14-يوليو-2019

رغم القفزات في التدفق الإعلامي الحكومي، إلا أن هذا التدفق وبالقلم والورقة كثيرًا ما يتحول إلى ماكنة نفخ في وزراء وقادة أحزابٍ ومحافظين ورؤساء هيئاتٍ بعينهم، تاركًا كل الكادر الوزاري أو المؤسسات على الرف، للاقتباسات الثانوية أو للتوضيحات في آخر الأخبار والتقارير، لكن رأس الكعكة الإخبارية لمعاليه أو عطوفته.

الكادر الوزاري أو المؤسسات على الرف، للاقتباسات الثانوية أو للتوضيحات في آخر الأخبار والتقارير، ورأس الكعكة الإخبارية لمعاليه أو عطوفته

يحدث هذا للأسف بأقلامنا نحن الصحفيين والمؤسسات الصحفية التي دللت هؤلاء منذ سنين، حتى صار بعض الوزراء يظنون أن مهمتهم إعلامية، يصممون يومهم الوظيفي وزياراتهم وتفقداتهم واستقبالاتهم على هذا المنوال.

اقرأ/ي أيضًا: زمن إعلامي رديء

ليس الصحافيون والمؤسسات وحدهم من ساهم في هذا، بل كان الإعلام الحكومي والمؤسساتي مشاركًا كبيرًا في السكوت أمام طبقة السادة والمعالي، وبالتالي صار هذا النوع من "إعلام الوزير"، و"إعلام المحافظ"، وإعلام رئيس الهيئة أو الحزب والاتحاد والجامعة والنقابة والبلدية والكلية والجمعية، نمطًا مكرسًا يصعب الحديث فيه أو تغييره.

هذا النوع من إعلام الفرد يفسد المضامين في اتجاهين: ينتج وزراء وقادة ومسؤولين يعيشون في خطابٍ وهميٍ بأن كل شيءٍ على ما يرام، طالما أن دائرة العلاقات العامة تعمل، ويهمل العشرات من الكوادر والأفكار والنقاشات والتوجهات التي قد تكون الذراع المطلوبة للعمل والتغيير والإنتاج.

أعمل في الصحافة المحلية منذ عقدين، وعاصرت التحولات وتذكرت أننا أخطأنا عندما كنا نطالب بتقوية إعلام المؤسسات العامة ولم نخطط لذلك، وفي غفوةٍ من الزمن صار إعلام المؤسسات إعلام أفراد ومسؤولين. صحافةٌ ضعيفةٌ لمقولاتهم الحصرية ولصورهم وهم يستقبلون أو يودعون أو يتفقدون.

كثيرةٌ هي الأخبار التي تبدأ بأن المحافظ نقل تحيات الرئيس، وأن نائب المحافظ نقل تحيات المحافظ، في الوزارات ومديرياتها يحدث هذا. في عددٍ من الجامعات تجد من ينقل تحيات الرئيس ويملؤ الخبر بـ"أ. د"، وفي الهيئات العامة أو النقابات والاتحادات يكتبون خبر الزيارات أو المشاركات كأنها غزوات، وكان على رأس الوفد، أو في مقدمته، ويكون عشرون شخصًا ملحقين رقمًا بالخبر، في صورةٍ عن واقع قد يحول القائد إلى واحدٍ وحيدٍ والجمهور إلى مجرد وفدٍ غير مذكور الأسماء، أو مزوّر الرأي والرؤية والبصيرة وصعد بالصدفة إلى الحافلة.

مراتٌ كثيرةٌ تأتي أخبارٌ من قبيل المسؤول الفلاني يزور المسؤول العلاني، خبرٌ وصورة خلفها علم وشباك، علمًا أن المسافة بين مؤسسة الأول والثاني "قطعة شارع" بين حي خلف المنطقة الصناعية وحي آخر قرب مبنى البلدية.

الإعلام جهازٌ ديمقراطيٌ ويجب أن لا نحوله إلى مخفر لعقدنا السياسية والثقافية

أعتذر عن المزاح في الفقرة السابقة، لكن خبرًا من هذا القبيل بالإمكان الإفصاح عن معلوماته أو ما تناوله المسؤولان، وليس مجرد فقرتين يتيمتين في خبر علاقاتٍ عامة يفسد نزاهة الأخبار وقدرة التغطيات الإخبارية على توزيع علاقات القوة بين الناس بشكلٍ عادل ومنتج لمجتمعٍ تتدفق فيه الأخبار بحريةٍ ونزاهةٍ ومسؤولية.

مقالتي اليوم تذكرني بيوم جمعةٍ بعيدٍ في غرفة أخبار صحيفةٍ محلية، عندما جاء خبرٌ مفاده أن قائدًا لفصيل سياسي فلسطيني كبير ألقى محاضرة في جامعةٍ عربية بعيدة، حول التكلس القيادي في الأحزاب العربية، علمًا أن هذا القائد جلس على كرسي الأمين العام قبل أن أولد أنا عام 1971، وما زال إلى اليوم يجلس.

لهؤلاء "الأوحدون" ثغرةٌ في ثقافتنا العامة، وفي ثقافتنا الإعلامية، والمؤلم أننا اجتهدنا ولهثنا في الطريق إلى بناء مؤسسات الدولة ومنها الإعلام، غير أنّنا سيَّدْنا أفرادًا وأعطيناهم كل مسننات الهيمنة، وأكرهنا صحافيين ودوائر إعلام وعلاقات عامة على توجهاتٍ وإنتاجاتٍ صحافيةٍ لا يقبلونها ولا يدافعون عنها، وفي أقرب جلسة مساءلةٍ سينتفضون كلهم ضدها.

الإعلام جهازٌ ديمقراطيٌ ويجب أن لا نحوله إلى مخفر لعقدنا السياسية والثقافية. هذا ما في الأمر ونقطة.


اقرأ/ي أيضًا: 

أخلاقيات طائرات "درونز"

القضاء والإعلام.. وصراع أباطرة الحكم

إنهم يخشون إصلاح القضاء

دلالات: