16-فبراير-2022

عناصر أمن بالزي المدني يعتدون على مواطن في مظاهرة احتجاجية على قتل نزار بنات | gettyimages

مقال رأي | 

مشاهد صادمة وصلت من مخيم عسكر في نابلس مساء الثلاثاء. أطفال مخنوقون، وقنابل غاز وصوت تُلقى بين الحشود. بالتأكيد يبدو المشهد مألوفًا بالنسبة للفلسطينيين، لكن البحث عن مفارقة، أو التنويه إلى التشابه بين دور السلطة الفلسطينية ودور إسرائيل، لم يعد كافيًا. وكذا فإن سحب ما حدث إلى مساحات المناكفة بين مؤسستي الانقسام في رام الله وغزة ليس مفيدًا. هناك تشابه بين دور السلطة الفلسطينية وإسرائيل يتجاوز المفارقات والمناكفات، ويقول أشياء كثيرة عن هذه المؤسسة نفسها، دورها الوظيفي، والتحولات التي طرأت عليها خلال السنوات الماضية.

لم يكن القمع جديدًا على هذه التجربة، لكنه دخل طورًا جديدًا، وأصبح جزءًا من الطريقة التي تدير فيها السلطة الفلسطينيين، وتتصورهم

مرت تجربة السلطة الفلسطينية في الأعوام الأخيرة بتحول لافت. لم يكن القمع جديدًا على هذه التجربة، لكنه دخل طورًا جديدًا، وأصبح جزءًا من الطريقة التي تدير فيها السلطة الفلسطينيين، وتتصورهم. كما أنه توسع من ممارسات تستهدف جماعات بعينها، إلى نمط من التدخل الاجتماعي الشامل، الذي يستهدف الشؤون الحياتية اليومية للفئة الأعم من الفلسطينيين في الضفة الغربية. شمل ذلك الرقابة على البنوك وحتى الحوالات المالية الصغيرة، والتدخل في الإنتاج الثقافي والفني، ووصل إلى الاعتداء تقريبًا على أي تجمع معارض، ومحاولة إعادة تصميم الفضاءات العامة المحدودة المتوفرة للاحتجاج.

اقرأ/ي أيضًا: عن السلطة الفلسطينية والقتل بالوكالة

ذروة هذا القمع كانت مع مقتل المعارض نزار بنات وقمع الاحتجاجات ضد اغتياله. وهي حالة لافتة، بالنظر إلى أن دور بنات كان مقتصرًا على نشاطه عبر السوشال ميديا فقط. والحاجة إلى قتل ناشط فقط لأنه يتحدث، ثم الاستهتار بالفلسطينيين وبالمطالبات بالعدالة في قضيته، تشير إلى هذا التحول في نمط القمع. إضافة إلى ذلك، فإن السلطة تخلت عن طبيعتها كمؤسسة حتى ولو بشكل رمزي أو استعراضي، من خلال رفض التعامل والتحقيق أو حتى التعليق على مشاهد رجال الأمن بالزي المدني الذين يعتدون بطريقة وحشية على المتظاهرين، ويضربون رؤوسهم بالحجارة في مشهد يذكر بسياسة "تكسير العظام" الإسرائيلية. تم تجاهل فيديوهات موثقة للاعتداء على المدنيين وكذا مطالبات مؤسسات مجتمع مدني بالتحقيق في هذه الوقائع. استخدمت السلطة أيضًا أدوات جديدة لردع المحتجين، مثل نشر صور لهم، واختراق هواتفهم، ومحاولة التشهير بالناشطات، إلخ

تحدث هذه التطورات في نفس الوقت الذي ينتشر فيه العنف الداخلي والعشائري في الضفة الغربية، إلى درجة إغلاق مناطق بأكملها، وإطلاق تهديدات، بينما لم تحاول السلطة الفلسطينية بأي شكل جاد السيطرة على الوضع. مع ذلك، فإن قواتها تقتحم بشكل مستمر مناسبات عادية، واحتفالات بتحرر أسرى، وتعتقل طلاب جامعة.

