10-يناير-2024
مجسّم للزعيم الجنوب إفريقي المناصر لقضية فلسطين، نيلسون مانديلا، في رام الله - Issam Rimawi /Getty Images

مجسّم للزعيم الجنوب إفريقي المناصر لقضية فلسطين، نيلسون مانديلا، في رام الله - Issam Rimawi /Getty Images

قدّمت جنوب أفريقيا، في 29 ديسمبر/كانون أول 2023، بعد مضيّ 83 يومًا من الهجوم الإسرائيليّ المتواصل على قطاع غزة، طلبًا لإقامة دعوى ضد "إسرائيل" أمام محكمة العدل الدولية. هذا الطلب يأتي استنادًا لانتهاك "إسرائيل" لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، المعروفة بـ "اتفاقية الإبادة الجماعية".

تندرج الإبادة الجماعية تحت مفهوم يتكون من عنصرين أساسيين، الركن العقلي، والركن المادي

وتحاول جنوب أفريقيا في دعوتها إلزام "إسرائيل" بوقف إطلاق النار على غزة، وتسعى إلى إثبات وجود "نيّة" إسرائيلية لارتكاب "إبادة جماعية" في القطاع.

أعمدة القضية الأساسية

في إطار المادة الثانية من "اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها"، تندرج الإبادة الجماعية تحت مفهوم يتكون من عنصرين أساسيين، الركن العقلي، والركن المادي.وفيما يتعلق بالركن العقلي (القصد الجنائي)، يتضمن ذلك "التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه".

أما بالنسبة للركن المادي (actus reus)، فيشمل ذلك الأفعال الخمسة التالية: قتل أعضاء من الجماعة، وإلحاق أذى جسدي أو روحيّ خطير بأعضاء من الجماعة، وإخضاع الجماعة لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا، وفرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، ونقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى

وفي سياق هذا الفهم، قدّمت جنوب أفريقيا طلبًا أمام محكمة العدل الدولية، تقول فيه إن تصرفات "إسرائيل" في قطاع غزة تتسق مع مفهوم الإبادة الجماعية وتشمل قتل الفلسطينيين، والتسبب في أضرار جسدية وعقلية خطيرة، وفرض ظروف معيشية تهدف إلى تدميرهم جسديًا، بما في ذلك قتل الأطفال والتهجير الجماعي، وتدمير المنازل، والحرمان من الضروريات الأساسية، واستهداف المؤسسات التعليمية والثقافية في غزة.

إثبات وجود نية إسرائيلية لارتكاب الإبادة الجماعية في غزة، سيكون التحدي الأكبر أمام فريق جنوب أفريقيا القانوني، إذ إن ربط النية بالأفعال قد يستغرق سنوات

وقال الخبير في العدالة الجنائية والقانون الدولي بول مرقص في لقاء حواري مع مؤسسة الدراسات الفلسطينية، إن الطلب الذي قدمته جنوب أفريقيا ويتكون من 84 صفحة، يستند إلى الوصف الجرمي للإبادة الجماعية، بمعنى أنه يحاول إثبات أن "إسرائيل" تهدف من وراء العملية العسكرية إلى محو الفلسطينيين، وأشار الطلب لتصريحات العديد من المسؤولين والعسكريين الإسرائيليين الذي نادوا بالقضاء على الغزيين والقطاع. 

وكانت صحيفة معاريف العبرية قد استعرضت، في وقت سابق من هذا الأسبوع، أدلة جنوب أفريقيا التي ستستخدمها لإثبات "نية ارتكاب إبادة جماعية"، التي تضمن، من بين أمور أخرى، تصريحات أعضاء الكنيست وصحفيين ومحاضرين وجنود، وأغان تدعو إلى تنفيذ الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة.

