20-مارس-2023
محمود عباس ونتنياهو

لم يخرج اجتماع شرم الشيخ، الذي عقد الأحد، عن مسار طويل وراسخ من التصورات الأمنية الإسرائيلية والغربية عن الوضع في الداخل الفلسطيني، وهي تصورات دأبت السلطة الفلسطينية بالتزام كبير على التماشي معها. يمكن تلخيص هذه التصورات على النحو التالي: أولًا، أن تحسينًا بسيطًا في شروط حياة الفلسطينيين ومنحهم هامشًا ضئيلًا ومشروطًا من التنمية هو الحل الذي سيردع أي تصعيد محتمل في الضفة الغربية وقطاع غزة. وثانيًا، أن "الاضطرابات الأمنية" هي نتيجة استفزازات موضعية أو موسمية يمكن التعامل معها بشكل مباشر.

بالنسبة لهذه النخب اليمينية التي صارت تنظر إلى ترتيبات أوسلو على أنها تعيق الضم السريع للضفة الغربية، فإنه لم يعد هناك أي داعٍ لإدارة وسيطة. وهو ما انعكس على سبيل المثال في المطالبات بتولي الإدارة المدنية أدوارًا أكبر، وتوسع مسؤولياتها بطريقة أحرجت السلطة نفسها

حددت هذه التصورات طوال أكثر من عقدين الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية؛ كمؤسسة تدير هذه التسهيلات وهامش الازدهار المشروط. يبدو هذا واضحًا على سبيل المثال في إدارة المساعدات وشبكات التمويل الدولية، ولعب دور الوساطة في قضايا "الارتباط المدني"، أي تسجيل السكان وتصاريح العمل والتجارة، أو فيما يتعلق بعائدات الضرائب وإدارة قنوات العمالة الفلسطينية الرخيصة. وبطبيعة الحال، فإن هناك دورًا أمنيًا لعبته السلطة الفلسطينية تحت عنوان صريح تصطلح عليه الرسمية الفلسطينية بالتنسيق الأمني، لكن شروطه ومحدداته على الأرض غير واضحة.

شهدت السنوات الماضية تطورات عديدة على هذا الملف، من بينها التفاوض المباشر وغير المباشر بين إسرائيل والسلطة على هذه المحددات غير الواضحة، وهو ما شهدناه مؤخرًا في جنين ونابلس، والاتهامات المتبادلة بشأن فشل إدارة المنطقتين أمنيًا. لكن الموقف الإسرائيلي نفسه من دور السلطة ليس واضحًا أيضًا، وهو ما تعرفه السلطة جيدًا. من جهة النخب الأمنية الجديدة في إسرائيل، فإن الحل هو تولي إدارة الضفة الغربية بشكل كامل.

بالنسبة لهذه النخب اليمينية التي صارت تنظر إلى ترتيبات أوسلو على أنها تعيق الضم السريع للضفة الغربية، فإنه لم يعد هناك أي داعٍ لإدارة وسيطة. وهو ما انعكس على سبيل المثال في المطالبات بتولي الإدارة المدنية أدوارًا أكبر، وتوسع مسؤولياتها بطريقة أحرجت السلطة نفسها. وبطبيعة الحال فإن التأكيد على الاقتحامات الدورية والاستعراضية لمدن شمال الضفة الغربية، وعلى أن السلطة لم تعد قادرة على لعب دورها في ضبط الأوضاع، يصب في نفس الاتجاه.

مع ذلك، فإن هذه النخب اليمينية الجديدة تواجه معضلة عملية، وهي أنها تريد أن تنهي الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية لكن دون أن تتحمل التكلفة كاملة. طوال العقدين الماضيين، كان الريع الدولي يغطي تكلفة هذا الدور، أي أن السلطة الفلسطينية لعبت دور الوكيل المجاني لإسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو أمر تدرك النخب اليمينية الإسرائيلية أن التخلي عنه ليس سهلًا. وبالتالي فإن هذه النخب تنخرط منذ سنوات في رقصة مترنحة حول ما تبقى من هذا الدور الوظيفي. من ناحية، فهي توجه له ضربات موجعة (صفقة القرن بدون السلطة، تطبيع مباشر مع الدول العربية، توسيع صلاحيات الإدارة المدنية، الاقتحامات الاستعراضية لمدن الضفة الغربية)، وتقوم من ناحية أخرى بمحاولات موسمية لإنقاذه.

يمكن التفكير في الإعلان الختامي لاجتماع شرم الشيخ بهذه الطريقة، فقد استغرق البيان الختامي بشكل لافت في التأكيد على "الالتزام الراسخ" بكافة الاتفاقيات السابقة بين السلطة وإسرائيل، خاصة الحق القانوني للسلطة الفلسطينية في الاضطلاع بالمسؤوليات الأمنية في المنطقة (أ) بالضفة الغربية، وكذلك تعزيز الوضع المالي للسلطة الفلسطينية.

على الأرض، سيعود الزعماء المجتمعون إلى التعقيدات نفسها. من جهة الحكومة الإسرائيلية، فإن نتنياهو أكد لوزراء في حكومته حسب ما كشفت الإذاعة العبرية العامة، أن مخرجات شرم الشيخ هي للاستهلاك الإعلامي فقط، فهو يدرك حجم التناقضات في الموقف من دور السلطة الفلسطينية داخل تحالفه. أما من جهة الفلسطينيين، فإن عملية حوارة أمس أكدت على ما كان واضحًا منذ عقود، أن الوضع أعقد من معضلة موسمية، وأن هامشًا ضئيلًا من الازدهار ليس كافيًا لوقف الانفجار القادم.