهاد البرغوثي المذكورة، إذ تعاطت أول الأمر مع تصريحاتٍ إعلاميةٍ عبرية باعتبارها حقيقة، ثم تعاملت مع الرواية الإسرائيلية الصادرة عن جهاز "الشاباك" ومكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية على أنها حقيقة مسلم بها، رغم عدم وجود شواهد حقيقية تشير إلى أن عملية القتل قد تمت بالفعل، فلا دماء، ولا جثة، ولا أي شواهد يمكن الاعتماد عليها مهنيًا.
اقرأ/ي أيضًا: عائلة الشهيد صالح تفند رواية اغتياله
تقول أبسط قواعد العمل -الإعلامي أو الحقوقي- إن الدقة تعني أن المعلومات التي تُنقل في مثل هذه الحالات؛ يجب أن تكون مجردة ومتسلسلة ومتطابقة وشاملة لتعطي الصورة كاملة، وأن يتم بناء هذه الصورة من خلال شهادات شهود العيان، والصور، والتقارير الرسمية، والتقارير الطبية، وهذا لم يُلمس في التقارير الفلسطينية.
كان يُمكن أن تكون المعادلة مختلفة لو لم ترتبك غالبية المؤسسات الفلسطينية، ولو أنها عبرت عن موقف مهني لحظة وقوع الحادث، بأنه لا يوجد أية معطيات تُشير إلى أن صالح البرغوثي قد قُتل أو حتى أُصيب، حيث لا توجد دماء على السيارة، حسب ادعاء الأهل، ما لم يُظهِر عمل الصحافيين خلاف ذلك، وأنه لا يوجد أصلاً أي مبرر، فالحادث كان اعتقالاً، ولم يحصل أي اشتباك مسلح يؤدي إلى القتل، وأن مصلحة الجيش الاسرائيلي أصلاً تقضي بإلقاء القبض عليه حيًا، وبالتالي فإن الرواية الإعلامية الإسرائيلية بأنه قد استشهد غير مقنعة ولا يوجد ما يثبتها، وعليه تتحمل السلطات الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن سلامته.
الرواية الإعلامية الإسرائيلية بأن صالح البرغوثي قد استشهد غير مقنعة ولا يوجد ما يثبتها، وعليه تتحمل السلطات الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن سلامته
في مثل هذه الحالة لو صدر موقفٌ مهنيٌ من أية مؤسسة حقوقية؛ فإنه لا مناص أمام السلطات الإسرائيلية سوى السماح الفوري لعائلته وللجهات المعنية بمعاينة جثته إذا كان البرغوثي قد قتل فعلاً، وهذا -بكل الأحوال لو تم وعاينت الأسرة الجثة- لا يلغي افتراض أن يكون قد تم اغتيال صالح البرغوثي بعد إلقاء القبض عليه، وهو ما يتطلب فتح تحقيق بذلك.
البيان الذي صدر مساء الأحد عن عائلة صالح البرغوثي، يشير إلى جملة من الحقائق الهامة، ويكشف بوضوح أن المؤسسات الفلسطينية بتشكيلاتها المختلفة قد ارتبكت عند وقوع الحدث، وفي التعاطي مع الخبر والمعلومات، ولم تستخدم خبراتها المهنية في التعامل مع هذا الحادث، وهذا ما يجب استخلاص العبر منه لأي أحداث قادمة، فلدينا من المؤسسات التي تملك من الموارد والخبرة ما يجعلها قادرة على التعامل مع مثل هذه الحوادث بالسرعة القصوى، وعليها مسؤولية التدخل الفوري، فعملها حماية الحقوق لا توثيق الانتهاكات فحسب، وقد أبدعت مرارًا في ذلك.
اقرأ/ي أيضًا:
صالح استشهد.. هذا ما حدث في رام الله