وفي هذا، يقول الخبير في العدالة الجنائية والقانون الدولي عمر نشابة، خلال لقاء مع مؤسسة الدراسات الفلسطينية، إن إثبات وجود نيّة سيكون التحدي الأكبر أمام فريق جنوب أفريقيا، إذ إن ربط النية في الأفعال قد يستغرق سنوات، لأن "إسرائيل" ستزعم أن هذه التصريحات كانت تعبيرًا عن "انفعال عاطفي" بسبب السابع من أكتوبر، وتتذرّع بأن هذه تصريحات وليست أوامر.

وقف إطلاق النار هدف أساسي ومستعجل 

ولكون اتخاذ قرار من محكمة العدل الدولية قد يستغرق سنوات طويلة، فإن خطورة الوضع القائم الآن في قطاع غزة دفع جنوب أفريقيا لمطالبة المحكمة بإيقاف إطلاق النار الفوري  قبل اتخاذ أي قرار، بحسب عمر نشابة.

فلسطيني يمسك بيد مجسّم لنيلسون مانديلا في رام الله - ABBAS MOMANI/ Getty Images)
فلسطيني يمسك بيد مجسّم لنيلسون مانديلا في رام الله - ABBAS MOMANI/ Getty Images)

ولتحقيق هذا ستسعى كيب تاون إلى ما يسمى بـ"التدابير المؤقتة"، وهي "سبل انتصاف مؤقتة" تُمنح في ظروف خاصة لتجنُّب أي إجراء قد يؤدي إلى تفاقم النزاع أو اتّساعه، في الوقت الذي تستمر فيه إجراءات المحكمة في المرحلة التالية. 

في إطار التزاماتهما بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، فإنه يجب على "إسرائيل" اتخاذ جميع التدابير لمنع الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني

وبهذا، فإن جنوب أفريقيا تطالب بوقف إطلاق النار كإحدى التدابير المؤقتة في ضوء أعمال الإبادة الجماعية المستمرة والمتصاعدة التي ترتكبها "إسرائيل".

وتقول جنوب أفريقيا إن التدابير المؤقتة ضرورية في هذه القضية “للحماية من المزيد من الضرر الشديد وغير القابل للإصلاح لحقوق الشعب الفلسطيني بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، والتي لا يزال يتم انتهاكها مع استمرار الإفلات من العقاب".

المطالب الجنوب أفريقية 

قدمت جنوب أفريقيا مجموعة من المطالب الحاسمة في القضية المعروضة أمام المحكمة الدولية. وأولها هو وقف فوري للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة واتخاذ إجراءات ضدها، والتأكيد على عدم مشاركة أي وحدات عسكرية أو أفراد تابعين لـ"إسرائيل" في تعزيز العمليات العسكرية المستمرة.

وذكرت جنوب أفريقيا، وفي إطار التزاماتهما بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، فإنه يجب على جنوب أفريقيا و"إسرائيل" إلى اتخاذ جميع التدابير لمنع الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.ووقف الأفعال المحظورة والتي تندرج تحت المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية، مثل قتل أعضاء الجماعة الفلسطينية والتسبب في أذى جسدي أو عقلي خطير، وتعمد إلحاق أحوال معيشية تؤدي إلى التدمير الجسدي. 

كما شددت جنوب أفريقيا على ضرورة إيقاف إجراءات تهجير الفلسطينيين وحرمانهم من حقوق أساسية كالوصول إلى الغذاء والماء والمساعدات الإنسانية، ودعت إلى التحقيق في هذه الأعمال ومحاسبة المتورطين.


اقرأ/ي أيضًا: 