بالتزامن مع ذلك كله، أظهر الوباء انخراط السلطة في التهميش المستمر للفلسطينيين من خلال التواطؤ مع السردية الإسرائيلية، وعلى نحو خاص مع تخلي السلطات الاستعمارية الإسرائيلية عن مسؤولياتها تجاه الفلسطينيين، بحجة أنهم يعيشون في دولة أخرى. تجلى هذا التواطؤ في اتفاقيات اللقاحات منتهية الصلاحية، ثم تسهيل تلقيح فئات معينة وفق مطالب إسرائيلية، واتفاقيات التنسيق بشأن حركة العمال وغيرها. كما فشلت السلطة في تفسير عدم إنجاز مشاريع صحية حصلت على تمويلات وتبرعات ضخمة من أجلها.

تشير هذه التغيرات إلى أن السلطة الفلسطينية تتخلى حتى عن ممارساتها الخطابية التقليدية، وأنها، إلى درجة ما، لم تعد تسعى حتى إلى الحصول على شرعية داخلية

لم يكن هذا مجرد فشل. تشير هذه التغيرات إلى أن السلطة الفلسطينية تتخلى حتى عن ممارساتها الخطابية التقليدية، وأنها، إلى درجة ما، لم تعد تسعى حتى إلى الحصول على شرعية داخلية. لقد أصبحت تمثل شبكات من المستفيدين داخليًا، الذين يتم تأطيرهم بشكل عشائري وجهوي، وإطار أمني يعتمد وجوده على تفاهمات داخلية إسرائيلية. وفي ظل غياب أي انتخابات، واستقرار الانقسام بين غزة والضفة الغربية، فإن "الشأن الداخلي" ليس ذا أهمية بالنسبة للسلطة.

خلال الشهور الماضية، نشأ تصور حقوقي جديد لدى المؤسسات الدولية بشأن فلسطين، وتم استخدام لغة جديدة كليًا في وصف الواقع على الأرض. وكما جاء في تقرير منظمة العفو الدولية الأخير عن فلسطين، فإنه تم الإقرار بأن إسرائيل تدير نظامًا من الاضطهاد الممنهج بين النهر والبحر. ليس هناك أي دور سيادي للسلطة الفلسطينية بالتأكيد في ظل نظام الأبرتهايد الإسرائيلي هذا، لأنها ببساطة لا تملك أي سيادة. دورها في هذا النظام مع ذلك، هو ملء بعض المساحات الشاغرة التي لا تديرها إسرائيل بشكل يومي في مناطق "ألف"، وبالتأكيد إدارة الملف الأمني بتنسيق مباشر مع الإدارة المدنية.

على هذا النحو، يصبح التفكير بنظام الأبرتهايد الإسرائيلي بمعزل عن دور السلطة غير ممكن، وكذا فإنه يتعذر التفكير في دور السلطة بمعزل عن نظام الأبرتهايد نفسه. تحتاج السلطة إلى واقع الفلسطينيين المشظى بالتأكيد لشرعنة وجودها، كما أنها تكتسب شرعيتها على نحو خاص من دورها الأمني، أكثر من أي شيء آخر. على الجهة المقابلة، فإن السلطة كما أشار باحثون فلسطينيون وغير فلسطينيين تلعب دورًا فاعلًا في التستر على نظام الأبرتهايد، من خلال تصوير الوضع المأساوي لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة كأنه وضع طبيعي لشعب تحت إدارة دولة نامية. وبالتالي تصبح اللا مساواة كأنها فروق بين دولتين. لكن دورها يذهب أبعد من ذلك، فإذا كان نظام الأبرتهايد قائم على قوانين وأنظمة مختلفة لفئات مختلفة، فإن السلطة الفلسطينية أحد الفاعلين في تطبيع وتطبيق أحد هذه الأنظمة، التي تدور بشكل أساسي حول الأمن والرقابة

تشبه ممارسات السلطة القمعية جميعها سياسات إسرائيل، لكن الإشارة إلى هذا التشابه كأنه مفارقة وحسب ليس كافيًا. يجب فهم دور السلطة ضمن الإطار الأعم الذي يحكم حياة الفلسطينيين، ومقاربته ضمن نظام التمييز العنصري القائم.


اقرأ/ي أيضًا: 

المشاريع الوطنية الفلسطينية

قانون آخر يتم تخريبه.. قانون الإجراءات الجزائية