إسرائيل في محكمة العدل الدولية.. كيف قدمت جنوب أفريقيا طلبها؟

سياسي جنوب أفريقي: الفصل العنصري في فلسطين أسوأ مما مر علينا

مع اقتراب موعد المحكمة.. الخارجية الإسرائيلية تنظم حملة ضد محكمة العدل الدولية


ومن المطالب الجنوب إفريقية أيضًا، وقف "إسرائيل" إجراءاتها، بما في ذلك إلغاء الأوامر والقيود والمحظورات ذات الصلة، لمنع الطرد والتهجير القسري والحرمان من الوصول إلى الغذاء والماء والمساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية وتدمير حياة الفلسطينيين في غزة، ومطالبة "إسرائيل" باتّخاذ تدابير فعّالة لمنع تدمير وضمان الحفاظ على الأدلة المتعلقة بارتكاب أفعال ضمن نطاق المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية، وبما يضمن السماح لبعثات تقصي الحقائق والجهات الدولية بالوصول إلى غزة لهذا الغرض، وتقديم تقرير إلى المحكمة بجميع الإجراءات المتخذة لتنفيذ الأمر خلال أسبوع من صدوره، وعلى فترات منتظمة حتى صدور القرار النهائي في القضية، وامتناع "إسرائيل" عن أي عمل قد يؤدي إلى تفاقم النزاع المعروض على المحكمة أو إطالة أمده أو يجعل حله أكثر صعوبة.

الفريق القانوني الإسرائيلي والجنوب أفريقي

ويتقدم الوفد القانوني الجنوب أفريقي برئاسة جون دوجارد، إلى جانب ماكس دو بليسيس، وتمبيكا نجكوكايتوبي، وعديلة هاشم، إضافة لعدد من المساعدين القانونيين. واختارت جنوب أفريقيا القاضي الخاص في هذه القضية نائب رئيس المحكمة العليا السابق الجنوب أفريقية ديكغانغ موسينيكي.

ويمثّل وفد "إسرائيل" القانوني في المحكمة الدولية  البروفيسور البريطاني مالكولم شو، بينما يشغل الرئيس السابق للمحكمة العليا الإسرائيلية أهارون باراك منصب القاضي الخاص. 

في حالة رفض "إسرائيل" الانصياع لقرار محكمة العدل الدولية، فإن الخبراء والنشطاء يأملون أن تتخذ الدول تدابير لوقف الاحتلال

وذكر عمر نشابة أن القاضي الذي سوف يمثل "إسرائيل"، أهارون باراك، قد كان من الواضح مدى انحيازه، خلال لقاءات صحفية أجراها، إذ صرح أنه يتفق مع أفعال الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي فيما يحدث في غزة، وبهذا دعا نشابة جنوب أفريقيا إلى تقديم طلب بتنحيته على أساس أنه قد "أصدر حكمًا مسبقًا"، مما يجعله منحازًا.

هل يمكن إلزام "إسرائيل" بقرارات المحكمة الدولية؟

تلزم المادة 94 (1) من ميثاق الأمم المتحدة الدول الأعضاء بالامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية في القضايا التي تكون طرفًا فيها، وفي حالة عدم الامتثال، يحقُّ لمجلس الأمن أن يُقدّم توصيات أو يقرر التدابير اللازمة لتنفيذ الحكم، ويُمكن للطرف المتأثر بعدم الامتثال عرض القضية على الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن واجب الأمين العام للأمم المتحدة أيضًا ضمان الامتثال للحكم.

ولكن في حال رفض "إسرائيل" الانصياع للقرار، فإن الخبراء والنشطاء يأملون أن تتخذ الدول تدابير لوقف الاحتلال. كما حدث في قرار المحكمة في مارس/آذار 2022، عندما أمرت روسيا بتعليق غزوها المستمر لأوكرانيا، وكون موسكو رفضت ذلك، فإن عددًا من الدول فرضت عقوبات على روسيا بسبب "الغزو غير القانوني". 

ولهذا يقول بول مرقص وعمر نشابة إنه إذا قرر الاحتلال عدم الامتثال لأي حكم من محكمة العدل الدولية، فإن الأمل يقع على عاتق الدول أن تُنفّذ عقوبات على "إسرائيل". 

ويتوقّع بول مرقص أن لا تحمل قرارات المحكمة أدوات ووسائل تنفيذية تضمن تحقيق القرار، وتدفع الدول لاتخاذ قرارات عقابية بحق "إسرائيل"، إلا إذا تم تعزيز قرار المحكمة بقرار "سياسي" من مجلس الأمن الدولي، من خلال اتخاذ تدابير عسكرية واقتصادية في سبيل إنفاذ قراراته.